شارك المقال
  • تم النسخ

عقلنة الإيجابية

    هل تريد أن تغير حياتك؟ هل تبحث عن حل لجميع مشاكلك، هل تعاني من الضغوط النفسية والتوتر؟  لن تجد حلاً لأي من هذه المشاكل حيث وجدت ترويجاً “اعتباطياً” لحلها.

إذ أنه وعلى الرغم من انشداد كل منا للوصول الحقيقي لحل عقدة تمثل عائقاً في حياته، إلا أنه من الواجب إدراك العقل، أن هناك تحديات “تراكمية” لن تنجح معها “العقاقير السحرية” التي يتمثل مفتاحها بكلمات سرية، وشعارات برّاقة.

   لقد تكدست في الآونة الأخيرة الكثير من المؤلفات على أرفف أقسام التنمية البشرية، حتى باتت تشهد توسيعاً مكانياً، وعملياً، من خلال تقديم المادة المؤلفة بوسائط رقمية وحقائب تدريبية. بل أن ذلك تعدى لتخصيص مراكز حضورية وافتراضية “شغلها الشاغل” المحاضرات والبرامج المعنية بهذا النوع من التنمية، ونثر شعارات “السعادة” في كل مكان، الأمر الذي نجح في تصدير بعض الدلالات ورواجها في المجتمعات كالإيجابية، والذكاء العاطفي، وما إلى ذلك من “الحمولة الزائدة” على كاهل الإنسان، ورفع سقف المتطلبات المنتظرة منه، مع عدم الالتفات لأي عوامل أخرى. وربما شكلت هذه “الاعتباطية الثقافية” أحد منابت القلق والخوف المتزايد لدى المجتمعات في الوقت الحاضر.  

وفي محاولة تناول الموضوع بطريقة عملية علمية، فإن القلق يبدو من أكثر الأمراض النفسية التي تواجه الإنسان، إذ  يعاني  شخص واحد من كل 8 أشخاص، أو 970 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، من اضطراب نفسي، إذ تصدر القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً من تلك الاضطرابات، وذلك بحسب الاحصائيات الواردة على موقع منظمة الصحة العالمية لعام 2019. 

إن القدرة على إمداد الدماغ البشري بغذاء حقيقي، بدلاً من خطابات التنمية البشرية التي تشبه “المسكنات المؤقتة”، يبدو أكثر جدوى، بدليل أن  العوامل الفعلية التي تقف وراء سقوط الإنسان في متاهة الإفراط في التفكير -مثلاً-، هي أسباب ك: (الاضطراب الشخصي، والاضطراب النفسي، الميل للمثالية، وغيرها)، أساسها مشاكل لا تحل بنصيحة عابرة، وبالتالي لا بد من التركيز على جذب عوامل “الإيجابية اللامؤقتة” ببيان وسائلها وأساليبها، وهذا غير مستحيل في ظل قدرة الدماغ البشري على إعادة ترتيب وتنظيم نفسه كما يؤكد مؤلف كتاب (الدماغ وكيف يطور بنيته وأداءه) نورمان دويدج.

إن القدرة على “إعادة ترميم” الدماغ، وبقاء الحيز الذي يسمح بتطوير مهاراته يدل على وسع رحمة الله سبحانه وتعالى، إذ يعاني الكثير من الأوساط الاجتماعية من ركاكة التكوين الدماغي في المراحل المبكرة، مما يضعها في مهب التحديات والمخاطر النفسية، والجسدية على اختلافها، ومن ذلك فلا بد من طرح الأسئلة التي تخرج بإجابات شافية كافية، فكيف نعيد ترتيب هذا الدماغ؟ وكيف يمكن إنقاذه من فجوة الإفراط في التفكير، أو تبعاتها من الاكتئاب والقلق وغيرها؟

إن تعزيز القدرة العقلية (المتصلة بالدماغ)، تتفق مع الانسجام التكويني للإنسان، إذ تتحد بنيته العقلية والقلبية والروحية والبدنية، مؤثرة ومتأثرة ببعضها البعض، وبالتالي فإن تحفيز الدورة الدموية من خلال الالتزام بالرياضات البدنية، سيسهم بشكل مباشر في ذلك. إذ تشير عدة أبحاث علمية بأثر الحركة البدنية على سلامة الصحة العقلية، وزيادة التركيز والحفظ، بالإضافة لدور الإمداد الغذائي المتوازن والصحي، وهذا كله على سبيل المثال لا الحصر. 

وبمعنى آخر، فإن القدرة على العيش من خلال تطبيق استراتيجيات الإيجابية التي تتمازج وحياتنا الواقعية، تعد مغناطيساً قوياً للحياة العاقلة المتوازنة بكل مقاييسها، وبالتالي فإن توجيه الإدراك الإنساني لحاجات العقل الداخلية والخارجية، تضطلع بتحقيق الاستخدام الواعي والفعال لهذه الهبة الربانية المعجزة، إذ وجد الدماغ لتوليد الإيجابية العاقلة، لا لتحويل وظيفته لتحسس ملامح الإيجابية، فالعقل أداة تخدم الإنسان، لا تطوع قدرات.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي