شارك المقال
  • تم النسخ

شواهد علاقة “تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين” بالأمن العسكري الجزائري

الأمن العسكري الجزائري أو دائرة الاستعلام والأمن DRS))، تأسس سنة 1954 أي قبل استقلال الجزائر، وهو من وضع أسس الدولة الجزائرية مند ذلك الحين وهيمن على مختلف مؤسساتها ومواردها ووضع ثوابت سياستها الخارجية في محيطها الاقليمي والدولي، فالدولة الجزائرية القائمة التي ورثت من فرنسا رقعة جغرافية واسعة،  هي في الحقيقة من صنع جهاز استخباراتي ورث أساليبه من الاستعمار الفرنسي وطورها في حضن الاتحاد السوفياتي. وبعد سقوط جدار برلين وانتشار موجة الديمقراطية حاول أن يحدو حدو اغلب دول العالم التي كانت تسير في كنف الاشتراكية وغيرت مسارها، فتم تنظيم الانتخابات التشريعية في الجزائر، وعلى اثر فوز الأحزاب الاسلامية بالجولة الاولى من الانتخابات، لم يجد جهاز الأمن العسكري بدا من التدخل بشكل مكشوف سنة 1992 باستيلائه على كل مؤسسات السلطة، للحيلولة دون فوز الاسلاميين بالجولة الثانية، وقد امتدت  بعدهااثار ما قامت به المؤسسة الأمنية العسكرية طيلة العقود التالية لذلك الحدث، أخطرها ما عرف بمرحلة “العشرية السوداء” التي تعد منعطفا رهيبا في تاريخ الجزائر الحديث، ولازالت تداعياته وهواجسه حاضرة بقوة. التطورات السنوات الأخيرة والحراك الشعبي الذي تميزت به الجزائر مند سنة 2019، طرح بقوة وضعية المؤسسة الامنية العسكرية الجزائرية من جديد، وعلاقتها بالشارع الجزائري ، ودرجة هيمنها على مختلف مؤسسات الدولة، ومظاهر ارتفاع درجة  الهواجس الأمنية عند صناع القرار فيها، ومخاوف الشارع الجزائري من اعادة سيناريو “العشرية السوداء”.

التطورات التي تعرفها الجزائر داخليا، وارتفاع سقف مطالب الشعب الجزائري الشقيق التي ترجمتها المظاهرات المتتالية بالشارع، تدفعنا من أجل مواكبتها، إلى بسط العديد من المعطيات التي من شانها الاقتراب اكثر من كشف خطورة جهاز الامن العسكري الجزائري الدي يجثم مند عقود على صدر الدولة الجزائرية،  شعبا، وحكومة، وإقليما، مقتصرين في هذا المجال على شواهد من علاقة الأمن العسكري ب”تنظيم نصرة الاسلام والمسلمين” الإرهابي  في منطقة الساحل الإفريقي، وكيف استطاع بواسطته أن يحافظ على بيئة غير أمنة في المنطقة.

دور إياد اغ غالي في إفشال مشروع انفصال منطقة ازواد

لقد كان إياد أغ غالي “غامضاً” دائما، حيث تصف مجلة فورين بوليسي الأميركية ماضيه بأنه كان مليئا بشرب الخمر، وهو صاحب مسيرة مهنية متلونة كدبلوماسي مالي، وزعيم انفصالي متمرد، وناشط في الجريمة المنظمة وسيط حكومي مع خاطفي الرهائن، ففي العام 2003 ظهر في دور الوسيط بين أجهزة المخابرات الجزائرية والغربية وتنظيم ” القاعدة “، للعمل على إطلاق سراح رهائن غربيين خطفهم عبد القادر البارا باسم  هذا التنظيم ، وكانت وساطته “مثمرة ” حيث نجحت في عودة الرهائن في مقابل تقديم ملايين الدولارات كفدية، وكان أيضا كبير المفاوضين لدى السلطات المالية في مفاوضات أجرتها الحكومة مع متمردي الطوارق.

أراد اياد أغ غالي أن يكون السكرتير العام ” للحركة الوطنية لتحرير ازواد” ذات التوجه العلماني عند الإعلان عن تأسيسها في نوفمبر2011، لكن تم رفضه، بسبب صلاته بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وعلاقاته مع الجزائر واتفاقاته السابقة مع الرئاسة المالية، حيث يتّهمه المتشددون في” الحركة الوطنية لتحرير أزواد” بخيانة قضية الطوارق في اتفاق تمنراست بالجزائر في العام1991، وبعلاقته الدائمة بالأمن العسكري الجزائري، و ينظر إليه على أنه يحرّف الاتفاقات لصالحه ويساهم مباشرة في تفتيت حركة الطوارق.

تهميش اياد اغ غالي من طرف القائمين على مشروع الحركة الجديدة، شكل ضربة غير مباشرة للجزائر، وهو الأمر الذي دفعها إلى أن تعلن عن تأسيس “حركة أنصار الدين” بقيادة اياد اغ غالي، التي وصفت نفسها بأنها حركة سلفية تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإعادة الاعتبار لمكانة علماء الدين، فضلا عن مطالب محلية تتعلق بحرية وحقوق سكان أزواد، وساعدتها الجزائر في بسط سيطرتها على الشمال المالي، من أجل إضعاف “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” وإفشال مشروعها الانفصالي، والتي لا تثق فيها الجزائر أيضاً بسبب صلات الحركة المذكورة بالنشطاء المطالبين باستقلال منطقة القبايل، الذين قدموا مساعدات  كبيرة ل” الحركة الوطنية لتحرير أزواد “. وقد ذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية في مقال نشر على موقعها الاكتروني بتاريخ 4 أيلول 2012، خلال تطور الأحداث في شمال مالي أنه : “ورغم ما رُوِّج له إعلامياً بخصوص تحوّل آغ غالي إلى سلفي متطرف خلال فترة توليه منصب قنصل مالي في جدة (2003-2011)، إلا أن العارفين بخفايا اللعبة الاستخبارية الإقليمية شككوا في ذلك. ورجّحوا أن يكون الأمر مبيتاً من قبل الاستخبارات الجزائرية ضمن خطة تهدف إلى تشجيعه على تأسيس «أنصار الدين».

وفي أعقاب الانقلاب العسكري على السلطة الذي وقع 22 مارس 2012 في العاصمة المالية باماكو، والإطاحة بالرئيس آمدو توماني توري، تبين أن شمال مالي يسقط تحت سيطرة الحركات الطوارقية المسلحة، فقام مقاتلو حركة “أنصار الدين”  بالسيطرة على مدينة تمبكتو في 3 أبريل 2012، وبينما أعلنت أنداك ” “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” استقلال إقليم أزواد من جانب واحد، أعلن إياد غالي رفضه لفكرة الانفصال ومطالبته فقط بتطبيق الشريعة الإسلامية، ودخلت حركته إلى جانب الحركات المحسوبة على القاعدة في مواجهات مسلحة مع “الحركة الوطنية لتحرير ازواد” انتهت بهزيمتها.

واثناء هذه المعارك قالت صحيفة ( Zénith Balé) المالية في 27 من شهر يناير 2012 إن إياد غالي، وصل برفقة سبعة وهم “مصابون بشكل بالغ” بقذائف صاروخية، إلى مستشفى برج المختار بالجزائر، قرب الحدود مع مالي، وسجل أيضا توجه مروحية عسكرية جزائرية خصيصاً إلى “غاو” لنقله إلى  مدينة “تامنراست” في الجنوب الجزائري لتداوي عندما أصيب مرة أخرى.

 وخلال اندلاع المواجهات أشارت العديد من المعطيات إلى تقديم الدعم المالي والعسكري من طرف الجزائر إلى تنظيم “أنصار الدين”، الذي يقوده إياد أغ غالي، ومده بأطنان من المساعدات الإغاثية للإشراف على تقديمها للمواطنين المحتاجين في مناطق الطوارق من أجل تقوية شعبية الجماعة ومقاتليها، وضرب مصداقية” الحركة الوطنية لتحرير أزواد”.

فالجزائر لجأت في يناير 2012، إلى عرقلة سيطرة “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” على شمال مالي، تفاديا لإعلان قيام جمهورية مستقلة للطوارق، بتوظيف إياد أغ غالي، الذي قام بعد الإعلان  عن الاستقلال  عن تأسيسه لجماعة “أنصار الدين” بقيادة مجموعات إسلامية مسلحة بالإعلان عن قيامه بتطبيق الشريعة في مدنتي تمبكتو وغاو و قد كان هدف الجزائر من هذا الإعلان والجهر بتطبيق الشريعة، هو إرسال رسالة إلى الدول الغربية تؤكد انتشار التطرف على طريقة طالبان في أفغانستان، حتى يتقاعس الغرب عن دعم الطوارق في مساعيهم الاستقلالية، مما يخدم في الأخير مصالح الجزائر واستمرار تحكمها بخيوط التطورات في المنطقة.

مسؤولية اياد غالي في  تصعيد  الهجمات  ضد القوات  الفرنسية والأممية

ولد اياد اغ غالي في بلدة “تنزواتن”( Tinzawatene)، وهي بلدة صغير جزائرية  على الحدود مع مالي،( توجد بلدة تحمل نفس الاسم في الجانب المالي) و تعتبر مصالح الاستخبارات الفرنسية أن هذه البلدة الجزائرية هي المقر الحقيقي لرئيس “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ” (GSIM)، التي كبدت القوات الفرنسية والأممية وكذا القوات المالية العديد من الخسائر البشرية والمادية.

اياد آغ غالي يقضي معظم وقته في منزله ببلدة “تنزواتن” الجزائرية، ولا يستطيع الفرنسيون التدخل المباشر في البلدة المذكورة دون موافقة الأمن العسكري الجزائري، كما أن الجيش الفرنسي لا يمكنه مهاجمته طالما هو في الجزائر. فرنسا تحت قيادة فرانسوا هولاند كما هو الحال مع إيمانويل ماكرون، مقتنعة بأن المسلحين الدين يهاجمون قواتها في شمال مالي وفي أغلب دول منطقة الساحل الإفريقي يتمتعون بحماية الجزائر، وأنهم يقيمون في الجانب الجزائري من الحدود، ففي شهر يونيو 2017 نفى وزير الشؤون الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، في تصريح للصحافة، معرفة الجزائر بمكان اياد غالي، ردا على المطالب الفرنسية، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته للجزائر في شهر ديسمبر من سنة 2017، أثار موضوع اياد اغ غالي مع مع أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة للجيش الجزائري، ولكن دون الوصول إلى أي نتيجة تلبي مطالب فرنسا.

في 14 فبراير 2018 قامت القوات الفرنسية الخاصة ” Sabre”، انطلاقا من قواعدها في عاصمة بوركينافاسو، بمهاجمة ثلاثة معسكرات ” لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وقتلت 23 جهاديا بين منطقتي “بوغاسا” و”تنزواتن”، ودلك على بعد 900 متر فقط من الحدود الجزائرية، وقد تقدمت الجزائر حينها باحتجاج لدى الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كيتا، حيث عبرت عن غضبها واستياءها واحتجاجها على العملية العسكرية الفرنسية قرب الحدود المشتركة.

وقد قتلت القوات الفرنسية في هذه العملية عدد من قادة الجماعة من بينهم محمد ولد نويني، الملقب أبو حسن الأنصاري، وهو عربي من منطقة غاو ورئيس “تنظيم المرابطون” في مالي  (منذ ” اختفاء” مختار بلمختار) ،والذي ظهر إلى جانب اياد اغ غالي عند الإعلان عن تأسيس التنظيم الجديد ” جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في 01. 2017.03.

ولم يتأخر الرد طويلا على العملية الفرنسية، ففي 02 من شهر مارس من نفس السنة أي بعد حوالي أسبوعين فقط، تمت مهاجمة السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي وكذا مقر قيادة القوات العسكرية لبوركينا فاسو في العاصمة “وكادوكو”، وقد خلف هذا الاعتداء العديد من الضحايا والخسائر المادية ،و تبنت جماعة اياد اغ غالي الهجومين في بيان لها، و أكدت أن العملية جاءت انتقاما من عملية القوات الفرنسية عند الحدود الجزائرية قرب بلدة “تنزواتن” الجزائرية، ( حيث يقيم اياد غالي صحبة ابنته وجوزته “انا وليت بيشا ” ابنة مستوطن فرنسي وأم طارقية )، وكانت رسالة واضحة إلى فرنسا و معها بوركينا فاسو التي انطلقت من أراضيها عملية القوات الخاصة الفرنسية، حتى لا يتكرر مرة أخرى ما قامت به على حدود الجزائر مع مالي، وألا تقترب مرة أخرى من مقر إقامة اياد اغ غالي.

 *باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي