قبل أيام، نشر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على حسابه في X تويتر سابقا، فيديو مع ترجمته العربية يتوجه فيه للشعب المغربي وذلك أثر قبول المغرب لمساعدات بضعة دول لا تحضر فيها فرنسا التي تتمتع تاريخيا بعلاقات استثنائية وقوية مع المغرب منذ عقود، وهو ما أثار تساؤلات وجدل واسع يكرر منذ أيام في بعض القنوات الفرنسية عن عدم وجود فرنسا على لائحة الدول المساهمة في مد يد العون للمغرب. لكن توجه الرئيس ماكرون بالكلام ” اريد ان اتوجه مباشرة الى جميع المغربيين والمغربيات” بدلا من مخاطبة “جلالة الملك” وعبره الى الشعب المغربي في محنته، واستخدامه في أكثر من مكان تعابير غير دبلوماسية وبعيدة عن المخاطبات الرسمية بين الدول والرؤساء لمخاطبة الملك لم يؤخذ بالجدية من الجهات الرسمية وبالأخص أثار استياء وغضب المغاربة الذين رأوا فيه تحديا للملك وانكار لسيادة بلدهم وإساءة له وربما سابقة في بروتكولات الدبلوماسية!
وفيما أراد الرئيس ماكرون كما قال في الفيديو المنشور أنهاء أي حوارات جدلية انتشرت مؤخرا في بعض أجهزة الاعلام الفرنسي حول الموضوع، فأن كلامه هذا قد أشعل الجدل أكثر وأثار حفيظة المغاربة والفرنسيين أنفسهم من ضمنهم وزراء وأحزاب ونجوم بعضهم ولد وعاش شبابه في هذا البلد وله ذكرياته العائلية والاجتماعية التي ما تزال قوية. وبدل ان يتم الكلام عن محنة الزلزال والجهود الكبيرة التي نشرها المغرب ملكا وحكومة وشعبا وعن هبة أبنائه الرائعة والمثيرة للإعجاب في الداخل والخارج وتعاونهم وتجمعهم في كل المدن لتنظيم تسيير التبرعات المحلية التي تدفقت من كل مكان لإيصال أنواع المساعدات للمناطق من قرى ومدن ضربها الزلزال وللسكان وكل من فقد سكنه وأهله، توقف بعض الاعلام الفرنسي للكلام فقط عن غياب فرنسا من المشهد ونقد الحكومة المغربية وعدم رغبتها بإيصال المساعدات.
بهذا الفيديو يضاف توتر جديد الى سلسلة التوترات التي لم يتم تجاوزها الى اليوم والتي تعكر صفو العلاقات بين البلدين ، أهمها المتعلق بعدم اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء ومساندة الموقف الجزائري في هذه القضية الشائكة التي تسمم أصلا العلاقات بين البلدين المغرب والجزائر وتمنع تقاربهما منذ عقود، تأتي بعد هذا، قضية برنامج التجسس بيغاسوس التي وظفت سياسيا واعلاميا بشكل واسع ضد المغرب لتتوتر مجددا العلاقات بين البلدين وذلك رغم محاولة العاهل المغربي نزع فتيل هذه المشكلة الا ان التوتر بقي سيد الموقف وقام المغرب بسحب سفيره من باريس قبل اشهر. يضاف الى ذلك قرار فرنسا تقليل منح الفيزا للمغاربة عام 2022 من طرف واحد وتقليل حصة المغرب بنسبة 50% من الفيز الممنوحة لهم، وقد ادعت السلطات الفرنسية انه اجراء مؤقت لكن هذا الاجراء استمر وما يزال العمل به قائما وقد شمل شرائح كثيرة من المغاربة بالأخص من الإباء الذين يطلبون الفيزا لمرافقة أبنائها لتسجيلهم في الجامعات وإيجاد سكن يعودون بعدها للبلد وكذلك رفض الفيزا لشخصيات كبيرة منعت من دخول فرنسا بحجج هدفها المناكفة فقط. وبسبب هذه التوترات فقد لقد رد القصر الملكي رد على قول الرئيس ماكرون بأن علاقاته ودية مع الملك بالقول ” علاقاتنا ليست طيبة ولا ودية”.
يقول دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء السابق ووزير خارجية الرئيس الراحل جاك شيراك ان الالتحاق بسياسة المحافظين الجدد أدى الى عسكرة السياسة الخارجية الفرنسية التي أزاحت بشكل كامل سياسة التوازن التي اتبعتها فرنسا لعقود حتى ولاية الرئيس جاك شيراك. ولهذا السبب أرسل هوبير فدرين وزير خارجية الرئيس فرانسوا ميتران لأربع وعشرين عاما رسالة الى الرئيس ماكرون عندما ترشح لرئاسة الجمهورية يطلب منه العودة للسياسة الخارجية الفرنسية التي تعامل بها الرئيسيين ميتران وجاك شيراك لكن المحيطيين بالرئيس ممن يحارب السياسة العربية لفرنسا رفضوا ذلك.
يس ذلك فحسب، بل ما هو ملاحظ اليوم هو مغادرة الجيل القديم للخارجية الفرنسية على عهدي الرئيس ميتران وشيراك المتمرس بالتعامل مع المغرب وباقي الدول العربية ومجيء جيل جديد تربى على سياسة المحافظين الجدد يفقد فرنسا كثير من علاقاتها المتميزة مع دول الجنوب ومنها الدول العربية بحسب وزير الخارجية دومينيك دوفيلبان.
لقد رآكم الرئيس ماكرون في فترة حكمه التوترات مع المغرب رغم أهمية العلاقة الاستثنائية بين البلدين والشعبيين اذ ان المغرب هو الوجهة السياحية الأولى للفرنسيين الذين يبلغ عددهم أربعة ملايين سائح سنويا وهناك خمسين ألف فرنسي يسكن في المغرب بينما يعيش مليوني مغربي على الأراضي الفرنسية وكثير منهم يحمل الجنسية الفرنسية ويعترف المسؤولين الفرنسيين بحيوية العلاقة واهميتها مع المغرب سواء على الصعيد السياسي والأمني. وربما كان بالإمكان جعل حادث الزلزال مناسبة لإعادة المياه الى مجاريها بين البلدين خاصة ان عددا من منظمات المجتمع المدني الفرنسية لم تعبئ بالتوترات السياسية وسارعت للالتحاق فورا بالكوادر المغربية لتقديم الاعانة منها واحدة سافرت من مدينة ليون للبحث عن المفقودين بواسطة الكلاب المدربة لهذه الغاية والتي وضعت نفسها بخدمة السلطات المغربية “متجاوزة وضع علم فرنسا” لتبدأ بالعمل حال وصولها، او مشاركة مئات من الفرنسيين والفرنسيات المقيمين في المغرب بحملات التبرع والإغاثة والتبرع بالدم مندمجين مع المواطنين المغاربة بكل محبة وتعاطف في هذا المصاب.
لقد أظهرت كارثة الزلزال الذي ضرب البلاد ان السلطات المغربية قد خططت بشكل عملي ولوجستي قبولها للمساعدات من عدد محدود من الدول وذلك لأسباب تقيمها بنفسها حسب أوضاع البلاد وقد نجحت وبكفاءة عالية في إدارة الازمة وهو ما يدحض كل ادعاءات بعض قنوات الاعلام الفرنسي الهائجة لتحميل المغرب مسؤولية عدم إيصال الدعم الفرنسي له. لقد اثبتت هبّة المساعدات الواسعة للمغاربة والتي فاضت عن المطلوب تمكن الكوادر المغربية من أطباء وممرضات من نجدة السكان في كل المدن المتأثرة بالزلزال، وحشد الجيش ومنذ اللحظات الأولى قواته في كل الثكنات وأرساله المؤون والاسعافات في قوافل لأبعد الاماكن وقيامه بتنظيم فائض المعونات في مخازن خصصت لهذا الغرض، ووصل مغاربة كثيرون من خارج المغرب لمد يد العون لمواطنيهم منهم من حمل الأموال ووزعها مباشرة على المحتاجين ومنهم من حمل الادوية ومواد الإسعافات الأولية. بينما سارع القصر لإطلاق حملة تبرعات افتتحت بتبرع العاهل المغربي بمبلغ كبير تبعه عدد من الشخصيات المعروفة. اما أهم اجراء بعد أيام من نكبة الزلزال هو بدء العام الدراسي واستقبال الهيئات التدريسية والباحثات الاجتماعيات للطلاب لشرح أسباب الزلزال العلمية وأقيمت قاعات متنقلة للدراسة مجهزة بكافة المعدات الضرورية لاستقبال الطلبة فيما نقلت بعض المدارس بكافة مرافقها الى مراكش حيث وفرت فيها السلطات المحلية للطلاب المطاعم والمبيت.
لقد قدم المغرب للعالم في محنة الزلزال أجمل ما عنده من كرم وتعاون وتضامن وتضحية وتنظيم ليظهر انه بلد كبير.
تعليقات الزوار ( 0 )