كشفت صحيفة Al-Monitor الأميركية المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، أن مكانة فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي وشمال إفريقيا تتعرض للتحدي، مما يجبر باريس على إعادة ومراجعة حسابات علاقاتها وتعاونها مع نيامي والرباط وعواصم أخرى في القارة السمراء.
وجاء في مقال للكاتبة الإسرائيلية، رينا باسيست بالصحيفة المشار إليها، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن الأحد الماضي، انسحاب القوات الفرنسية من النيجر وعودة السفير سيلفان إيتي إلى باريس، حيث وجاء إعلان ماكرون بعد شهرين من الانقلاب العسكري في النيجر، وطالب المجلس العسكري الذي سيطر على البلاد على الفور تقريبًا بمغادرة إيتي البلاد.
كما طالبت بانسحاب 1500 جندي فرنسي متمركزين في نيامي، وبالتوازي، تظاهر آلاف الأشخاص مرارًا وتكرارًا خارج المعسكر العسكري الفرنسي والسفارة الفرنسية، وأحرقوا الأعلام الفرنسية ولوحوا بلافتات مناهضة لفرنسا.
ورفضت باريس كلا الطلبين، وأصرت مرارًا وتكرارًا على أن المجلس العسكري ليس لديه الشرعية لإصدار مثل هذه القرارات، لكن إعلان قصر الإليزيه استدعاء السفير وسحب القوات يعكس الفهم الحالي بأنه لا يستطيع إجبار المجلس العسكري ولم يعد بإمكانه ضمان سلامة مبعوثيه هناك.
“تحالف مناهض لفرنسا” ناشئ
وأضافت صاحبة المقال، أن فرنسا لديها بالفعل سبب للقلق، وشكلت النيجر ومالي وبوركينا فاسو – وهي ثلاث دول في منطقة الساحل شهدت انقلابات عسكرية على مدى السنوات الأربع الماضية – تحالفا مناهضا لفرنسا.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم السبت، اتهم وزير خارجية مالي عبد الله ديوب فرنسا بزعزعة استقرار منطقة الساحل عمدا، بزعم أنها قامت مؤخرا بتحرير الجهاديين على الحدود الثلاثية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وعندما وقع الانقلابان العسكريان في مالي عام 2021 وبوركينا فاسو عام 2022، لم يلوح المتظاهرون بشعارات مناهضة لفرنسا فحسب، بل أيضًا بشعارات مناهضة للغرب وأمريكا. وهذا ليس هو الحال الآن، حيث تم تصنيف فرنسا على أنها العدو الوحيد.
ولم يطلب المجلس العسكري في النيجر من واشنطن سحب قواتها البالغ عددها 1100 جندي والمتمركزة في موقعين في البلاد، كما لم يطلب من روما أو برلين سحب وجودهما العسكري الصغير في نيامي، وفي حين اضطرت فرنسا العام الماضي إلى إعادة جميع جنودها المتمركزين في شمال مالي البالغ عددهم 1450 جنديًا، أكدت ألمانيا لرويترز في 20 سبتمبر أنه لا يزال لديها 887 جنديًا على الأراضي المالية.
ويعد الوجود المتزايد لمجموعة فاغنر الروسية في المنطقة – ليس فقط في مالي وبوركينا فاسو ولكن أيضًا في ليبيا والسودان – نذيرًا آخر للموجة الإقليمية المناهضة لفرنسا في منطقة الساحل وخارجها، ويعكس حملة تضليل منظمة بشكل جيد في مالي قبل بضع سنوات، حيث كان يشتبه في أن روسيا تمول الناشطين والمؤثرين لتضخيم الدعاية المناهضة لفرنسا قبل انقلاب عام 2021.
ويسعى المجلس العسكري وغيره من الأنظمة الهشة إلى الحصول على كبش فداء للأزمة الاقتصادية المستمرة والتهديدات المتزايدة للأمن الشخصي، مما يجعل فرنسا ما بعد الاستعمار هدفاً مناسباً.
رفض المساعدات الفرنسية بعد زلزال الحوز
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن فرنسا لا تقلق بشأن منطقة الساحل فحسب، بل في أفريقيا، حيث أصبحت علاقاتها بالفعل مع المغرب أكثر تعقيدا منذ أسبوعين عندما رفضت الرباط قبول عرض المساعدة الفرنسية بعد زلزال 8 شتنبر، كما رفض المغرب المساعدة التي عرضتها الولايات المتحدة وإسرائيل، موضحا أنه اختار المساعدة من إسبانيا، وبريطانيا العظمى وقطر والإمارات العربية المتحدة لأسباب تتعلق بالكفاءة فقط.
وقد سعت كاترين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية لاحتواء الجدل بفرنسا حول هذا الموضوع عبر تصريحاتها على قناة “بي اف ام تي في” الفرنسية قائلة: “إنه جدل سيئ، جدل في غير محله على الإطلاق”. وأضافت “أن المغرب لم يرفض أي مساعدة أو أي عرض. لا يجب تقديم الأمور على هذا النحو”، مؤكدة أن “المغرب يتمتع بالسيادة” وأنه “وحده قادر على تحديد احتياجاته ووتيرة حصوله على المساعدات”
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية لـ”المونيتور”، الثلاثاء، إن “باريس خصصت 5 ملايين أورو للمنظمات غير الحكومية المتواجدة في المغرب للمساعدة في تلبية الاحتياجات الطارئة”، مشيرة إلى أنها تحت تصرف الرباط في أي مساعدة متوسطة أو طويلة الأمد ترغب فيها، ومع ذلك، يبدو أنه في هذه الأثناء، لا ينوي المغرب التوجه إلى فرنسا للحصول على أي مساعدة من هذا القبيل.
المغرب ينتظر موقف فرنسا بشأن قضية الصحراء
وحسب ذات المصدر، فإن المغرب غير راضٍ عن موقف فرنسا بشأن الصحراء الغربية، حيث دافعت باريس عن مواقف الرباط لسنوات في الأمم المتحدة، لكنها لم تتخذ قط الخطوة الإضافية المتمثلة في الاعتراف رسميًا بالسيادة المغربية على المنطقة.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن الاعترافين الأميركي والإسرائيلي ــ والخطوة في هذا الاتجاه التي اتخذتها إسبانيا مؤخراً (الاعتراف بخطة الحكم الذاتي التي دفعتها الرباط للمنطقة) ــ لم يؤد إلا إلى زيادة إحباط المغرب تجاه فرنسا.
ومما زاد من غضب الرباط الجهود التي بذلها ماكرون على مدى العامين الماضيين لإعادة تأهيل العلاقات مع الجزائر، التي تدعم جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية المؤيدة للاستقلال، وقطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في عام 2021، وعلى هذا النحو، اعتبرت الرباط زيارة ماكرون للجزائر في غشت 2022 بمثابة استفزاز.
وفي زيارة للغابون في فبراير الماضي، سأل الصحفيون ماكرون عن علاقاته الشخصية مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، وقال إن العلاقات كانت “ودية”، لكن رده أثار رد فعل غاضبا على غير العادة من جانب القصر في الرباط، وردت الرباط في بلاغ لها، بأن “العلاقات ليست ودية ولا جيدة، لا بين الحكومات، كما ليست (جيدة) بين القصر الملكي والإليزيه”.
وأنهى سفير المغرب لدى فرنسا مهمته في يناير الماضي، عندما أعلن البرلمان الأوروبي أنه سيعقد جلسة استماع بشأن برنامج بيغاسوس، ولم ترشح الرباط سفيرا جديدا بالعاصمة الفرنسية، كما أنه لم يتم تحديد موعد لزيارة ماكرون التي طال انتظارها للمغرب، ويبدو أن فرص حدوث مثل هذه الزيارة في المستقبل القريب ضئيلة للغاية.
تعليقات الزوار ( 0 )