على بُعد أيام قليلة من انتهاء شهر رمضان الفضيل، الذي مرّ في ظل إجراءات الحجر الصحي التي أسفرت تحولا كبيرا في حياة المغاربة خلال هذا الشهر المبارك، سواء تعلق الأمر بالطقوس الدينية أو الاجتماعية.
وفي سابقة من نوعها مرّ رمضان على المغاربة، والأمة الإسلامية، في ظل ظروف استثنائية بفرض الحجر الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، بما يحمله ذلك من إلغاء للكثير من العبادات والطقوس الدينية والعادات الاجتماعية التي ترافق في العادة شهر رمضان الكريم.
خيبة أمل
وجد المغاربة المتعلقة قلوبهم ببيوت الله أنفسهم محرومين من الأداء الجماعي لصلاة التراويح التي تميز الشهر الفضيل بالمملكة بما تبعثه في قلوبهم، إلى جانب صلاة الفريضة، من مشاعر الخشوع والإيمان، حيث يسعى الكثيرون منهم إلى عدم إخلاف موعده معها، بل ويختارون لأجل ذلك شد الرحال إلى مساجد تبعد عن مكان إقامتهم رغبة في تأديتها خلف إمام يتلو القرآن الكريم بطريقة تخشع لها قلوبهم.
وعبّر كثيرون عن مشاعر “الأسف” لعدم القدرة على إقامة هذه السنة التي يحرص المغاربة على أدائها جماعة باعتبارها واحدة من الطقوس الدينية المتفردة التي ظلت لصيقة بشهر التوبة والغفران.
وإضافة إلى عدم الخروج إلى صلوات التراويح، فقد طال تأثير كورونا، سنة أخرى من سنن النبي الأكرم، ويتعلق الأمر بمناسك العمرة التي يحرص العديد من المسلمين، بمن فيهم المغاربة، على أدائها في شهر رمضان.
اختفاء عادات
تأثير جائحة كورونا، وبسبب الحجر الصحي، طال أيضا طقوسا اجتماعية كثيرة تتعزز في العادة خلال الشهر الفضيل، من قبيل تبادل الزيارات العائلية، وتنظيم حفلات تزيين الفتيات بمناسبة ليلة القدر”ليلة 27″، والمسامرات التي تجمع الأصدقاء من رواد المقاهي إلى وقت متأخر، ومبادرات موائد الرحمان التي تنشط فعاليات المجتمع المدني في تنظيمها لفائدة المعوزين في كل مدن المملكة.
وفي رمضان في زمن الحجر الصحي، لم تجد البرامج الثقافية والندوات والدروس الدينية والمواعظ والأمسيات الرمضانية والمسابقات القرآنية التي يحفل بها الشهر الفضيل في العادة طريقا إلى التنزيل ما عدا ما نُظّم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما لن تشهد المدن تنظيم ما يسمى بدوريات الأحياء لكرة القدم التي كانت تجرى مبارياتها في العادة ما بين صلاتي العصر والمغرب، والتي تغذي في الشهر الفضيل قيم الصبر والتنافس الشريف.
رأي آخر
هناك من يعتبر الحجر الصحي بمثابة فرصة حقيقية لجعل الشهر الكريم فرصة يجمع فيها المرء بين تزكية النفس بما تتيحه من تفرغ للإكثار من النوافل وقراءة القرآن الكريم، وتطهير الجسم من السموم من خلال اعتماد نمط غذائي سليم والإفادة من المزايا الصحية للصيام.
ويشار إلى أن المجلس العلمي الأعلى أكد أن “الحفاظ على الحياة من جميع المهالك مقدم شرعا على ما عداه من الأعمال، بما فيها الاجتماع للنوافل وسنن العبادات”، مبرزا أن “عدم الخروج إلى صلوات التراويح قد يعوضه إقامتها في المنازل فرادى أو جماعة مع الأهل الذين لا تخشى عواقب الاختلاط بهم، ومعلوم شرعا أن الجماعة في الصلاة ما زاد على الواحد”.
ربما هي نعمة كبرى أننا صمنا هاته السنة على وقع هذا الابتلاء ، فقد نمتلك تلك الفطنة التي لم نكن نمتلكها في السابق من الأوقات بنمنح أرواحنا وأنفسنا فقط مهلة صغيرة للتأمل وللتفكير في كل شيء.
وبعدها سيعود لنا اختيار المضي في أي اتجاه نريده من الاتجاهين، اتجاه المواصلة في الأنانية المرضية المفرطة، أو اتجاه الرهان على الخلاص الجماعي للإنسانية كل الإنسانية دونما أي استثناء، وذلك هو جوهر الدين الحقيقي المرسل إلى العالمين، وليس إلى جنس بعينه أو طائفة معينة.
تعليقات الزوار ( 0 )