Share
  • Link copied

ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال بين النزعة الاستقلالية والسيادة الوطنية

       تنبغي الإشارة إلى أن الاحتفال بذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944) والذي وإن كان يعتبر حدثا تاريخيا بارزا يحتفي به المغاربة وفاء لرجالات الحركة الوطنية ، والذي سن كعطلة رسمية مؤدى عنها بالمغرب بتاريخ 9 يناير 1988 ، فيبقى حدث عودة الملك محمد الخامس من المنفى  وتاريخ جلوسه على العرش هو العيد الرسمي لاستقلال المغرب .إذ أن تقديم هذه الوثيقة لا يشمل كل زعماء الحركة الوطنية ما دام أن عدد الموقعين على الوثيقة المتداولة هو 66 شخصا، حسب الرواية الرسمية لحزب الاستقلال و58 فقط؛ حسب  ما  ورد في كتاب جورج سبيلمان المنشور سنة 1967 بباريس بـعنوان” المغرب من الحماية إلى الاستقلال”، الذي أشار بأنه  “في 11 يناير 1944 نشر حزب الاستقلال عريضة تحمل توقيع ثمانية وخمسين شخصية من الأوساط البورجوازية والشعبية أيضا، ومن بينهم نجد، جنبا لجنب، موظفين من المخزن وعلماء ومحامين وأساتذة ومديري المدارس ومعلمين وتجارا وبعض الفلاحين، ومن هؤلاء من يحمل ثقافة عربية فقط، ومنهم عكس ذلك، من تكوّن بثانوياتنا”. بالإضافة إلى ذلك فكان إلى جانب نشر هذه العريضة “الاستقلالية” عريضتين للمطالبة باستقلال المغرب لحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي المغربي.ومن ثمة ، فإن الاحتفال بهذه الذكرى ينبغي أن يتم في سياق يشمل العمق التاريخي للنزعة الاستقلالية للمملكة بالمغرب والرمزية الوطنية والشعبية التي يتمتع بها الملك ضمن هذه السيرورة التاريخية.

1ـالنزعة الاستقلالية للدولة المغربية

تعتبر الدولة المغربية والدولة المصرية الدولتان الأكثر عراقة ضمن دول منطقة شمال افريقيا. حيث عبر بول بالتا عن هذه الخاصية عندما أشار إلى ما يلي :”<<هـناك بـلـدان يـتـمـيـزان بـمـوقع جـغـرافي و بعمق تاريخي ، و يحتلان مكانة خاصة بشمال القارة الافـريـقـيـة : فـفـي الشـرق هـناك مصر ، و في الغرب هناك المغرب الذي يعتبر أول دولة تشكلت في الغرب الاسلامي . لـكـن ، على عـكـس مـصـر التي كثيرا ما خضعت للاحتلال ، فالمغرب بشكل عام حافظ باستمرار على  استقلاله>>.

ويمكن تفسير هذه العراقة السياسية للدولة بالمغرب إلى العوامل التالية:

       أولا :  الحدود الطبيعية حيث اتـفـق المؤرخون القدامى على أن مـوريـطـانـيا كانـت لـهـا حـدود طبيعية واضحة؛ بـحيث كـان يحدها غربا المحيط الأطلسي ، وشمالا البحر المتوسط و شرقا نهر ملوية و جنوبا الصحراء. ولعل ميزة هذه الحدود هي أنها كلها حدود طبيعية و ليست مصطنعة ؛ الشيء الذي ساعد على تكريس و بلورة خصوصية الدولة بالمغرب التي تجلت في بلورة حدود سياسية قارة. فالمحيط الأطلسي و البحر المتوسط و الصحراء كلها حواجز طبيعية من الصعب تغييرها أو التأثير فيها الشيء الذي أدى إلى تـمـاهي الـسكان معها و اعتبارها  حدودا مادية كـرسـت شـعـورهـم بـهـويـتـهـم . أما نهر ملوية الذي يعتبر مـن الحـدود الـتي يمكن تجاوزها و التأثير فيها ؛ فـإنـه قـد شـكـل مـع ذلـك حـدودا تـاريـخـيـة بين موريطانيا و باقي الكيانات السياسية.

  ثانيا  : الوحدة السوسيولوجية حيث أن المـوقـع الـجـغـرافـي لـلمـغـرب وصـعــوبة مسالكه الطبيعية أدت إلى انصهار المكونات السكانية المحلية و التي كانت تـتـكـون في أغلبها من البربر. فـقـد حافظ هؤلاء على طابعهم الأصلي نتيجة لموقعهم في إطار جغرافي مقفل . ويفسر مارسي هذه الظاهرة بقوله : << هناك بين المغرب و تـونـس مـفارقة جغرافية أساسية لم يستطع التاريخ أن يخفف من مضاعفاتها . فإذا كانت تونس تطل على البحر الـمـتــوسـط ، فإن المغرب يطل مباشرة على الأطلسي أي على الفراغ، مما جعله يحافظ على أصالته البربرية و يتمسك بعراقة بنياته الاجتماعية  . وتزداد هذه الخصوصية بفـعل عدة عوامل جغرافية  تتمثل في  وعورة جبال الريف التي  شكلت حاجزا أمام أي اكتساح

بشري أجنبي ، وصعوبة الاستقرار بالشواطىء الأطلسية و التي لا تسمح بأي توغل أجنبي لداخل البلا، وعلو جبال الأطلس المتوسط و قوة شكيمة القبائل الأمازيغية التي كانت تسكنها.

       ثالثا : التقوقع الجغرافي حيث أن وجود المغرب في أقصى شمال افريقيا و صعوبة المسالك الطبيعية التي كان يتميز بها ، جعلت كـل الفـتــوحات الأجـنبـيـة الـتي اكـتـسـحت الـمـنطقة تصله دائما في آخر المطاف و بعدما تكون قد فقدت معظم زخمها . فالرومان لم يحتلوا المغرب إلا بعد سيطرتهم بوقت طويل  على كل بلدان المنطقة، و الفتح العربي لم يؤثر كثيرا في المغرب بخلاف تونس و الجزائر ، الشيء الذي ساعده على الحفاظ على خصوصيته .

 لكن إلى جانب مختلف هذه العوامل ، كانت المؤسسة الملكية بمختلف أشكالها وألقابها (أكليد ، أمير المؤمنين ، أو سلطان أو ملك) هي التي ساهمت في الحفاظ على استقلالية الدولة وساهمت في تطورها .

2-الملك كرمز للسيادةالوطنية

بعد فشل الإصلاحات المخزنية في تحديث بناه العسكرية والضريبية، والتي كلفته إفراغ الخزينة من مواردها المالية واضطراره للاقتراض الخارجي، وعجزه عن استرداد المناطق المحتلة من التراب المغربي، اضطر السلطان المولى الحفيظ إلى توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 مع الحكومة الفرنسية، وتكسيره <<لعصا>> مظلته التي ترمز لنهاية سيادته كسلطان للبلاد. فـأثـنـاء مـقـابـلـة الـتـعـارف بـيـن الجنرال ليوطي و المولى عبد الحفيظ في 24 ماي 1912 طمأن المقيم الفرنسي السلطان على وضعيته السياسية حيث قال : << لـتـكـن جـلالـتـكـم مطمئنة حول نوايانا الشخصية فيما يخص احترام الصلاحيات التقليدية للسلطة الـشـريـفـة ؛ وكذا احترامي للدين وكل أعمال رعاياكم . ففرنسا عازمة على منح مساهمتها الفعلية من أجل إدخال نظام الأمن و الحضارة و التقدم . >> (1).فعلى عكس سياسة فرنسا في إلغاء نظام الداي بالجزائر ونظام الباي في تونس ، حرصت السلطات الاستعمارية على عدم << المس بوضعية السلطان، ولا بالأسس التي يستند عليها حكمه، ….>> حيث حرص الجنرال ليوطي منذ تقلده أمور تسيير المغرب والتحكم في مكوناته السياسية على الحفاظ على << الوضعية التقليدية للسلطان>> ومكانته الدينية، نظرا  لوعيه بتجذر المؤسسة الملكية في نفوس المغاربة والتصاقها الوثيق ببنية الدولة بالمغرب عبر تاريخه السياسي الممتد.

وبالتالي، فقد ارتكبت سلطات الحماية عدة أخطاء سياسية قاتلة كان من بينها إصدار الظهير البربري ، وكذا نفي الملك الشرعي للمملكة. إذ بمجرد قيام السلطات العسكرية الفرنسية بمحاصرة قصر الملك ونقله بالطائرة خارج البلاد انتفض المغاربة بشكل يذكر بانتفاضة أيدمون بعد اغتيال الامبراطور كاليكولا للملك المغربي بطليموس واحتلال المغرب. حيث أنه بمجرد الإعلان عن نبأ اغتيال العاهل المغربي ، اندلعت عدة ثورات بزعامة أيدمون (2) في مختلف أنحاء المملكة سارعت روما لإخمادها مجندة في ذلك عدة فيالق عسكرية لمطاردة الثوار و محاولة القضاء عليهم…( 3) فثـورة أيـدمـون كـانـت تـجسد تجذر الملكية في نفس المغاربة ، حيث كانت تشكل رمزا لاستقلال البلاد.

لذا فبمجرد القضاء على ثورة أيدمون  ، اندلعت ثورة سالبيس التي جردت لها روما حملة عسكرية بقيادة أحد ضباطها العسكريين الذي طارد المتمرد المغربي إلى حدود الصحراء (4) . و بمجرد إخماد هذه الثورة، اندلعت ثورة أخرى في عام 45 ق م التي حركت كل القبائل إلى حدود نوميديا.(5). ولعل هذا الوضع هو الذي تكرر بالمملكة بعد أكثر من 20 قرنا ، حيث واجهت سلطات الحماية خلايا المقاومة المسلحة التي انتشرت بمختلف مدن المملكة  مطالبة برجوع الملك محمد الخامس رمز البلاد، حيث ابتدأت بمهاجمة علال ابن عبد الله لموكب السلطان  بن عرفة وامتدت لتشمل مهاجمة كل مظاهر التواجد الفرنسي واغتيال الخونة. حيث تم تأسيس عدة منظمات مسلحة بمدينة مراكش لضرب المصالح الاستعمارية مثل منظمة الشهيد محمد بلحاج البقال، ومنظمة الشهيد حمان الفطواكي، المنظمة الحسينية 1954م،و منظمة جيش الأطلس 1954م بالإضافة إلى تكوين منظمات فدائية بزعامة محمد الزرقطوني وغيره بالدارالبيضاء. كما تأسس جيش التحرير الذي نفذ عدة عمليات عسكرية مثل الهجوم على مركز قيادة شيشاوة،  والهجوم على مركز قيادة امزميز. مما اضطر السلطات الفرنسية  إلى الدخول في مفاوضات مع  ممثلي الحركة الوطنية الذين تمسكوا بعودة الملك محمد الخامس  خلال مفاوضات إكس ليبان التي تم الاتفاق فيها على خلع السلطان محمد بن عرفة، وعودة الملك الشرعي محمد الخامس واعتراف فرنسا بأن المغرب دولة حرة ذات سيادة . وبالتالي ، جسدت عودة الملك محمد الخامس إلى البلاد بعد مغادرته لمنفاه السياسي بمدغشقر رمزا من رموز استعادة المملكة لاستقلالها حيث ارتبط احتفال المغرب بعيد الاستقلال بتاريخ تولي هذا الملك للعرش بدل تاريخ التوقيع على اتفاقية سانت كلو.

Share
  • Link copied
المقال التالي