عموما سعدت لمستوى الإستيعاب المواطن للحظة التاريخية التي يعيشها الوطن ، على غرار الإنسانية جمعاء . أتابع كل ما يكتب ، و أضع الفضاء العمومي تحت مجهر التمحيص ، و بذلك تبين لي حجم التحول القيمي المهم الذي رافق الميزاج العام للمغاربة ، حيث أجد انخرط المواطن لدى النخبة مريحا للقلب و يعكس نضجا يستحق الدعم قدما.
و تحريا للموضوعية في بناء أحكام متجردة من كل السوابق و الخلفيات، أعتبر أن الدولة المغربية كانت في حجم اللحظة منتصرة للشعب ، دون الإستسلام لأضرار الإقتصاد ، بنفس توفق الشعب في مواكبة ايقاع اليقظة الدولية . و كل الإجراءات المتخذة من لدن المغرب الرسمي تشكل سابقة تستحق التنويه ، على مستوى تصريف السيادة دون رجحان كفة العلاقات مع الميتروبول.
إن جائحة كورنا إذن تشكل ألة قياس لجس النبض الجمعي و اخضاع الوطنية لمحك النقد من منطلق الوعي الوطني المواطن . و لا يجوز ، منهجيا ، تعميم الإستنتاجات دون الوقوف على بعض المزايدات التي تولد من رحم السوابق المتراكمة في ذهنية المناضل ، على نقيض الصمت المشكوك فيه من لدن صنف أخر من المغاربة الذين التزموا الصمت غير مبالين بالصدمة الحاصلة لدى الشعب / الدولة ؛ غير بعيد من ضفة شمال الحوض المتوسط حيث تقبع إيطاليا المنكوبة صحيا بمحاذاة باقي أصقاع أروبا الجريحة.
ودعوني أوضح صنف المزايدات و صنف اللامبالاة هذا ، تحقيقا لمنطق الكشف الإيكوغرافي على قاعدة ما توصلت إليه الملاحظة الموضوعية بناء على سند التحليل الإمبريقي للمتاح مغربيا من مواقف معلنة و مضمرة .
صنف المزايدات ؛ على منوال التاريخ السياسي للمغرب ، نصادف كثيرا من المتخصصين في المزايدة يمينا و يسارا ، عبر ادعاء البطولة و محاولة احتكار قدسية المواقف ، على أنقاض الأخر الذي تليق به الشيطنة . فهذا الصنف لا يقبل أن يعترف بمجهودات الدولة و انخراطها الصارم في حماية شعبها من وباء مجهول الهوية.
هؤلاء لا يفتحون أعيونهم لرؤية اللحمة الحاصلة بين مختلف الأطياف ، بفضل وحدة العدو الذي يمثله الإمبراطور كوفيد التاسع عشر . و لا يمكن التماهي مع وحدة الشعب و انسجامه مع نشيد الوطن ضد الخطر المحذق لأن صنف العدميين هذا يتحين الفرص لتعميف الفجوة و عرقلة الوفاق ؛ إذ في لحظات الإنشقاق ينتعش و يجد موطيء قدم لقدسية البطولة الرعناء.
و هنا حري بي التساؤل عن اولئك المناضلين الكبار الذين لا يفوتون على أنفسهم أية فرصة تمر دون البحث عن أنجع السبل لتسجيل أهداف في شباك الخصم ؛ و الخصم لا يمكن أن يكون سوى الدولة التي تقع تحت طائلة المسؤولية فيما ألم بالشعب من خيبات.
ومنطق التحليل هنا يبالغ في فرض الأسباب الموضوعية، في تجاهل مقصود للأسباب الذاتية التي تجعل النضال اللاوطني واضحا من عدم الإكتراث بالخطر الجماعي المحذق ، لسبب واحد و وحيد هو ان هذا الخطر متكالب لأنه وحد الشعب و هو ما ليس في صالح فكرة التجذر المتخصصة في اقتناص الأخطاء لإعلان النصر المبين على الكومبرادورية و الطاغوت !! . و صنف المناضلين الكبار من أعداء الإمبريالية و قوى الإستكبار تجدهم الأسرع في إصدار بيانات احتجاجية و تسويق مواقف راديكالية حيال الدولة باعتبارها المسؤول الأول عن المؤامرات و الدسائس .
و أمام ما يضمنه كورنا من مخاوف حقيقية تتهدد الحق المقدس في الحياة ، و هو أسمى حق في ثوابت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، و رغم أن اقوى الأنظمة ديموقراطيا وقعت ضحية للوباء ، فان صنف المناضلين هذا إبتلعوا ألسنتهم و انخرطوا بشكل جماعي في خطة الصمت المنهجي ، و لسان حالهم يلوم كورنا لأنه لم يتيح لهم فرصة اتهام الدولة بأنها خلف المؤامرة و وراء استهداف الشعب دون ان يعبروا عن أي موقف لصالح الجميع ، لا بيانات تضامنية مع الشعب ، و لا تحفيز همم الرجال ، و لا مساهمات في تحسيس الشعب بالمخاطر ، و لا كلمة ، و لو محتشمة ، في حق الدولة و ما بذلته من مجهودات منذ تخصيص طائرة خاصة لنقل الطلبة العالقين بالصين ، نحو ايقاف عجلة كل المؤسسات ، حرصا على سلامة الشعب . ترى أين الحناجر التي تصدح بمسيرات مليونية من أجل القدس و ضد التطبيع !! أليس الصمت إزاء كورنا تطبيعا مع المخاطر البيو – كيماوية التي تستهدف الشعب المغربي ، على غرار كل البشرية.
أين الإسلاميون؟ إن ابتلاع الإخوان و الرفاق المتجدرين لألسنتهم، وكل الشعب يندب حظه لما ألم به من زحف الموت بالتقسيط للنيل من الألاف تلبية لنداء المؤامرة النيو – إمبريالية البيو – كيماوية ، يقدم القرينة إننا فعلا أمام شبهة تسترعي إعادة التقييم الموضوعي للعلائق الأفقية المتشكلة عموديا وفق تحليل مركب للمواقف.
إن العدمية في المواقف و البيزنطية في بناء الأطاريح يبلغ اولئك الذين يحتجون على عنف الدولة ضد المغاربة ، ك ” التصرفيق ” و الركل و الرفس ، و تكييف ذلك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، من دولة ” تصرفق ” !! و هم لا يبصرون مجهودات الأطباء و الممرضين ، داخل مستشفيات الموت ، و نضال رجال السلطة و قوات الأمن العمومي لتعبئة الشعب لحماية نفسه من عنف الوباء القتال.
وأعتبر التعامل الإقتناصي لبعض المبالغات المبررة بزخم الخوف الذي تحول الى رعب و فوبيا الموت ، لأن الدولة كلها في حالة حرب ، كما أكد رئيس دولة الأنوار سبع مرات في خطابه دون أن يعلق أحد من عظماء المناضلين ضده . إن الترف الفكري و البدخ الحقوقي المتعالي لدى نخب النضال الشكلاني الذي يدعي البطولة خلف ” الميكرفونات ” ، مع درجة دنيا في الممارسة التضامنية ميدانيا ، يشكل العائق الموضوعي الأكبر في بنية فكر متجذر نظريا و اجوف قيمي على مستوى الممارسة و البراكسيس.
وبكل وضوح في الرؤيا و من موقع الفهم العلمي للوقائع ، و المسنود بمنهج حقوقي مهني يقوم المواقف بتجرد و موضوعية ، أنتهي إلى أن ازمة كورنا أبانت عن حقيقة النخب اليسارية و الاسلامية المتجذرة ، حتى أن ضعف الإنخراط النظري لقوى اليسار الراديكالي ، والأسماء الوازنة حقوقيا و سياسيا ، من الذين ” تجرأوا ” في التعبير عن اراء من ديناميات الريف و الجرادة ، و انتصروا ل ” براءة ” بوعشرين قبل ان يقول القضاء كلمته ، و فسروا متابعة حامي الدين بالإستهداف بناء على تصريحات . إن صمت هؤلاء و عدم مواكبة الخوف الجمعي الملازم للمغاربة أفقيا و عموديا ، يفيد اكتر من رسالة سلبية ، حتى إن تفكيك الشفرة ، ب ” ديكوداج ” الملاحظة و الإستنتاج لا يتطلب جهدا جهيدا.
ولأن النضال ، قبل كل شيء ، فكرة مطلقة تنتصر مبدئيا لقيم الخير و الفضيلة ، فإن مخرجات الفهم و الإستيعاب تفيد أخلاقيا و قيميا ان المناضل عندما يحقد و يتخصص في سحب البساط من تحت ارجل خصمه ، يموقع نفسه في خانة ” نضال ” الإنتقام و البحث السادي عن أنجع الطرق للنيل من العدو و إرباكه في أفق اعلان النصر المبين بالإنتصار على الطاغوت و الجباروت و الظلم !! إن المناضل الحقيقي و النزيه لا يحقد و لا ينفعل و لا يصفي الحسابات و لا يشيطن خصمه و لا يدعي النبوة و لا يحتكر الحقيقة و لا يبخس مجهودات الأخر.
و لكل هذا و من آسف اعتبر جائحة كورنا كافية لفضح المستور و اماطة اللثام عن خبابا الضمائر في لحظة تاريخية عصيبة تسائل كل عقل راجح و كل ضمير حي و كل قلب ينبض بالوطنية صفاء و بالأخلاق قيما عليا لا تقبل شخصنة الفهم مهما كانت مصوغات التأويل . و ختاما إن الحق لا يصير حقا بكثرة منتحليه ، كما ان الباطل لا يصير باطلا بقلة منتحليه ، و العقل حجة . و لأن ” الحكم على الشيء فرع من اصله ” ؛ كما يؤكد الأصوليين ، فإن بناء الأحكام العادلة كفيل بملاحظة مواقف الأطراف ، مثار المقال ، على ضوء جائحة كورنا.
*كاتب، وناشط حقوقي
من المهم جدًا أن يكون هناك دائمًا فرق كبير بين ديننا الإسلام والإسلاميين …
وإلا ستكون طريقة بريئة وغير ناجحة لمهاجمة ديننا الإسلامي.
لأنه للأسف هذا هو الموضوع الذي يشجع الآن داخليًا وخارجيًا ..
في حين أن هذه المحنة الصعبة من فيروس كورونا التي تعاني منها البشرية بالنسبة لنا نحن المسلمين لحظة للتوقف في حياتنا والتفكير بشكل جيد وإعادة التفكير في التوبة والصلاة وطلب المغفرة من إلهنا .