Share
  • Link copied

صبري: مشروع قانون 20-22 ردة قانونية وانتهاك للحقوق والحريات

على سبيل التقديم

يتواصل النقاش والجدال حول على مشروع قانون استعمال وسائل التواصل الإجتماعي، فاخترت تقديم هذه القراءة الأولية، في انتظار الأمانة العامة للحكومة نشر نص المشروع كاملا صونا للحق في المعلومة وفي الوصول اليها.

ذلك أن النشر وسيلة لتكريس مبدأ الشفافية، ولترسيخ نقاش عمومي ينبني على معلومة صحيحة نابعة من مصدرها درءا للتيه والتأويل ك، ولمحاربة الاشاعة التي لا أحد يحبذها.

وفي ظل غياب النشر فتن الحكومة تبقى المسؤولة الوحيدة عن تبعات هذا الوضع الحالي في النقاش.ومع ذلك فإن المتاح من المعلومات والوثائق يسمح لنا بابداء وجهة نظر عليه.

فمشروع قانون استعمال وسائط التواصل الإجتماعي، وفق ما هو متداول، ربما يدل على معالم الوضع المراد التأسيس والتقعيد له من طرف الحكومة لما بعد كرونا.

فبوادر هذا الوضع وهذه الصورة يمكن رسمها واستجلاؤها من طبيعة مشاريع هذه القوانين الجديدة، وأقل ما يمكن أن يقال عنها في عبارات وجيزة؛

أولاً: إن هذا المشروع يجعل الأصل في إباحة الحق وجوازه استثناءا ، فهو محرم، ويستوجب دائما طلب الترخيص للحصول عليه، وانتظار الموافقة للتمتع به، ومزاولته

ثانياً: يجعل مشروع قانون استعمال وسائط التواصل الإجتماعي الحرية والحق ليست أصيلة في الإنسان، بل هو مجرد ومحرم منها إلى حين حصوله على ترخيص يبين منسوبها، وهو عكس المبدأ العام والمبدئي الذي جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية.

ثالثاً: يجعل المرسوم حدودا مرسومة ومعينة لحرية التعبير، لا يجب تجاوزها تحت طائلة تسليط العقاب الذي تقرره مواد المشروع، فحرية التعبير ليست مطلقة، بل إن المشروع وفقا لمواده ونصوصه يتجاوز المبدأ القائم حاليا الذي يربط الحرية المسؤولية إلى الحرية المقيدة.

رابعاً: يجعل مشروع قانون استعمال وسائل التواصل الإجتماعي الرأي والتعبير مرادف دائما للتحريض الموازي لفرضية قانونية قاطعة بسوء القصد والنية في إحداث نتيجة ضرر ضد الأشخاص والإقتصاد أو الأمن، يسقط فاعله في العقاب

وهو بذلك جريمة جديدة لشرعية العقاب عن كل فعل يحدث ديناميكية احتجاجية في المجتمع، وهو ما يتعارض مع حرية دستورية أخرى، باختيار الاحتجاج وشكله، ولو كان سلميا للتعبير.

خامساً: يعتبر مشروع قانون وسائل التواصل الإجتماعي ردة قانونية أولا، لأنه رجعي مقارنة بالوثيقة الدستورية المتقدمة نصا وقاعدة ولئن أثير نقاش في تنزيلها وتفعيلها، ويؤسس المشروع لشرعية قمع حقوقي إستنادا على قواعد قانونية.

سادساً: مشروع قانون وسائل التواصل الإجتماعي يجعل المغرب ينقض وعده وتعهده الثابت في تصدير وديباجة دستوره باحترام القانون الدولي، والتزامه المساهمة في النهوض به وتطويره.

سابعاً: مشروع قانون وسائل التواصل الإجتماعي غير دستوري، فمواده تتناقض مع قواعد دستورية صريحة وواضحة تضمن الحق في الرأي وفي التعبير عنه، وفق ما هي متعارف عليها دوليا بعد مصادقة المغرب على العهود الدولية ونشرها في جريدته الرسمية منذ 1979، وأصبحت جزءا من قانونه الداخلي بل تنفذ بالأولوية وفقا لمبدأ سمو الاتفاقية الدستوري أيضا.

ثامناً: مشروع قانون استعمال وسائل التواصل الإجتماعي يجهض آمال المواطنين التواقين لمغرب ما بعد كرونا يتطلعون إلى تحصين المكاسب الحقوقية المدنية والسياسية، ومزيدا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بعد التعبئة التي أسست له سياسة وخطة التضامن بمبادرة ملكية خلال أزمة جائحة كرونا.

تاسعاً: كان الحديث في ظل حالة الطوارئ الصحية، وظهور الدولة بمظهر الحريصة على صحة وحياة وسلامة المواطنين عبر تدخلاتها لوقايتهم من الاصابة بالمرض، وتوفير العلاج، والتكفل بالمرضى والمصابين، وابداء مبادرات تضامنية فرصة لعودة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

ويأتي هذا المشروع ليعيد السؤال حول سوء نية الحكومة، سواء في اختيارها زمن الجائحة، وارتباك المواطنين لطرح المشروع، فهي في مرتبة من يستغل الفرصة خلسة، ودون أخلاق لتمريره، علاوة على مضمون وجوهر المشروع الرجعي، الذي يمس بحقوق وحريات أساسية ودستورية.

عاشراً: يعيد مشروع القانون النقاش من جديد حول الصفة في اللجوء إلى المحكمة الدستورية، فأي جهة سيكون لها شرف رفض هذا المشروع، وإحالتها على المحكمة الدستورية. في ظل دستور يحرم المنظمات والجمعيات المهنية والحقوقية من صفة الطعن، وهو مطلب أثير في وقت اعداد الوثيقة الدستورية، دون أن يتم أخذه بعين الإعتبار.

على سبيل الختام

إن حرية الرأي وحرية التعبير عنه هو في حد ذاته مطالب احتجاجية تستلزم من صانع القرار التدخل من أجل فحصها والجواب عليها بقرارات يرضى عنها جمهور المواطنين.

وإن الحكمة تقتضي دعم الحكومة لهذه الوسائل وتعزيزها وتأهيلها، فهي بمثابة ساعي البريد بمفهومه القديم، يحمل رسائل من عموم المواطنين، وإن التدخل لتحريم بعضا من المضمون الذي تحمله هذه الوسائل، هي بمثابة إعدام للرأي وتجريم لساعي البريد.

*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء

Share
  • Link copied
المقال التالي