يعتبر موضوع العدالة المجالية من المواضيع المتداولة في السنين الأخيرة بصيغه المختلفة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، وسوف أحاول من خلال التطرق إلى نقطتين أساسيتين معالجة هاته الإشكالية:
النقطة الأولى :مداخل نظام الجهة لتحقيق العدالة المجالية
النقطة الثانية :برامج ومخططات الجهة ودورها في التقلص من التفاوتات المجالية
النقطة الأولى :مداخل نظام الجهة لتحقيق العدالة المجالية
بعد دسترة نظام الجهوية بالمغرب في دستور 2011حيث خصص الدستور للجماعات الترابية 12 فصلا باعتبارها آليات وأدوات ووسائل قانونية ومالية لها دور منوط ومحرك أساسي للتنمية .1
وبالرغم مع أن الجهة كمفهوم وشكل للتنظيم الإداري لم تر النور إلا مع ظهير16يونيو 1971 كإطار اقتصادي أملته عوامل اقتصادية مرتبطة بالعجز في التنمية الذي ساهم في تقليص الفوارق المجالية ،بالإضافة إلى دمقرطة المؤسسات الجهوية وعوامل اجتماعية تهدف إلى تجاوز الاختلالات العميقة التي كرسها المستعمر بين المغرب النافع والمغرب غير النافع ،ولقد ظهرت رغبة إشراك أوسع للفئات الاجتماعية في تدبير الشأن المحلي واضحة من خلال المعطيات القانونية لظهير 1997 الذي جعل الجهة فضاء جديد للتداول والتشاور و الإنجاز ،ولقد أثبتت الجهوية كنموذج للحكامة الترابية والتي أثبتت نجاعتها في الدول السائرة في طريق النمو تتبناها باعتبارها الإطار الأمثل لتدبير الموارد وتنفيذ المشاريع التنموية لتجاوز معضلة التخلف و الفقر وتقليص الفوارق المجالية .2
وشكلت الجهوية مرجعية أساسية في الخطابات الملكية ففي خطاب العرش لسنة 2011 يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله”مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا استراتيجيا وليس مجرد بناء إداري ،وننظر أنها صرح ديمقراطي أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية “.3
ولهاته الاعتبارات بوئها دستور 2011مركز الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية وحجر الزاوية في طور تكريس لامركزية متقدمة و تنمية ترابية ،ووفقا لأحكام الدستور الجديد يرتكز التنظيم الجهوي الذي يعتبر الإطار العام الذي ينظم اختصاصات الجهة ونظامها المالي على مايلي :4
- مبدأ التدبير الحر
- التعاون والتضامن بين الجهات وفيما بينها وبين الجماعات الأخرى
- إشراك الجماعات في تدبير شؤونهم
- الرفع من مساهمة المواطنين في التنمية المندمجة المستدامة
- مساهمة الجهة في إعداد سياسات ترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين
- تيسير مساهمة المواطنين والمواطنات من خلال آليات تشاركية للحوار والتشاور
- تمكين المواطنين من تقديم العرائض وجمعيات المجتمع المدني من تقديم ملتمسات في مجال التشريع
كما تمت دسترة صندوق التضامن بين الجهات وتجاوز التوزيع غير المتكافئ للموارد قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية وكذا التفاوت بينهما طبق للفصل 142 من الدستور .5
مما سبق نسستج أن المغرب راكم تجربة مهمة في مجال اللامركزية لكن هذا التطور لم يصاحبه تطور على المستوى المالي والإشكالية التي تطرح هل هاته التجارب التي عرفها المغرب المستقل استطاعت أن تقلص لنا الفوارق المجالية في المجال الترابي والاجتماعي هذا ما سأتطرق إليه في النقطة الثانية .6
النقطة الثانية :برامج ومخططات الجهة ودورها في التقلص من التفاوتات المجالية
بالنظر إلى التفاوتات المجالية التي عرفها مغرب ما قبل الاستعمار ،هاته التفاوتات التي عرفها المغرب إبان الحماية والذي قسم المغرب ألى مغرب نافع ومغرب غير نافع ،هذا التقسيم الذي كانت انعكاساته على المستوى الاقتصادي بل حتى على التماثل الاجتماعي والذي كانت تداعياته الثقافية كبيرة على المجتمع المغربي.
وبعد حصول المغرب على الاستقلال وبالرغم من الثروات الطبيعية والطاقات البشرية بالإضافة إلى العديد من المخططات والبرامج المهمة إلا أن حدة التنفاوتات المجالية ازدادت خصوصا إبان سنوات الرصاص والتقويم الهيكلي ،وأثرت بشكل كبير على أزمة التقة بين الدولة والمجتمع وازدادت حدة الفقر وقد أكد تقريري البنك الدولي لسنة1995 الذي تكلم عن السكتة القلبية وسنة 2002 الذي أكد أن ازياد حدة المساواة الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى غياب المساءلة الداخلية والخارجية ،كل هذا زاد من حدة التفاوتات المجالية ،وبعد صدور تقرير الجهوية ودخول هذا البرنامج حيز التطبيق كانت انتظارات المغاربة كبيرة على هذا الإطار للخروج من أزمة التفاوتات المجالية بفضل نخب محلية لها نظرة سياسية ضيقة وليس لها نظرة ترابية تنموية.
ومن البرامح التي أنقذت ماء الوجه نجد برنامج محاربة الفوارق الترابية والمجالية الذي حقق إنجازات مهمة سواء بالنسبة للرصيد المالي الذي جاء به 54 مليار درهم أو المتدخلين الأساسيين فيه وهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق التنمية القروية ،هذا البرنامج الذي كان مجال تدخله من خلال قطاعات مهمة كالصحة والكهرباء والماء والتعليم والمسالك الطرقية وشرعية إنجازاته كان لها أثر اجتماعي كبير على ساكنة العالم القروي.
سواء من خلال مشاريع مهمة كالمراكز الصحية القروية والمسالك الطرقية وبناء وتأهيل المدارس والاعداديات والثانويات التاهيلية وأقسام التعليم الأولي ..وكان لأجهزة حكامة هذا البرنامج والتشخيص الذي أنجز وجمعية تاركا التي تواكبه وتقومه من خلال تشخيصاتها القيمة والمتميزة الدور الكبير في نجاحه.
نخلص في الأخير إلى الخلاصات التالية:
الخلاصة الأولى: أن المغرب راكم تجارب مهمة على المستوى الجهوي وبالرغم مع أن أثرها الاجتماعي لم يكن في المستوى المطلوب إلا أن استثمار هاته الترسانة القانونية وهاته التجارب بالإضافة إلى الإرادة السياسية لدى نخبنا من شأنه أن يحقق لنا عدالة مجالية ويقلص لنا من حدة الفوارق الترابية والاجتماعية.
الخلاصة الثانية: بنجاح برنامج محاربة الترابية والاجتماعية سنة 2017/2023 الذي يعتبر إحدى أهم برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلته القانية والثالثة والذي يعد أحد المداخل الأساسية لبناء الدولة الاجتماعية تجعل صلب القضايا المحلية والجهوية في قلب السياسات العمومية.
الخلاصة الثالثة: إن بناء دولة وطنية مبنية على عنصر الإنتماء والإندماج الوطني لا يمكن تحقيقه إلا بعدالة اجتماعية تنبني على مبادئ التراب والإنصاف والديمقراطية التشاركية والالتقائية بين السياسات العمومية على المستوى الأفقي والمستوى المحلي.
لائحة المراجع والهوامش:
1- انظر رشيد السعيد “مدى مساهمة اللامركزية واللاتمركز الإداري في دعم الجهوية “أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ص 48
2- انظر الظهير الشريف رقم 1.97.84.الصادر في 23 ذي القعدة 1417 02 ابريل 1997 تنفيذ القانون 47
3- مرجع سابق
4- انظر تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة 2011منشور على الموقع www.reginalisationavance .ma
5- مرجع سابق
6- انظر كريم الشكاري “الجهوية المتقدمة بين مقتضيات الدستور المغربي وافاق الوضع الجديد “مقال منشور بموقع العلوم القانونية
باحث قي مركز الدكتوراه مختبر بيئة. تراب. تنمية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )