يبدو أن علاقات الدول تقوم على الحسابات السياسية الباردة حتى أمام الفواجع وهول الكوارث الطبيعية . فالدولة هي على حد قول هوبز هي غول بارد (un monstre froid ) .ولعل هذا ما ظهر بشكل جلي إبان تداعيات الزلزال المدمر الذي عرفته منطقة الحوز الذي عكس تفاعل السلطات المغربية مع التوظيف السياسي الذي انتهجته الرئاستان الفرنسية والجزائرية لتداعيات هذا الزلزال المأساوية ومخلفاته التدميرية
– المساعدات الفرنسية ومحاولة تكسير الندية السياسية
لم تستوعب الرئاسة الفرنسية عدم استجابة السلطات المغربية الآنية لطلب السلطات الفرنسية التي أعلنت عن تقديم مساعداتها للمغرب في مواجهته للأضرار المدمرة للزلزال الذي ضرب بقوة أحد المناطق الأكثر هشاشة بجنوب المغرب وقضى على دواوير سكنية في رمشة عين. حيث تناولت وسائل الإعلام الفرنسية هذا الموضوع بشكل كان يبطن اتهاما صريحا بتقاعس السلطات ومسؤوليتها في بطء عمليات الإنقاذ بهذه المنطقة . ولم يقتصر الأمر على ذلك بل لمزت إلى إثارة صمت السلطة وغياب الملك في الوقت الذي تعاني فيه المملكة من تداعيات هذه الفاجعة المدمرة .ولاحتواء أي تداعيات لهذه الضجة الإعلامية الفرنسية ، أصدرت وزارة الداخلية بلاغا رسميا لتصحيح مجموعة من المغالطات التي حاول الاعلام الفرنسي أن يركب عليها كجريدة الفيغارو والاكسبريس وبعض القنوات التلفزية التي حاولت أن تظهر، بسوء نية مبيتة ،أن السلطات المغربية قد رفضت المساعدات الفرنسية التي تحتاجها الساكنة بعدما سبق أن أشارت إلى غياب الملك وصمته امام هول اخطر زلزال ضرب افقر المناطق هشاشة بالمغرب. ويبدو أن سبب هذا التحامل الاعلامي الفرنسي مرده إلى عدم رد الملك على مكالمة هاتفية للرءيس الفرنسي ماكرون التي اجراها من طائرة عودته من قمة العشرين التي أكدت في بيانها على تضامنها واستعدادها لدعم المغرب في مواجهة كارثة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وبعض مناطق سوس والجنوب.وهكذا أوضح هذا البلاغ ،رفعا لكل لبس سياسي أو اعلامي، بأن المغرب إذ يشكر كل الجهات الأجنبية على تضامنها الواسع معه ، فهو سيتعامل مع المساعدات الأجنبية المقدمة وفق خطة مدروسة ومنظمة تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الضرورية والعاجلة التي تهم في البداية الاسراع في مرحلة الانقاذ والبحث عن الضحايا من داخل الانقاض الشيء الذي جعله يقبل بشكل سيادي مساعدات أربع دول تتمثل في إسبانيا وبريطانيا وكل من الامارات وقطر. كما أن هذه الخطة تأخذ بعين الاعتبار التاطير الاداري واللوجستيكي لمختلف المساعدات سواء تلك المقدمة من طرف مكونات المجتمع المدني بالمغرب او المساعدات الأجنبية.
وبالتالي فإن السلطات المغربية في رفضها للدعم الفرنسي كانت ترفض توظيف المساعدات الفرنسية لأغراض سياسية ، تظهر فيه المملكة كبلد محتاج لهذه المساعدات بسبب هشاشة بعض مناطقه وفقر سكانها المدقع . وبالتالي ، تعمد من خلال ذلك إلى تذويب الخلاف السياسي بين البلدين ، وتحاول تكسير الندية السياسية التي رسمها العاهل المغربي في التعامل مع معالم الدبلوماسية الفرنسية التي تبناها الرءيس ماكرون منذ توليه الحكم سواء في الميل نحو الجزاءر أو في التعنت السياسي من خلال التشبت بموقفه الضبابي إزاء قضية المغرب الوطنية رغم تحول شركاء اوروبيين الى مساندة مبادرة الحكم الذاتي.فتدبير الرءيس الفرنسي لسياسته مع المغرب التي تقوم على التعنت والاستفزاز وعدم الاستجابة لكل الضغوط التي تمارسها اوساط سياسية واقتصادية فرنسية لحد الان على الرءيس الفرنسي ومحيطه تشكل عقبة كاداء امام اي تطور في العلاقات الثناءية . فماكرون يريد ان يفرض أسلوبه الخاص في سياسته الخارجية مع المغرب والعاهل المغربي يرفض هذا الاسلوب مما ادخل الطرفين في رهان قوة سياسي وشخصي لا يمكن ان ينتهي الا باقتناع الرءيس بتغيير سلوكه وسياسته او الانتظار حتى تتم مغادرته لقصر الاليزيه. ولعل هذا ما دفع الرئيس ماكرون في سابقة دبلوماسية غريبة إلى إعلان “تضامن فرنسا مع الشعب المغربي وإمكانية تقديم أي مساعدة متى طلب منه ذلك بشكل سيادي”
-المساعدات الجزائرية ومحاولة رفع الحرج السياسي
راكم النظام الجزائري في سياسته العدائية إزاء جاره المغربي مجموعة من الإجراءات الاستفزازية وصلت إلى حد القطيعة السياسية التي تجسدت في إغلاق الحدود البرية منذ 1994 بل أيضا إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية . ولم يقتصر الأمر فقط على ذلك فقد بلغ حد إطلاق النار من طرف البحرية الجزائرية على أربع سواح مغاربة على الحدود الإقليمية بين البلدين. في الوقت الذي أظهرت فيه السلطات المغربية أريحة سياسية عليا سواء من خلال تكرار العاهل المغربي لسياسة اليد الممدودة ، او في عرض مساعداته الإنسانية إبان الحرائق التي عرفتها بعض المناطق الجزائرية . وبالتالي ، فقد وجدت السلطات الجزائرية نفسها معزولة أمام التعاطف الإنساني العالمي الذي حظي به المغرب جراء الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الحوز وخلف دمارا واسعا في الأرواح ودور ساكنة هذه المنطقة. ولرفع الحرج السياسي عنها ، سارعت السلطات الجزائرية إلى إصدار بيان غريب عن الأعراف الدبلوماسية التي تنظم العلاقات ببن الدول بما فيها تلك التي بينها خصومات وعداوات سياسية ، حيث تضمن هذا البيان تقديم العزاء للضحايا واستعدادها تقديم “المساعدات اللوجستية والمادية الطارئة للشعب المغربي الشقيق لمواجهة آثار الزلزال” وأن “الجزائر تعرض مخطط مساعدات لوجستية ومادية طارئة على المملكة المغربية، في حال قبول الرباط بها”.”، كما أعلنت مبادرتها بفتح مجالها الجوي لنقل المساعدات والجرحى.” غير أن هذا البيان الجزائري ، كان يفتقد لأهم عنصر في سيادة الدول وهو خلو رسالة “تعزية المغرب” من أي إشارة للجهات المسؤولة في المغرب، وتحديدا ملك البلاد، مما جعل هذا البيان يفتقد أي رغبة صادقة سياسية ، لا في التعزية ولا في تقديم المساعدة: فكيف يمكن تعزية شعب دولة صديقة أو شقيقة دون تعزية رئيسها أو ملكها في الوقت الذي كان الملك سواء في تعزيته في وفاة الرئيس السابق بوتفليقة أو في ضحايا الحرائق التي عرفتها الجزائر يتوجه بالخطاب إلى تبون كرئيس للدولة الجزائرية. وبالتالي ، فقد كان إغفال ذكر الملك في رسالة التعزية التفاف على الأعراف الدبلوماسية ومس بسيادة الدولة المغربية. كما أن استناد بيان الخارجية الجزائرية إلى تصريح إعلامي لوزير العدل بالمملكة المغربية “بالترحيب بقبول المساعدات الإنسانية المُقترحة من قبل الجزائر، على أن يتم إيصالها بالتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية المغربية.” لا يتماشى مع تعاملات الدول فيما بينها خاصة في وقت الكوارث والأزمات. فوزير العدل غير مختص بالشؤون الخارجية ، ولا يمكن أن يشكل “صندوق بريد” لوزير الشؤون الخارجية الذي يبقى الوزير المعني . وبالتالي فهذان الاجراءان ، إرسال تعزية لدولة بدون ذكررمز سيادتها ، والاستناد على تصريح اعلامي لوزير غير مختص كان يبطن نية سياسة للدفع إلى رفض أوتوماتيكي للمساعدات الجزائرية ، خاصة بعدما حاولت السلطات الجزائرية وضع السلطات المغربية أمام الأمر الواقع. حيث أبلغت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية نظيرتها المغربية، عن طريق القنصلية العامة للجزائر بالدار البيضاء والقنصلية العامة للمغرب بالجزائر، بالتدابير التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتعبئة ثلاث طائرات ذات سعة كبيرة بُغية نقل مساعدات إنسانية إلى المغرب تتماشى مع الاحتياجات الضرورية في حالات الكوارث الطبيعية، والإعلان عن جاهزية فرق الإنقاذ وطائرات عسكرية محملة بمساعدات للإقلاع من مطار بوفاريك العسكري القريب من العاصمة الجزائر.
وبالتالي ، فقد كان من الطبيعي طبقا لهذا السياق أن تصدر وزارة الخارجية المغربية بيانا بتاريخ 12 سبتمبر 2023، تخبر فيه “أن المدير العام لوزارة الشؤون الخارجية المغربية أبلغ القنصل الجزائري بأنه وبعد التقييم، فان المملكة المغربية ليست بحاجة الى المساعدات الانسانية المقترحة من قبل الجزائر” . ولعل هذا ما كانت تتوقعه الحكومة الجزائرية التي “أخذت علما بالرد المغربي الرسمي الذي تستخلص منه النتائج البديهة”.
من هنا يبدو ، أن السلطات الجزائرية كانت من خلال تعزيتها المبتورة ، وفتح مجالها الجوي ، وعرض مساعداتها ، كانت تتغيا تجنب الحرج السياسي التي واجهته كجار قريب يعاني من كارثة طبيعية ، لتحاول في نفس الوقت إحراج نفس الجار باللجوء إلى إجراءات ملتوية دبلوماسيا وخبيثة سياسيا.
تعليقات الزوار ( 0 )