ليس سهلًا أن تكون شاعرًا، فالشعر ليس مجرد كلمات مصفوفة على وزن وقافية ورَويْ وفق معادلة رياضية، وإنما هو ترجمة مشاعرَ وأحاسيس دفينة لدى كثير من الناس في قالب موسيقي يحمل نغمًا يدفع قلب القائل للبوح، فيطرب أذن السامع وجوارحه، ويأخذه إلى عوالم أخرى، وهو يقول: “نطقت بأكثر مما يجول في خاطري”.
وأن تكون فلسطينيًا ومهجرًا وشاعرًا في نفس الآن، فذلك أصعب مهمةً، وهو ما يدعونا للغوص في عوالم ثلاثة من الشعراء الفلسطينيين المقيمين في الأردن، لنكشف ما تعني لهم فلسطين وحنينها، وتفاعلهم مع معاركها ودور الشعر في إذكاء المقاومة، وهل هناك مظلة جامعة للشعراء الفلسطينيين في الخارج؟
علي البتيري
بدأ الشاعر علي البتيري حديثه لـ”قدس برس” بالاستشهاد بما قاله الشاعر السوداني الراحل محمد الفيتوري في أمسية بالعاصمة الأردنية عمّان عام 1969، “جئت إلى هنا لأتعلم شعر المقاومة عن قرب”.
ويضيف البتيري: “بالأمسية ذاتها قرأت فقرات من قصيدتي (خبز ودم)، المنشورة حينها في مجلة المعرفة السورية، وحين أنهيت طلب الفيتوري مني تسجيلها على شريط كاسيت ليسمعها أكثر من مرة”.
ويتابع: “باختصار المقاومة الفلسطينية، هي من أوجدت شعرا خاصا بها، وجعلت العديد من شعراء العرب يكتبون لها أقوى وأجمل قصائدهم”.
وترى عين البتيري، أن “فلسطين جنة الله على الأرض، التي أخرجنا منها شياطين الإنس، وهي معنى الوجود الذي يحاول المحتلون أن يصادروه من أرواحنا”.
ويتساءل البتيري: “ماذا يكتب الشاعر المنفي عن وطنه المحتل، ولا حيلة شعرية لديه سوى الحنين إليه؟ وهو يجد نفسه بين ناري الحزن على فراق الأهل والدار، ونار الغضب التي تحول الحزن العقيم في أعماقه إلى حزن خلاق ينجب قصائد مواجهة، مرابطا على جبهة الكلمة بجمال الصورة الشعرية وبسالة المعنى”.
ويقر البتيري أن “الانتماء لفلسطين ليس مقصورا على الشاعر الفلسطيني في الداخل المحتل، أو المنفى، بل في أي مكان، وهناك الشعراء العرب من غير الفلسطينيين، من نذروا أشعارهم لفلسطيني، ولكن يبقى الشاعر الفسطيني المولد في الطليعة وعلى خط المواجهة”.
وحول معركة سيف القدس، يقول: “ليست المعركة الأولى التي تفاعلت معها، ولن تكون الأخيرة والأيام حبلى، وشعلة المقاومة الشعرية لن تنطفئ، ما دام هناك احتلال وظلم ومقاومة مسلحة، وصمود غزة يوحي لنا بقصائد ويمليها علينا لنكتبها، والأسرى رغم غيابهم في زنازينهم، إلا أن لهم كل الحضور في دواويننا الشعرية”.
وحول وجود رابطة تجمع شعراء فلسطبن في الشتات، قال “كان هناك اتحاد عام للكتاب الفلسطينيين في القاهرة، وله فروع في بقية الأقطار، إنما بعد اتفاقية أوسلو أصبح الأمر مقصورا على اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني”.
ولا يرى البتيري ضرورة لوجود تجمع لشعراء فلسطين في الخارج أو في الأردن، إلا إذا كان مفتوحا لانتساب الشعراء العرب المناصرين لقضية فلسطين، و”هم كثر على امتداد الأمة”.
سعد الدين شاهين
بدوره، يقول الشاعر سعد الدين شاهين، إن “فلسطين بالنسبة لي، نسغ الحياة، فهي المبتدأ والمنتهى، وأول الطريق وآخره “.
ويضيف: “كتبت دواويني الأربعة عشر، ورواية واحدة، وعشرات الأغاني الوطنية، ولا تكاد تخلو قصيدة من ذكر فلسطين أو القدس أو المدن الفلسطينية، وما بها من ذكريات وحنين لأيام الطفولة فيها، واحتفاء بالمكان والزمان”.
و”هذا إن دل على شيء، إنما يدل على أن فلسطين محمولة في وجدان وذاكرة الشعراء، وهي تسكنهم في منافيهم البعيدة، رغم تجنيسهم بكل جنسيات دول العالم في القارات الخمس، وهي كأسماء القبائل تورث للأبناء والأحفاد، ولا يمكن نسيانها”، وفق حديث شاهين لـ”قدس برس”.
ويرى شاهين أن معركة سيف القدس “شامة كبيرة في تاريخ النضال الحديث، الذي أعاد لنا مجد الكرامة، وعزز ثقتنا من جديد بتناسخ الأجيال الفلسطينية وتاريخها المشرف، وجعلنا نثق بأن ما ورثناه للأجيال من حب فلسطين والقدس عاصمتنا الأبدية حق لا يضيع بالتقادم”.
وتابع: “للأسرى حضورهم اللافت في الكثير من قصائدنا.. كيف لا وهم من عبّدوا بعد الشهداء طريق النضال الذي سيقود الى التحرير بمشيئة الله”.
ويتأسف شاهين لعدم وجود رابطة تجمع شعراء فلسطين في منافيهم، واصفًا إياه بـ”التقصير البيّن”، ويستدرك “يخفف من ذلك وجود اتحادات كتاب عربية تتيح إلى حد ما للتواصل، ولكن ليس بالصورة المتخصصة والمأمولة”.
ويشير إلى أن الأمر منوط باتحاد كتاب فلسطين “الذي عليه أن يبادر لإيجاد هذه المؤسسة الجامعة والضرورية لتوحيد الخطاب النضالي بالشعر وبالكلمة والأغنية، لإذكاء روح النضال والمقاومة، ورفض التطبيع بكافة أشكاله ومجاريه، ويؤصل الوحدة والتمسك بالتراب الفلسطيني التاريخي من البحر الى النهر”.
سعيد يعقوب
ومن جانبه، قال الشاعر سعيد يعقوب لـ”قدس برس”:ر”لم تغب فلسطين عن الذاكرة في يوم من الأيام، ولم تبرح أطيافها شرفات الروح ونوافذ القلب ومساحات الوجدان، فهي مزروعة في أفق الروح كشجرة السنديان العتيقة وتضرب جذورها عميقا في بواطن الشرايين”.
ويضيف: “أنتمي إلى جيل ولد خارج فلسطين، ولم يرها ويتشرف بلثم ترابها، ولكنني عشت بها من خلال أحاديث وذكريات أبي وأمي، ففتحا لي أفقا من الحنين إلى أرضنا المحتلة، ومضافة جدي”.
ويتابع: “في طفولتي كم حلمت بشجرة الجميز التي تقف أمام منزل جدي في قرية الفلوجة، ولم يغب عني تخيل استشهاد عمي الشاب صالح، فاشتعل الوجدان شوقا وعشقا وحنينا منذ بواكير الطفولة”.
ويلفت يعقوب الانتباه إلى أنه لم يخل ديوان له من ذكر القدس والشهداء، “حتى إنني أصدرت ديوانا يحمل عنوان مقدسيات، وأفتخر أن لي قصيدة تدرس في المنهاج الفلسطيني الآن تحمل عنوان هذي البلاد لنا”.
وأشار إلى أنه في أثناء العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة في عام 2014، أصدر ديوانا حمل عنوان “غزة تنتصر”.
وأكمل يعقوب: “توقفت عند بطولات رجال المقاومة، وأعليت من قيمة الشهادة والشهداء، وغالبا ما أختم قصائدي بالتبشير بالنصر وقرب التحرر؛ لأن هذا هو وعد إلهي نوقن به، والله لا يخلف الميعاد”.
ويؤكد تناول قضايا الأسرى مطولا في قصائده، ومعارك الأمعاء الخاوية التي يخوضونها، ويضيف: “وقلت مثبتا لهم على الصبر عدة قصائد، وتحدثت مؤخرا عن أسرى سجن جلبوع الذين خرجوا بعملية بطولية عز نظيرها”.
وختم يعقوب: “تبقى للكلمة المقاتلة والشعر الملتزم الأثر البالغ والصدى المميز في تشكيل الوعي وإذكاء شعلة الأمل والإبقاء على الوهج الثوري، لمواصلة درب الكفاح الطويل وصولا للنصر والانعتاق من براثن الاحتلال، كما هو حال الفنون جميعها في تشكيل الوعي، كالأغنية الحماسية والرسم التشكيلي الذي يعنى بالتراث والمقدسات والرسم الكاريكاتوري ومفردات التراث الوطني على اختلاف أشكالها وتنوع ألوانها”.
تعليقات الزوار ( 0 )