Share
  • Link copied

صراع أذربيجان وأرمينيا بين “عقيدة المصلحة” و “مصلحة العقيدة”

حينما يندلع صراع ما في الأحياز الجيوسياسية ، على الباحث أن يبحث عن المصلحة  المحركة لها لا منظومتها العقدية “بالمعنى الديني لكلمة العقيدة”، وحديثي هنا طبعا عن الصدام الذي استيقظ عليه العالم منذ أيام  بين أرمينيا وأذبيجان أعلنت أرمينيا وأذربيجان الأحكام العرفية وحشدتا قواتهما المسلحة بعد تصاعد الاشتباكات حول منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها ، مما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص ،وهو أحدث صدام  في الصراع المستمر منذ عقود  والأسوأ منذ الصدام الذي استمر خمسة أيام عام 2016 والذي أسفر عن هلاك  أكثر من 100 شخص.

هذا الصراع الذي أحيى مجدداً  أكثر النزاعات دموية الناتجة عن انهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث  قالت وزارة الدفاع الأرمينية إن قواتها أسقطت أربع طائرات هليكوبتر أذربيجانية وأصابت عشر دبابات و 15 طائرة مسيرة ردا على هجوم جوي في ناجورنو كاراباخ. وأضافت أن  16 جنديًا قتلوا وأصيب أكثر من 100 ، وألقت باللوم على أذربيجان في قصف المنطقة. وأضافت أن مدنيين قتلا خلال القصف وأصيب 30 آخرون . وفي المقابل  أذربيجان إن 19 من مواطنيها كانوا في المستشفى ، أنها استعادت عدة قرى كانت قد فقدتها في الحرب في عام 1993 . وزعمت أنها دمرت 12 منظومة أرمينية مضادة للطائرات وفقدت إحدى طائراتها المروحية.

 ولكن ما الذي حرك  هذا الصراع الذي جنح منذ 2016 للاستكانة  ؛ في الحقيقة لفهم الحاصل اليوم بين الدولتين  يجب أن نلفت الانتباه  أن المنطقة  تعدُ ممرًا مهمًا لإمدادات الطاقية المتوجهة لأوروبا عبر خط أنابيب الذي  يمر عبر تركيا الشريك الاستراتيجي  لأذربيجان. في المقابل نجد روسيا   لديها اتفاق دفاع مشترك مع أرمينيا وقاعدة عسكرية داخها. تصدر أذربيجان الغالبية العظمى من نفطها الخام عبر خط أنابيب باكو – تبيليسي – الذي يمر  نحو محطة تصدير على ساحل البحر المتوسط ​​التركي. كما يتم ضخ كميات إضافية في ميناء سوبسا على البحر الأسود في جورجيا. تتدفق صادرات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب جنوب القوقاز إلى جورجيا وتركيا ، لكي تتوجه نحو أسواق الاتحاد الأوروبي . سلمت  أذربيجان 9.2 مليار متر مكعب  من الغاز إلى تركيا عبر خط أنابيب جنوب القوقاز. هذا الخط هو جزء من ممر الغاز الجنوبي المدعوم من الولايات المتحدة والذي يبلغ امتداده  4000 كيلومتر ، والذي كلف حوالي 40 مليار دولار لبنائه. ومن المقرر أن تبدأ أذربيجان تسليم الغاز إلى إيطاليا واليونان  الشهر المقبل.  هذه التدفقات قد تغطي  3٪ من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز . فموقع  خطوط الأنابيب  الناقلة للغاز تتواجد في منطقة متاخمة للحدود  بين الدولتين  .

في عام 2008 ، ادعى مجلس الأمن القومي في جورجيا أن خط أنابيب باكو – تبيليسي – جيهان استهدف بالصواريخ الروسية ، وهو أمر نفته روسيا.  لدى أذربيجان بدائل قليلة لشحن نفطها الخام ، وليس لديها أي بديل لغازها. من الناحية النظرية  يمكن إرسال بعض النفط للتصدير عبر خط أنابيب إلى روسيا ، لكن هذا سيعتمد على القدرة على إبرام صفقة مع روسيا  التي انحازت إلى أرمينيا في الصراع على ناغورنو كاراباخ ، والذي لا يخدم مصالح روسيا سواء قريبة المدى أو حتى بعيدة المدى .

وهنا يجدر التذكير بأن  روسيا  تسعى جاهدة لإتمام مشروع طاقي مهم بالنسبة لها وهو  nord stream 2  ، وهو مشروع طاقي ضخم الغاية منه توفير مزيد من الغاز الروسي لألمانيا خاصة والاتحاد الاوروبي عامة  ، هذا المشوع يمكن  أن يجعل من روسيا المهيمن الأول في عالم الطاقة خاصة لما يمكن أن يعود به من منافع استراتيجية  على حساب الاتحاد الاوروبي ،  فخط الأنابيب سيجعل أوروبا تعتمد على إمدادات الغاز الروسي ويمنح السلطة الروسية حقنة مالية ضخمة.

قدرة خط أنابيب تبلغ 55 مليار متر مكعب تساعد في تعويض فجوة الاستيراد المتزايدة في الاتحاد الأوروبي  بسبب الانخفاض في  ​​إنتاج الغاز المحلي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 50٪ في السنوات العشرين المقبلة  ، سيكون Nord Stream 2 صلة مباشرة بين أكبر احتياطيات الغاز في العالم روسيا (47 تريليون متر مكعب) والاتحاد الأوروبي ،يمكن لـ Nord Stream 2 توفير ما يعادل 700 حمولة ناقلة للغاز الطبيعي المسال  أو ما قيمته 55 مليار متر مكعب من الغاز تستخدم بدلا من الفحم .

أما تحالف ايران مع أرمينية   بدل أذربيجان فلا يمكن النظر إليه من الزاوية الدينية بحكم أن  كلا من ايران وأذربيجان دولتين تعرفان غالبية مسلمة تنتمي لنفس الطائفة الدينية وهي “التشيع” ، ولكن يجب أن ينظر لهذا التحالف وفق قاعدة المصلحة المحركة للعلاقات الدولية  وذلك بدءاً من التحالف السياسي الإيراني مع روسيا مروراً  بالعلاقات التجارية بين طهران ويريفان.

ولكن ما لا يجب إهماله كذلك  هو تزايد القومية التركية بين الأتراك الأذريين في إيران  حيث ينظر إليه على أنه مشكلة سياسية قد تواجه نسيج ايران المجتمعي  . كانت الروابط والعلاقات بين شمال البلاد حيث يعيش عدد كبير من السكان الأذربيجانيين الأتراك وأذربيجان عاملاً مهمًا في الحساسية الحاصلة بين ايران وأذربيجان  ، فمثلا يطلق العديد من الأذريين على شمال إيران اسم جنوب أذربيجان ، حيث يعيش ما يقرب من 20 مليون أذربيجاني حسب بعض التقديرات . تيار مهم من  القوميين الأذربيجانيين أن  الأجزاء الشمالية والجنوبية  هي جزءان لمنطقة واحدة تحتاج أن توحد سياسياً تحت علم دولة واحدة ، وهذا بالضبط ما يجعل من ايران تحتاط في سياساتها اتجاه اذربيجان بل وتميل لتحالف ولو بشكل غير مباشر مع أرمينيا منافستها الحدودية الأولى .

وفق هذه الأرضية يمكن فقط فهم لمذا تدعم تركيا أذرابيجان  وروسيا وايران تقفان مع أرمينيا ، العقائد هنا لا تسعف الباحث لفهم المشهد بل استحضارها يغبش الرؤية  ويضبب المشهد ويحول دون تقديم تحليل هادئ أقرب  للواقع والواقعية.

*باحث في العلاقات الدولية والفكر السياسي

Share
  • Link copied
المقال التالي