أثارت تدوينات الدكتور عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخصوص مشاركة رجال التعليم في الإحصاء العام المبرمج في شهر شتنبر موجة من الانتقادات من طرف رجال ونساء التعليم، الذين اعتبروها مسيئة لهم وماسة باعتبارهم وكرامتهم خاصة وصفهم ب”العطاشة”، ومنهم من اعتبرها تكريسا وتزكية لخط رسمي وظيفته الإساءة المتعمدة لرجال ونساء التعليم.
ولابد من تسجيل ملاحظات بين يدي النقاش:
– أولا :ينبغي أن يقر السي “عزيز غالي” أن التعبير خانه ولم يكن الوصف دقيقا ولا لائقا ولا موفقا، ولا حتى التعقيبات التي جاءت فيما بعد، التي كانت تنم على نوع من التعالي والغرور “إذا ما بغاوش يفهموا ذاك شغلهم” فهذه لغة مخزنية وليست لغة تواصلية حقوقية من رمز من رموز هيئة مهمتها الحفاظ على حق وكرامة الخصوم قبل الأصدقاء، وإعطاء نموذج في سعة الصدر والقبول بمختلف الآراء.
– ثانيا: لابد أن نسجل أن ردة الفعل من رجال ونساء التعليم مبالغ فيها بشكل كبير وغير عادية، مما يشم فيه رائحة حملة إلهاء إعلامي منظمة، وموجة تصفية حسابات تقودها بعض التنظيمات ـ يسارية الهوى -مع غالي وهيئته بعد سلسلة النجاحات الحقوقية والميدانية والمشاركة الواسعة في دعم فلسطين ومناهضة التطبيع، وأيضا بعد الخرجات الإعلامية والسياسية الموفقة وذات المصداقية لغالي التي أربكت حسابات “المخزن” في عدة قضايا، ومنها مواقفه الداعمة لإضرابات التعليم وتنسيقياتهم المستقلة، والتي-للأسف نسيها بعض رجال التعليم سريعا- ولعل آخرها محطة المهرجان الاحتفالي بالمعتقلين المفرج عنهم التي جمعت كل المغاربة ولا شك أنها آلمت البعض ألما شديدا.
– ثالثا: بغض النظر عن وجهة النظر التي من حق د غالي أن يبديها ومن حق العديدين أن يتفقوا أو يختلفوا معه بشأنها، فلا ينبغي أن نختصر النقاش في كلمة “عطاشة” وإساءة هي بالتأكيد غير متعمدة ولا معممة، وننجر إلى معركة جانبية إلهائية، ونتحاشى مناقشة لب المشكلة وجوهرها، وهو:
1- ما مصير تلاميذ الآلاف من الأساتذة الذين سيشاركون في هذا الإحصاء؟ وأين هي المصلحة الفضلى؟ وأليس هناك تمييز بين أبناء المغاربة؟
2-من حق مندوبية الحليمي ومعها الداخلية إنجاح هذا الاستحقاق الوطني لكن أليس من الظلم أن يكون على حساب الزمن المدرسي وعلى حساب التلميذ والبرامج الدراسية؟
3- ألم يكن بالإمكان التفكير في بدائل أخرى من المعطلين والقطاع الخاص والطلبة ومكاتب الدراسات؟
4- أيهما أكثر أهمية إنجاح الدخول المدرسي أم إنجاح إحصاء كان يمكن تأجيله إلى نونبر أو دجنبر أم إن الراعي الدولي- صندوق الأمم المتحدة للسكان – لا يسمح؟
أسئلة ينبغي تشريحها لفهم أبعاد القضية.
1- قبل التحليل، لا أحب بالطبع إن أكون تبسيطيا وأن اختصر مشاركة رجال التعليم في هذا الاستحقاق في الدوافع المادية فحسب وإن كنت لا استبعادها نهائيا فهي من حقهم وليست صدقة أو منة، فإن كان هذا صحيحا من طرفهم، فكان بإمكان مندوبية الحليمي ووزارة الداخلية أن تمنع رجال التعليم من المشاركة ووتستغني عنهم وتعوضهم بآخرين، لكن هناك أسبابا أخرى من أهمها المسؤولية والمصداقية والكفاءة والخبرة والإحاطة بالمجال التي راكمها رجال التعليم خاصة في الوسط القروي، وهناك أيضا روح الوطنية العالية التي يتمتع بها رجال ونساء التعليم ودونكم تضحياتهم الكبرى في كورونا والزلازل وما بعد الإضرابات التي كانت دون مقابل.
2- الدخول المدرسي هو لحظة هامة في حياة الشعوب المتحضرة لذا كان على الحكومة أن لا تشوش عليه باستحقاق آخر، وهذا خطأ في البرمجة الحكومية من حكومة أخنوش التي كم تباكت في فترة الإضراب عن هدر الزمن المدرسي و ضياع “أبنائنا وبناتنا”، وهذا وحده يفضح أهمية التعليم وأوليته في السياسات العامة، فالانتخابات تقدم والإحصاء يقدم والمناسبات الرياضية تقدم، والهاجس الأمني يقدم، ودائما التعليم وقضاياه تؤخر وتؤجل.
3- العدالة التعليمية هي أحد مداخل العدالة الاجتماعية، فكيف يعقل أن يتم التمييز وتكرس الفوارق بين أبناء المغاربة بين تلاميذ التعليم العمومي وزبائن التعليم الخصوصي وبين أبناء القرى والمدن، وبين مدارس الريادة ومدارس x ولو بسبب ساعة واحدة، فاين هي مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص؟
4- إن ما يقال على التعليم يقال عن موظفي باقي القطاعات المشاركين في الإحصاء العام، ما مصير الخدمات التي تقدمها مرافقهم العامة؟ وأين هي مصالح المواطنين والمواطنات؟ وهنا نطرح سؤالا عريضا حول طبيعة التدبير الحكومي لملف مثل وما هي حدود التنسيق بين القطاعات الحكومية؟ فالتنسيق تم فقط بين وزارة الفتيت ومندوبية الحليمي فأين باقي الفاعلين؟ أم إن مراسلة الحليمي لرئيس الحكومة بتأجيل مباريات الوظيفة العمومية كافية أم إنها تفضح الارتجال والعشوائية؟
5- يعلم التربويون أهمية أسابيع التقويم التشخيص وما تكتسيه من خطورة على سير الدراسة خلال السنة، ولهذا يعقدون عليها آمالا وتبنى عليها خطط التقويم والدعم، ويلح على أهميتها الجميع، ومشاركة عدد غير معلوم يقدره البعض ببضع آلاف حوالي 7200 أستاذ، ويوصله البعض إلى ثمن 20000 التي أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط.
إن من أهم حسنات هذا النقاش أنه أعاد إلى الواجهة الحديث حول الحق في التعليم، باعتباره استحقاقا وطنيا، وأولوية حضارية، ومطلبا إنسانيا، وتحديا سياسيا وتنمويا حقيقيا يواجه بلادنا ليس على مستوى الخطاب والشعارات، ولكن من خلال الممارسة والتنزيل والسياسات الحكومية المتبعة، فالعديد من ملفات التعليم ما زالت عالقة لحد الساعة، وللأسف ستؤدي سياسات التماطل والتسويف الحكومي إلى تفجيرها مستقبلا.
ثم هو نقاش لابد له من الابتعاد عن لغة التخوين والإسفاف والانفعال، وأن يؤسس لحوار هادئ وبناء، فالتحديات أمامنا كبيرة جدا والله أكبر.
* د غالي جمعتنا محطات نضالية ويجمعنا المجلس الوطني للجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع.رغم اختلاف الانتماء والخلفية والمرجعية.
تعليقات الزوار ( 0 )