Share
  • Link copied

سردية العراقة في تشكل الدول والأمم

حضر الجمع من مختلف البقاع والأقطار اليوم لحدث لا يتكرر كثيرا، وقد لا نراه في باقي الدول باستثناء الدول التي تمتلك تاريخا مجيدا في الأعراف والتقاليد، والتي تشكل مجمل الصور والتمثلات الرمزية، وتجسد روح الشعوب الحية، هي ذاتها التي جسدها تتويج ملك بريطانيا العظمى سليل أحد أعرق الأنظمة الملكية في العالم تاريخا وحضارة، ما يلفت الإنتباه في هذا الحفل بأبعاده المختلفة هو حضور الكنيسة و الشرعية الدينية لنظام الحكم الملكي في إنجلترا وباقي دول الكومنويلت التابعة لنظام الحكم الملكي، وليس نظام الحكومة السياسي، وهنا تتجلى قوة الدولة الأمة البريطانية وامتداداتها الجغرافية وتأثيرها حتى خارج حدودها الجغرافية.

إن انطلاق المراسيم من الكنيسة له دلالات يجب قراءتها في سياق تتجه مجموعة من الأفكار السياسية لمنطق العلمنة وفصل الدين عن الدولة، وهو ما أثبت فشله في عدة أنظمة سياسية تحللت من حضور المؤسسات الدينية كما حاولت فعل ذلك فرنسا كمثال قريب منا ونتابعه ونتفاعل معه ونحن نشاهد السيكزوفرينيا التي أصبحت تعيشها و يعيشها المجتمع الفرنسي المتعدد والمختلف والذي يعيش جزء منه منذ نقاش النقاب والحجاب والبوركيني والرموز الدينية في المؤسسات الرسمية حالة من التوتر انعكس سلبا على حسن سير الدولة، وأنتج مجموعة من المظاهر التي أصبحت تستنزف من مكانة فرنسا بدل أن تقويها.

إن حضور المؤسسات الدينية ولو رمزيا يقوي شرعية الدولة والمؤسسات لدى المجتمع الذي لا يمكنه أن يعيش في بوثقة فارغة روحيا و دينيا بل إن هذا الحضور يعطي شحنة لذلك الرابط بين الحاكم والمحكوم.

هذه التقاليد العريقة والثابتة التي نراها في مملكة بريطانيا لا يمكن لنا هنا في الدولة الأمة المغربية أن نتجاوزها و نمر عليها مرور الكرام كحدث عادي، بل هي تتقاطع في الكثير من الأمور مع تاريخنا بخصوصيته الإسلامية المنفتحة على باقي الروافد الأخرى، تتجسد لنا كمغاربة قيمة الملكية وتقاليدها وأعرافها المرعية وتتجسد لنا الطقوس التي نراها و نعيشها، وتشكل لنا مبعث الفخر بين الأمم ونحن نرى طقوس إحياء الأعياد الدينية و مراسيم إحياء ليلة القدر المباركة بكل دلالتها ورمزيتها، وبل تمنحنا رؤية واضحة على امتدادات حقل إمارة المؤمنين في مناطق تتجاوز الحدود وتعانق الجغرافيا الممتدة في العمق الأفريقي وفي بلدان من قارة آسيا، حيث نشهد تأثيرا في غرب إفريقيا وجنوبها وشرق آسيا، وحتى في قلب الدول الغربية.

إنها قوة الرابط الديني الراسخ بالبيعة الشرعية، والتي لا تخلو كذلك مراسيمها من تقاليد وأعراف تجسد الخصوصية الثقافية المغربية التي تشكل أهم الثوابت الراسخة التي لا تخلقُ ولا تبلى.

من هنا نلحظ ونخلص، في نفس الآن، إلى أن منطق فصل الدين عن الدولة غير ممكن في بلد كالمغرب، بلد إمارة المؤمنين، وهنا أتذكر قولة شهيرة للملك الحسن الثاني رحمه الله حين سألته صحفية في قناة فرنسية (لهذا دلالة خاصة) في عز موجة بروز العلمانية كتيار تجديد في الحقل السياسي والفصل بين الدولة والكنيسة بعد الحرب العالمية الثانية، عن موقفه من إقرار العلمانية في المملكة المغربية، فكان جوابه بالفرنسية كي تصل الرسالة لأهل فرنسا أولا On peut pas être laïc et musulman en même temps و إسترتسل في الشرح و التوضيح حين قال en tant que Commandeur des Croyants le droit musulman nous colle à la peau que l’on veuille ou non tant sur le plan du droit privé que sur le plan du droit public.

هذا الكلام يلخص لنا خلفيات المبادئ التي تبنى عليها الدولة والملكية في المغرب، وهي لا تختلف عن باقي التجارب العريقة المماثلة في بقاع الأرض بحضارتها وتاريخها، والمثال المشابه إلى حد بعيد، هنا، التجربة في بريطانيا.

Share
  • Link copied
المقال التالي