Share
  • Link copied

ضباط إسرائيليون كبار: المستوى السياسي يدفع لحرب “يأجوج ومأجوج” في الضفة الغربية

مع مرور أحد عشر شهرا لشن الحرب المتوحشة على غزة، وفشل مساعي صفقة تبادل الأسرى بسبب رفضها من قبل حكومة الاحتلال، ورغبتها باستمرار المذبحة وتوسيعها نحو الضفة الغريبة المحتلة، واستمرار واشنطن والدول الغربية بالثرثرة ومحاولتها كسب الوقت، يتجّه الصراع الكبير نحو المربّع الأول وللمزيد من التعقيد، خاصة مع ارتفاع وزن المركّب الديني فيه.

وبالتزامن أيضا، يؤكد وزير إسرائيلي سابق مما حذر منه جنرالات في الاحتياط بقوله: “نحن الآن لسنا على بُعد خطوة واحدة من النصر، بل على بُعد خطوة واحدة من هزيمة استراتيجية”.

ويبدو أن هناك في إسرائيل من يبحث عن التصعيد واستبعاد الحلول على أنواعها بحثا عن “الخلاص” من خلال حسم الصراع بدلا من إدارته أو تأجيله أو تسويته؛ طمعا بالأرض الفلسطينية، ولدوافع “مسيحيانية غيبية”.

حتى الآن، فشلت الضغوط الخارجية على حكومة الاحتلال من أجل إتمام صفقة وإنهاء الحرب. والولايات المتحدة تبدو غير راغبة بالضغط الفعال عليها لحسابات غريبة، جوهرها داخلية انتخابية قوامها التوجس من تدخل لوبيات صهيوينة وإسرائيلية في انتخابات الرئاسة، ومحاولة معاقبة الحزب الديموقراطي، وترجيح كفة دونالد ترامب في منافسة تبدو شديدة ومتكافئة.

هذا هو حال الضغط الخارجي الضعيف، الغربي والعربي على حد سواء، فهل تكون الضغوط الداخلية أكثر جدوى؟ في الماضي سبق ودفعت احتجاجات الشارع الإسرائيلي الواسعة لتراجع نتنياهو عن قراره بعزل وزير الدفاع يوآف غالانت في مارس 2023 لانحيازه للموقف المناهض لمحاولة تغيير النظام القضائي- السياسي. وبعد الكشف عن مقتل ستة من المحتجزين الإسرائيليين في غزة قبل أيام، تصاعدت الاحتجاجات، وبات تعداد المتظاهرين بمئات الآلاف لا عشرات الآلاف. وهذا لابد يقلق نتنياهو في حال استمرت وتصاعدت الاحتجاجات رغم التعب والتردد بسبب الخوف من فكرة التظاهر في ذروة الحرب، ومن خسارة إسرائيل، وبسبب شهوة الانتقام وغيره.

غزونة الضفة الغربية: تدمير وتهجير

على خلفية الخوف من المجهول، ومما تحمله الأيام من تصعيد خطير، والاعتقاد بأن المخفي أعظم خاصة فيما يتعلق بنوايا وأولويات نتنياهو وحكومته، تعرب أوساط إسرائيلية عن مخاوفها من أن إفشال الصفقة سيعود كيدا مرتدا استراتيجيا على إسرائيل. أوّلا لأن بقاء المحتجزين في غزة وموتهم فيها هو مسألة أمن قومي وينطوي على ضرب خطير لوعي وثقة الإسرائيليين، ولفكرة “العودة للدولة اليهودية الملجأ الأكثر أمنا لليهود في العالم”. وثانيا، فإن هذه الأوساط الإسرائيلية ترى أن عدم إطفاء النار الآن سيفتح الباب أمام اشتعالها بقوة في الضفة الغربية التي تشهد حالة توتر تتجه للغليان، وربما تشعل حربا أخطر مع حزب الله في توقيت غير ملائم.

الأقصى والانفجار العظيم

وهذا ما حذّر منه اليوم الأحد، ضباط كبار في جيش الاحتلال بقوا مجهولي الهوية، وتنقل عنهم صحيفة “يديعوت أحرونوت” في عنوان رئيس، قولهم إن المستوى السياسي (سموتريتش وبن غفير بالأساس) يشّجع التصعيد داخل الضفة الغريبة: إشعال حرب يأجوج ومأجوج. منبهين إلى أن اللغم الكبير الخطير هو الحرم القدسي الشريف، ومحاولة العبث به من خلال محاولة تغيير الوضع الراهن فيه، بحيث يُفتح للصلاة أمام اليهود على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل، فتاريخ الصراع يدلل على أن الانفجارات الكبرى حصلت بعد الاعتداء على الأقصى، الصرح الديني الوطني الحضاري المسكون به الفلسطينيون منذ هبة البراق عام 1929.

ويتهم هؤلاء الضباط الكبار، نتنياهو ووزراءه بالمراوحة في المكان وعدم اتخاذ قرارات، ويتدارسون إمكانية الاستقالة.

وهذا ما يؤكده المحلل السياسي في الصحيفة شمعون شيفر الذي يقول: “قبل أن نقدم على استذكار عام على 7 أكتوبر، من المفضّل فهم وضعنا في هذه الحرب التي لن تنتهي في العام القادم حسب كل المؤشّرات”.

ويمضي في ترسيم حقيقة الواقع المغاير عن الصورة المعلنة في إسرائيل رسميا: “عدا عن عدم استعادة المخطوفين، فإننا نواجه حقيقة عدم إلحاق هزيمة بحماس، وعدم رفع راية بيضاء داخل قطاع غزة، حيث تواصل الحركة استنزاف جنودنا، وتتمسك بموقفها في مفاوضات الصفقة والشروط التي طرحتها منذ البداية. أما نتنياهو، فيواصل رواية قصص كاذبة حول محور فيلادلفيا. لكن المسألة الأكثر قلقا في المفاوضات، هي مطالبة حماس بتحرير مئات الأسرى القدامى المحكومين بالمؤبد”.

وعن مفاعيل الاحتجاجات، يقول شيفر: “أجرؤ على القول إن تجليات التضامن الشعبي مع المخطوفين وذويهم لا تؤثر على صناع القرار. فالأبواب موصدة، وصرخات الشارع لا تصلهم، فيما عادت إسرائيل لما كانت عليه قبل الحرب: الكل  يتصارع مع الكل: أنصار ومعارضو تغيير نظام القضاء”.

غزونة الضفة الغربية وضفضفة غزة

تشارك محررّة الشؤون السياسية في صحيفة “هآرتس” نوعا لانداو، في التحذير مما هو آتٍ. فتقول إن قتل الأبرياء الفلسطينيين في الضفة الغربية بات روتينا وبأعداد لا يتخيلها العقل. بالمقابل في غزة، تتتطور الأحداث نحو حكم عسكري، ويبدو أن منع مشاهد يوم القيامة (الانفجار العظيم للصراع) الآخذ بالاقتراب، مرتبطة بإتمام صفقة ووقف الحرب.

وتتابع محذرة بصوت عال مما يذكّر بالصراعات الدموية التاريخية في منطقة البلقان شرقي أوروبا: “نحن أمام خطر حقيقي: غزونة الضفة الغربية وضفضفة غزة. حيث تحدث مسيرتان تنتجان واقعا خطيرا في محورين متشابكين تتفاقمان منذ 7 أكتوبر وتبعاتها خطيرة”.

وينضم لهذه الرؤية آفيدان فريدمان، حاخام من مستوطنة “إفرات” بالضفة الغربية. فيقول في حديث لملحق صحيفة “هآرتس”، إن الحلم الصهيوني لن يبقى طالما استمرت آثام الإسرائيليين واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين. محذرا من تقديس المجتمع الإسرائيلي -خاصة المستوطنين- للقوة. ويدعو فريدمان لإتمام صفقة تستعيد المخطوفين، ويؤيد فرض عقوبات على مستوطنين عنيفين. ويؤكد مجددا مناهضته بيع السلاح الإسرائيلي لأنظمة استبدادية في العالم.

مراوحة في المكان

من جهته، يؤكد غلعاد شارون، نجل رئيس حكومة الاحتلال السابق أريئيل شارون في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، أن نتنياهو ضعيف لا يعرف اتخاذ قرارات، وعاجز عن الحسم وأن الكابنيت أضعف .

ويضيف داعيا هو الآخر لصفقة: “في الأيام الاعتيادية هذا غير كاف. وفي الفترة الحالية (الحرب) ببساطة هذا غير محتمل. علينا بصفقة تعيد كل المخطوفين مرة واحدة مع الثمن الذي تستطيع الدولة تسديده”.

في سياق متصل، كان الوزير الأسبق حاييم رامون (حزب العمل) قد واصل التحذير من هزيمة استراتيجية لإسرائيل في مقال نشرته صحيفة “معاريف” جاء في مقدمته: “إليكم بعض الحقائق الصعبة التي لا يجرؤ المستويان السياسي والعسكري على قولها. بعد 11 شهراً على الحرب، لم نحقّق هدفاً واحداً. صحيح أننا ضربنا حماس بقوة، لكننا لم ندمّر سلطتها المدنية، ولم نقضِ على قدرتها العسكرية، ولم نحرر كلّ المخطوفين، ولم نُرجع الأمن إلى الجنوب. يجب الإشارة إلى عضو الكنيست غادي أيزنكوت الذي كانت لديه الشجاعة للاعتراف بذلك أمام الجمهور، وكونه كان مراقباً في كابينت الحرب، فهو أيضاً يتحمل المسؤولية عن الوضع الذي وصلنا إليه. نحن الآن لسنا على بُعد خطوة واحدة من النصر، بل على بُعد خطوة واحدة من هزيمة استراتيجية. لكن السياسيين في الائتلاف والمعارضة، غير مستعدين لتقديم خطة استراتيجية جديدة، لأن هذا يتطلب منهم شرح أثمانها الحقيقية للجمهور”.

احتلال عسكري شامل

وكرر رامون مقولته بأن الطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف الحرب؛ أي القضاء على حُكم حماس، وعلى قدراتها العسكرية، كانت بواسطة احتلال عسكري شامل، وحُكم عسكري مؤقت، وسيطرة أمنية دائمة على قطاع غزة. زاعما أن هذا ما كان يجب فعله منذ بداية الحرب، وهذا ما كان يجب أن فعله منذ عدة أشهر عندما عرفنا أنه من المؤكد أن الخطة التي وضعتها رئاسة هيئة الأركان العامة لن تحقق أهداف الحرب. والآن، يبدو أن الوقت تأخر، بينما الجيش منهك، ووضعنا الدولي سيئ جداً.

ويضيف: “مخطط صفقة المخطوفين المقترح حالياً هو بمثابة كارثة. لكن ليس لدى السياسيين على طرفَي المتراس الجرأة على القول للجمهور إن السبيل الوحيد لإعادة المخطوفين هو إبرام صفقة من مرحلة واحدة، تُنهي فيها إسرائيل الحرب بصورة رسمية، وتعيد حماس كل المخطوفين دفعة واحدة (طبعاً، ليس لديهم الجرأة على ذِكر الثمن الباهظ الذي سندفعه في مقابل هذه الصفقة)”.

ويقول رامون إنه استناداً إلى أيزنكوت، فإن الأغلبية الساحقة في مجلس الحرب المصغر والعام، تدفع في اتجاه صفقة من “مرحلة واحدة”. لكن بدلاً من النضال من أجل ذلك، فإنهم خضعوا لنتنياهو الذي يريد عقد صفقة على مراحل.

ويخلص رامون للقول: “صحيح أن هذه الحقائق صعبة ومخيفة. فوضع إسرائيل الأمني هو الآن في أدنى مستوياته. وأمامنا أيام صعبة، ويبدو أننا سنتورط في حروب أُخرى خلال الأعوام المقبلة. لكن كذب السياسيين والضباط الكبار علينا، يمنعنا من النظر إلى الواقع بصورة صحيحة، واستخلاص النتائج المطلوبة من الإخفاق الكبير في 7 أكتوبر، والإدارة الفاشلة للحرب. حان الوقت الذي يجب على كل الذين يكذبون علينا -لاعتبارات سياسية وشخصية- إخلاء الساحة وتركها لزعماء يقولون الحقيقة للشعب”.

حرب استنزاف

ويتقاطع معه يوعاز هندل (انشق عن حزب “أزرق- أبيض” برئاسة غانتس) وهو الآخر وزير سابق، حيث قال في مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”: “نحن نُجري نقاشاً سطحياً بشأن محور تكتيكي. من الأسهل لرئيس الحكومة والكابينت التهرب من اتخاذ قرارات تتعلق بتحديات كبيرة، مثل حزب الله وإيران، وحتى شمال قطاع غزة. لقد أصبح محور فيلادلفيا ملاذاً يهرب إليه أيضاً المعارضون للحكومة، كأن الانسحاب منه سيعيد المخطوفين. وفي الحقيقة، لا يوجد نقاش حقيقي، بل فوضى”.

ويرى هندل بضرورة السيطرة أعواماً طويلة على قطاع غزة، وجباية ثمن باهظ على صعيد الوعي، وضغط مكثف لإعادة المخطوفين، فضلاً عن مرونة تكتيكية في المفاوضات لإعادتهم.

وحسب هندل، فإن الأهداف العليا هي أن يكون قطاع غزة مقطّع الأوصال، ومنزوع السلاح في الأعوام القادمة، إضافة إلى استعادة المخطوفين، ووجود عسكري دائم هناك.

ويختتم انتقاداته بالتوافق مع مراقبين إسرائيليين خاصة جنرالات في الاحتياط يخشون من “لبننة” القطاع، ومن الغرق في وحل غزة بقوله: “إذا كانت الحكومة الإسرائيلية غير مؤهلة لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية، بل معالجةٍ فقط لمحور واحد، فإننا لن نحقق الحسم، بل سنغرق في حرب استنزاف طويلة”.

Share
  • Link copied
المقال التالي