“أشياء كثيرة تحدث في المغرب، بعضها مهم ولا ينبغي أن تكون إسبانيا غافلة عنه، إنّ جارتنا الجنوبية وعلى الرغم من مشاكلها وتناقضاتها والإصلاحات المعلقة، فإنها شهدت تطورا ملحوظا في العقدين الماضيين، تزامنًا مع تولي الملك محمد السادس عرش بلاده”. هذا ما يتناوله تحليل كتبه “باو سولانيلا”، الكاتب والمستشار الدولي، والمساعد الأول في مؤسسة Red2Red في صحيفة «agendapublica».
يستهل التحليل المنشور في الصحيفة الإسبانية بالإشارة إلى الإنتصارات المهمة في المجال الدبلوماسي التي حصدها المغرب، في الأشهر الأخيرة، نتيجة لموقعه الجغرافي الاستراتيجي المتميز، واستراتيجيته في العلاقات الدولية وإمكاناته للتنمية الاقتصادية الواعدة.
ويرى كاتب التقرير، أنه لا علاقة للبلاد بالصورة النمطية التي يبدو أنها مُثبتة في جزء من المجتمع الإسباني، لاسيما في بعض الأوساط السياسية وجزء من وسائل الإعلام؛ هي رؤية جزئية تستند إلى الأحكام المسبقة التي تجعل الأحداث المهمة التي قد تؤثر على المصالح الإسبانية تمر مرور الكرام.
على الرغم من عمق واتساع العلاقات الثنائية، فإنّ المتداول والشائع في إسبانيا، هو التركيز على ثلاث أو أربع قضايا، نظير (نزاع حول الصحراء، الهجرة، أو القاصرين المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أو سبتة ومليلية) التي تعتبر مهمة، لكنها بعيداً عن تشكيل رؤية عالمية للعلاقات مع جيراننا.
وهناك قضايا أخرى عميقة الجذور تُشكل أساس علاقة الجوار القوية والاستراتيجية، من بينها الشركات الإسبانية التي لديها أعمال تجارية مهمة هناك، ويتم تأسيس أكثر من ألف في البلد المغاربي.
وتعتبر إسبانيا هي ثاني مستثمر أجنبي (حيث تم تسجيل 14 من الإجمالي وفقًا لمكتب مراقبة النقد الأجنبي التابع لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية)، ولا تتفوق عليها سوى فرنسا.
ويستدل الكاتب الإسباني، بأن المغرب حليف استراتيجي لأمن إسبانيا وأوروبا، خصوصا في قضايا مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى السيطرة على الهجرة غير النظامية.
وبالمثل، فإنّ المواطنين المغاربة المقيمين بشكل قانوني في إسبانيا هم أكبر جالية أجنبية، بأكثر من 760 ألف شخص، متقدمين على رومانيا وأكثر من ضعف السكان البريطانيين.
وأضاف صاحب التحليل، أنه على الرغم من العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين، إلا أنه خلال العام الماضي، وتزامنًا مع جائحة “كورونا”، ظهر بعض الاحتكاك الذي لا ينبغي الاستهانة به، لقد كان للوباء آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة في كلا البلدين، ووسائل مكافحته كانت مختلفة تماما عن أحدهما الآخر.
وبينما لجأت إسبانيا إلى آليات التضامن والمساعدة المتبادلة الأوروبية، فإن المغرب استطاع أن يفعل ذلك بمفرده عمليا، وبوسائل محدودة وحدود مغلقة على الرغم من وجود اتفاقية شراكة أوروبية متوسطية مع الاتحاد الأوروبي.
وأردف “باو سولانيلا”، قائلا: “نحن الأوروبيين أعطينا انطباعًا بأننا نفكر ذواتنا، ولا نفكر في من هم خارج نادي المجتمع الأوروبي”.
وأدى هذا الفراغ الذي خلفته إسبانيا والاتحاد الأوروبي، إلى استغلاله من قبل أطراف ثالثة لطرد مجلس غرب البحر الأبيض المتوسط وإعادة تشكيل العلاقات السياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا).
شيء ما يتحرك في مطبخ الصحراء
في منتصف نوفمبر 2020، تدخل الجيش المغربي في معبر الكركرات المنزوعة السلاح، وهي شريط بطول خمسة كيلومترات يفصل الجمارك المغربية عن الحدود مع موريتانيا، وكان الهدف منه فتح المعبر وإعادة الأمور إلى نصابها بعض عرقلة بعض المتظاهرين الصحراويين للمعبر.
وأدى هذا الإجراء إلى زيادة حدة التوتر بين المغرب وجبهة البوليساريو، بل وتسبب في تبادل نيران المدفعية وتفعيل الخطاب الحربي بتجنيد شباب صحراويين من مخيمات اللاجئين في الجزائر للتوجه إلى الجبهة، وفق الصحيفة.
ويتابع صاحب المقال تحليله، بالإشارة إلى أنّ المغرب كان في جعبته الكثير لإظهاره، إذ أنه بعد أسابيع قليلة، وقع رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، في 10 دجنبر إعلانًا بالاعتراف بسيادة المغرب على الأراضي المتنازع عليها في الصحراء.
وأوضح الكاتب، أنّ هذا القرار فاجأ كل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي، ورافقه إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، حيث أن إسبانيا، التي كانت ذات يوم قوة استعمارية على تلك الأراضي، نصبت نفسها لصالح احترام قرارات الأمم المتحدة في مواجهة وضع غير مريح وغير متوقع.
وأضاف المصدر ذاته، أنّ بعض المحللين تكهنوا باحتمال أن تتراجع إدارة بايدن الجديدة عن هذا القرار، بيد أن المغرب حليف إقليمي رئيسي للولايات المتحدة، ولذلك فمن غير المرجح أن تضر حكومة أمريكا الشمالية الجديدة بحليفها المغاربي.
بيد أن الكاتب الإسباني يرى أنه بهذه الطريقة، يمكن أن تُواجه إسبانيا أمرا واقعا، من شأنه أن يعزز تحركات المغرب في السنوات الأخيرة ويعترف بالتغيير في الوضع الراهن في المنطقة، مؤكدا أن الدبلوماسية المغربية تحت رئاسة الملك محمد السادس تعمل على تطوير نشاط سياسي واقتصادي مكثف لسنوات، خاصة في إفريقيا.
فقد حصدت المملكة عائدات كبيرة دون إحداث ضجيج كبير، من بينها الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، ففي الآونة الأخيرة، افتتحت بوركينا فاسو وغينيا بيساو وغينيا الاستوائية قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، وقد جاءوا للانضمام إلى غامبيا أو الغابون أو جمهورية الكونغو الديمقراطية أو جيبوتي أو ليبيريا أو غينيا كوناكري، والتي لديها بالفعل قنصليات في مدن الصحراء.
واسترسل الكاتب، أنّ دول أخرى، مثل الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة، ستفعل ذلك في الأشهر المقبلة، مما يمثل نقلة نوعية مهمة للمصالح المغربية، كما ن النشاط الدبلوماسي الدولي، يرافقه استثمارات مليونية في الصحراء، مع إنشاء ميناء كبير في مدينة الداخلة الأطلسية على شاكلة ميناء طنجة المتوسطي.
وكما قال آدم بوهلر، المدير التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية، وأكبر مؤسسة مالية للتنمية في العالم، إنّ أمريكا ستوجه 1،000 مليون دولار في الصادرات والاستثمارات الجديدة بين الولايات المتحدة والمغرب وبالمثل، التزمت باستثمار 5000 مليون دولار في السنوات القادمة، حقا هناك شيء ما يتحرك في الصحراء ولا يبدو أن إسبانيا (وشركاتها) في وضع جيد، يردف صاحب المقال.
إسرائيل.. لاعب جديد في المنطقة
رافق الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء اعتراف المغرب بدولة إسرائيل، وبذلك يكون المغرب هو رابع دولة عربية تستأنف العلاقات بعد الإمارات والبحرين والسودان، لكن العلاقات بين الرباط وتل أبيب متقلبة منذ سنوات وإن لم تكن رسمية، حيث يوجد في إسرائيل جالية يهودية مهمة ومؤثرة من أصل مغربي.
والمغرب، من جانبه، يعترف باليهودية كإحدى ديانات البلاد، ويحترم الممارسات الدينية ويحمي المعابد اليهودية. وحتى المحاكم المغربية لديها قضاة متخصصون في الشؤون العبرية.
كما عملت الجالية اليهودية المغربية كجسر ثقافي بين الحكومة الإسرائيلية والمغرب، وهي أيضا وجهة سياحية لما بين 60.000 و 70.000 يهودي يصلون إلى البلاد عبر دول ثالثة، وأن استئناف الرحلات المباشرة بين الاثنين سيجعل السياحة الإسرائيلية تنمو بشكل كبير، مع تأثير اقتصادي بالغ الأهمية.
إنّ الاعتراف بالعلاقات الثنائية وتطبيعها سيمثل قفزة مهمة إلى الأمام في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني، كما أن المغرب التزم بدعمه الدائم والمستمر للقضية الفلسطينية العادلة”، كما نقل الملك محمد السادس إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
استئناف العلاقات سيرافقه استثمارات إسرائيلية كبيرة في المغرب، وخاصة في أقاليم الصحراء.
لقد بدأ كلا البلدين في العمل ويتحركان بسرعة، فبعد زيارة الوفد الإسرائيلي الأمريكي للملك محمد السادس برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات ومستشار الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، أعلن المغرب بالفعل عن افتتاح مكتب اتصال في تل أبيب.
من جهته، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، في اتصال “دافئ وودّي” بحسب مصادر دبلوماسية، العاهل المغربي رسميًا لزيارة إسرائيل، وهذه علامة لا لبس فيها على التزام إسرائيل بالمغرب.
بريطانيا تبحث عن حلفاء جدد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
يرى الكاتب، أنه بعد إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تستعد لندن لتوطيد تحالف استراتيجي للمصالح المشتركة مع الرباط، كما يعتزم البلدين نسج علاقة جديدة من شأنها رفع التعاون.
وسيعلن البريطانيون قريباً عن افتتاح قنصلية في الصحراء، وسيعترفون بالرؤية الاقتصادية والسياسية لعموم أفريقيا للملك محمد السادس كدولة مرجعية في القارة وبوابة إلى إفريقيا، كما يرغب كلا البلدين في تعميق علاقاتهما السياسية والاقتصادية بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
ويمكن للمغرب أن يكون بديلاً عن الإمداد البريطاني بالمنتجات الزراعية الإسبانية والفواكه والخضروات وموردًا للمنتجات السمكية أو الفوسفات، فضلاً عن بديل للعمال الأوروبيين، كما أن لندن تحتاج إلى تنويع وتوسيع علاقاتها الاستراتيجية، والمغرب يضم حليفًا مهمًا وعضوًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لدعم مصالحه.
إسبانيا بين مطرقة خطر الصراع وسندان فقدان النفوذ
يشير الكاتب الإسباني، إلى أن العلاقات بين إسبانيا والمغرب جيدة للغاية، لكنها فقدت في الأشهر الأخيرة قوتها وتواطؤها، حيث أن تأجيل القمة الثنائية (الاجتماع رفيع المستوى بين إسبانيا والمغرب) إلى فبراير 2021، التي خططوا لعقدها في الرباط في 17 دجنبر هي إشارة قوية.
وعلى الرغم من تأجيلها رسميًا بسبب جائحة “كورونا”، فقد تزامن الإلغاء مع إعلان الاعتراف الأمريكي بالصحراء ووجود وفد إسرائيلي أمريكي كبير في الرباط، الأمر الذي أبعد إسبانيا عن الخطاب الرسمي.
وفي المغرب، يتطلب فك رموز بعض المفاتيح أو الحركات الدبلوماسية تفسير الإيماءات والكلمات، ولكن أيضًا الصمت، حيث إنه في الأشهر الأخيرة ، حدثت أشياء ذات صلة بالكاد كان لها صدى أو وضوح في إسبانيا.
وعلى الرغم من أن الأزمة الصحية أدت إلى انخفاض في التنقل الدولي، فلا يبدو من المعقول تعليق الرحلات البحرية أو الرحلات الجوية بين البلدين لمدة تسعة أشهر.
ويستدل الكاتب الإسباني، أنه في 6 شتنبر 2020، فتح المغرب اتصالات دولية، في حين أنه كان من الممكن السفر من فرنسا، إلا أنه لم يتم استئناف الرحلات الجوية مع إسبانيا حتى دجنبر، ولا تزال العبارات بين إسبانيا والمغرب بدون إذن للعمل.
كما تشير الزيادة في وصول الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري، وكثير منها من شواطئ الصحراء، بعض الأدلة. ومن ناحية أخرى، أدى إغلاق الحدود مع سبتة ومليلية من قبل الدولة المجاورة إلى إنهاء التجارة غير المعتادة، وخنق اقتصاديًا مدينتي سبتة ومليلية، وولد صراعًا منخفض الحدة.
وافتتح المغرب مؤخرا خطا بحريا بين طنجة المتوسط ومرسيليا بهدف تسهيل تصدير الفواكه والخضروات دون الحاجة إلى المرور عبر إسبانيا.
ويرى الكاتب، أن هذا الأمر، قد يكون الدافع وراء القرار هو الرسوم (والغرامات) التي فرضتها إسبانيا على الشاحنات المغربية التي تعبر شبه الجزيرة مع أكثر من 200 لتر من “البنزين” في الخزان، وهو إجراء لتعزيز التزود بالوقود في محطات الوقود الإسبانية التي لم تكن موجودة منذ 28 عامًا.
ورغم أن الصحافة الإسبانية نادرا ما ذكرت ذلك، فإن وسائل الإعلام المغربية تبث استياءها وتتهم إسبانيا بـ “الانتقام غير المعلن”.
وكان آخر تجاهل هو طلب عقد اجتماع عاجل من قبل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون لسفيرة المغرب في إسبانيا، كريمة بنعيش. والسبب هو التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء المغربي، سعد الدين العثماني بأن سبتة ومليلية مدينتان “مغربيتان مثل الصحراء”، مع كثير من الصمت بخصوص القضية.
ويردف الكاتب، أن إسبانيا يجب أن تلتفت لهذا الصمت، حيث أن بعض المصادر، تشير إلى تغيير محتمل في السفارة المغربية في إسبانيا. وإذا حدث ذلك ، فقد يقدم هذا الملف المحدد بعض الأدلة حول مستقبل العلاقة الثنائية.
ويظهر التاريخ الحديث كيف أن الخلافات بين إسبانيا والمغرب لا تفيد أي من البلدين. وأن الخلاف المتبادل يؤدي مباشرة إلى تدهور العلاقات السياسية، كما يؤثر على مصالح الطرفين.
ولدى المغرب في إسبانيا أحد الحلفاء والداعمين الاستراتيجيين من قبل الاتحاد الأوروبي، وباستثناء فرنسا في قضية الصحراء، فإن الدولة الأوروبية هي التي تفهم بشكل أفضل احتياجات وأهمية البلد المغاربي بالنسبة للاستقرار الإقليمي.
ويرى الكاتب “باو سولانيلا”، في مادته التحليلية، أنه يجب على إسبانيا والمغرب مضاعفة جهودهما للحفاظ على العلاقات الثنائية الممتازة في السنوات الأخيرة. ومن الواضح أن هناك اختلافات حول قضايا محددة، ولكن يجب أن نكون قادرين على تلخيصها ومواءمة أنفسنا بشأن القضايا الاستراتيجية.
ولا ينبغي لنا أن نقع في فخ التورط في المشاكل التي تروق للمشاعر الوطنية وتشعل الخطابات العاطفية للغاية التي لا علاقة لها كثيرًا بكثافة العلاقة الثنائية المحتملة الواسعة والغنية والهائلة.
ويواجه المغرب وإسبانيا “معضلة القنفذ” التي وصفها آرثر شوبنهاور، نحن دولتان متجاورتان، ونحن قريبون جدًا، مثل القنافذ، نشعر بالحاجة إلى الدفء عندما نقترب، لكن القرب يجعلنا نخدع أنفسنا كما يفعل القنفذ مع الأشواك في جسم الجار.
لكن عندما نبتعد، نشعر بالبرد. ويجب على المغرب وإسبانيا إيجاد المسافة المثلى لتجنب الإصابة بوخز الأشواك أو البرودة. وهذا يتطلب حوارا دائما وتواطؤا وإدارة ذكية لتضارب المصالح.
وفي حالة إسبانيا، ربما يكون من الضروري المضي قدمًا إلى الأمام وإنشاء شخصية ذات رتبة سياسية وقدرة مستعرضة مكرسة بدوام كامل للعلاقات الثنائية؛ أي أن تكون محاور صالح على أعلى مستوى يحضر ويفهم الأمور التي تؤثر على المغرب.
وخلص الكاتب الإسباني، إلى أنّ المغرب يعتبر شريك استراتيجي، وبالتالي يجب على إسبانيا استكشاف صيغ جديدة لضمان هذه العلاقة القوية والدائمة.
تعليقات الزوار ( 0 )