Share
  • Link copied

عشاقُ “الترحال” يقاومون الطوارئ الصحية خوفاً من الاكتئاب

ليسوا كغيرهم. يغامرون بكل شيء تلبيةً لنداء الترحال العميق في ذواتهم. يحملون أمتعتهم على الأكتاف ويتجهون صوب الهدوء والطبيعة والصفاء في كل مكان. خِيمُهم ضاربةٌ في الأرضِ وجلساتهم حول النيران، بحثاً عن الانتشاء.

الشايُ يبدو لك فوق الأعوادِ يبعثُ بخارهُ صوب سماء صافية لا شائبة فيها. يراقبون تغيّر الجو قُبيل كل عمليةٍ يقبلون عليها. أغبهم شبابٌ وجدَ في هذا الشغف رديفاً للسعادة وتطهيراً للوجدان. الجبالُ تعرفُ ملامحهم، فهي تتذكرهم يتسلقونها بحبٍّ واحداً واحداً، ذكوراً وإناثاً. كل جهات البوصلة تتسعُ لرحلاتهم، رغم الحجر الصحي، إلاّ أن منهم من تمسّكَ بعروةِ الترحال وقاوم لكي لا يفلتها. يسعون إلى اكتشاف الطبيعة في بلدهم، ويراهنون على التنقل بأقل الأثمان، فالادخار هو روحُ الترحال.

هجرةٌ على الأقدام…

منهم من لا يتوفر على رخص للتنقل الاستثنائي، فقبِلَ تضحيةً أن يضرب مسافاتٍ على الأقدام ليغادر جميع مواقف الأمن والدرك، ثم يستوقف أي سيارةٍ مارة بالأرجاء تنقلهُ إلى وجهته.

هكذا أكد حمزة الرتيبي، المهووس بالترحال، والذي يقول إنه بعض أصدقائه من أجل الذهاب إلى مراكش فعلوا المستحيل، وهاجروا على الأقدام، فنجحوا في دخول المدينة بعد أن أقلتهم بعض السيارات المارة. “ولكن شي وحدين مشاو للشمال ومالقاو كيفاش يديرو ورجعوا بحالهم، وكاينلي مكايغيبغيش يهزهم لأنه خايف من كورونا”.

وقال أمين، الذي هاجر على أقدامه، أنه أمام انسداد كل الطرق، لم يجد سوى أن يعول على قدميه للترحال، “لا بغيتيني نبقا فالدار بلا منسافر بغيتيني نمرض نفسياً ونزيد نتعقد هي هادي لي كايقولو لينا هاد الناس لي سادين علينا فالقنيطرة”، يقولها بعصبية شديدة، وكأنما يحاول أحدهم أن يسلب منه حقه الطبيعي، بالنسبة إليه.

زخمُ المنطقة الثّانية!

بقيت أكاديرُ والصويرة وأزيلال وخنيفرة وبني ملال والصحراء الجنوبية، في تصنيف المنطقة الثانية، حيثُ التنقل متاحُ منذ إعلان رفع الحجر الصحي بشكل تدريجي، وهذه بعض الوجهات المفضلة لعشاق الترحال بالمغرب.

“بقيت غير بين مدن المنطقة جوج ولكن الحمد لله كانت كافية واخا هكاك فوجت هاد الصيف”، بهذه العبارة المصحوبة بابتسامة طفولية، يتحدثُ أيوب الساكن بمدينة الرباط، ويقول بأنه ذهب إلى بين الويدان وأم عزة وخنيفرة، “رغم أن الجو استثنائي والحركة قليلة ولكن تبقى تلك الأماكن برونقها وجماليتها بالنسبة لنا نحن عشاق الترحال”.

وأكد الرحال علي صغيري، أنه نظراً لتوفره على رخصة للتنقل ونظراً لظروف العمل التي تتيح له التنقل، فهو لم يواجه أي صعوبات من هذه الناحية وزار الكثير من المدن بما فيها الشمال، معرباً عن سعادته العارمة لأنه استفاد من الصيف كما يجب، وقضاه في الأشياء التي يحب.

الترحال هروب من الموت…

وفي هذا الصدد، قال حمزة الرتيبي ضاحكاً بعمقٍ شديد، إنها “مشكلة صعبة عن التفسير أن تبقى بدون ترحال لمدة طويلة، إنك تحكم على نفسك بالموت، والترحال هروب من الموت”.

وأضاف الرتيبي بتهكم، جامعاً ملامحه العسلية، أنه لم يشفي غليله الترحال بأكادير تحت مظلة الطوارئ الصحية وتشديد الخناق على الرّحل من لدن السلطة، التي تمنع نصب الخيمة ببعض الأماكن الحيوية بأكادير.

وشدد حمزة بصوته الخشن، أنه ينبغي أن يكون ثمة تساهل مع الرحل لأنهم عادة ينعزلون إلى البر والخلاء والطبيعة والجبال، وبالتالي “فهم لا يشكلون خطورة على الساكنة في المدن التي يلجونها”.

وأكد أيوب خويا بصوت يميلُ نحو الشوق والحنين، “أن النفسية أضحت مهزوزة والملل يقتل ونحنُ ننتظر متى ينتهي كل هذا ونعود للحياة الطبيعية، حيث نستطيع التحرك بحيوية للتخلص من الطاقات السلبية”.

ونصح خويا بثقة كل من يعاني من الاكتئاب بخوض تجارب عديدة للترحال، لأنها “سبيلٌ للهروب من ذلك الروتين اليومي القاتل”.

خيمتنا الجامعة!

يقول علي، الأسمر البشرة الذي ينحدرُ من قصر السيفة بالجنوب الشرقي، إن أسوأ خبر جاء في ظل الطوارئ الصحية هو عدم التجمع داخل الخيمة وفرض على كل فرد أن يكون بخيمته لوحده، “وعرفتي أش نقوليك حلاوة التريب هو فاش كتخشا وسط الخيمة مع عشرانك وضحكو وتنشطو ومولاها ربي”.

وزاد الفيلاليّ وشاربهُ الفاحمُ يهتزُ في مكالمة فيديو عبر الواتساب، أن الترحال أصبح مصاباً بالوسواس، لأنك “تشك في كل شيء وتخاف من أصدقائكَ والمعقم دائما بين يديك، وتحاول ألاّ تحتك برفاقك في السفر خوفاً على الجميع وحفاظاً على سلامتهم”.

رحّلٌ بصحبة الفيروس

وقالت إكرام بختالي الصحافية الهاوية للترحال، إن الصعوبات النفسية تكمن في القلق، “فأولًا يَصعُب السفر خلال حالة الطوارئ الصحية، لأنه من الممكن في أي لحظة، أن تكون متواجد في منطقة ما، ويصدر قرار بقفل مدينتك”.

وزادت بختالي بوضوح أنه ثمة تخوفٌ آخر من نقل الفيروس للمناطق التي تزورها، “لأنها خالية من الوباء وتكون بعيدة عن المدن الكبرى التي تعرف ارتفاع في حالات الإصابة. موردةً “أن الإجراءات الإدارية للحصول على رخصة التنقل لا تساعد على تحقيق رغبة السفر، إلى جانب ارتفاع تكلفة وسائل النقل العمومي”.

وقال خويا بحسرةٍ ومرارةٍ أنه نظراً لاعتبار المناطق التي يذهب إليها الرحل ينقطع فيها نسبياً الاتصال مع العالم، بسبب غياب الشبكة فيها، و”هكا تقدر توصل لواحد المنطقة وترجع بؤرة وتسد عليك ونتا ماعارفش شنو داير فالعالم”.

Share
  • Link copied
المقال التالي