Share
  • Link copied

خبير: دولة الإمارات وسط سيناريو ”العقرب الذي يلدغ ذيله“

سيكون من الصعب على أي خبير استراتيجي في العالم، إيجاد حجج تبريرية للسلوك الذي أقدمت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تنساق بأرجلها لتوقيع اتفاق مع إسرائيل، بل أن كل محلل عاقل يصل بسرعة إلى أن ما أقدمت عليه دولة الإمارات عبارة عن حماقة استراتيجية لا يمكن لوزير الدولة في الخارجية أنور قرقاش أن يقنع بها أحدا، رغم أنه نسج طابورا طويلا من الأساطير عصف بها رئيس وزراء إسرائيل بعد ساعتين من ذلك.

حماقة استراتيجية ”سيادية“ إماراتية لاتعني العالم العربي

والمثير، أن تخرج الخارجية الإماراتية وأتباعها لتبرير الاتفاق، بربطه مرة بأسطورة ”صناعة السلام”، ومرة أخرى بإيقاف ”مخطط الضم ”، لينهار هذا الخطاب الإماراتي لما بدأت إسرائيل بالتوضيح أنها أبرمت اتفاقا بدون شروط وبدون ثمن.

والملاحظ، أن السلطات الإماراتية انتحلت صفة لايمكن للدول العربية القبول بها، وذلك لما نصبت نفسها وصية على الدول العربية والفلسطينيين الذين انقطعت الصلة بينهم وبين الإمارات منذ سنة 2014.

فدولة الإمارات أرادت تبرير حماقتها الاستراتيجية، بإعطاء نفسها حجما لا تملكه داخل العالم العربي، والغريب، أن يعمد الإماراتيون إلى محاولة تنصيب أنفسهم ”أوصياء“ على العالم العربي، في وقت تعيش فيه دولة الإمارات عزلة قاتلة داخل هذا العالم العربي نفسه منذ سنوات، نتيجة أخطائهم في اليمن وليبيا والخليج والمنطقة المغاربية.

يضاف إلى ذلك، أن دولة الإمارات، التي ينتقد وزيرها قرقاش المعارضين لحماقتها الاستراتيجية المتمثلة في الاتفاق، قفزت فوق مبادرة حليفتها السعودية، مبادرة الملك عبدالله في بيروت سنة 2020، التي لم ينتبه وزير الخارجية السعودي منذ يومين، وهو في ندوة صحفية إلى جانب وزير الخارجية الألماني، أن السعودية لايمكنها أن تتبنى اتفاقية الملك عبدالله وفي نفس الوقت تدافع ضمنيا عن اتفاق الإمارات وإسرائيل، فذهاب السعودية مع الإمارات، وهو أمر مستبعد لحد الآن، معناه أن السعودية تضرب نفسها بنفسها، وتتخلى عن مبادرة الملك عبدالله، بل أنها في حالة مسايرتها للإمارات تكون قد أنهت قوتها الإقليمية في العالم الإسلامي والعربي، فالإمارتيون دفعوا السعودية لضرب نفوذها نحو ورطة اليمن وحصار قطر، وكادت مخططاتهم أن تعصف بالسعودية كاملة ويُعيدوا سيناريو عراق صدام حسين في غزو الكويت لو تم التدخل العسكري في قطر، الذي فضحه الأمريكيون.

ويبدو أن هناك محددات تمنع السعودية من المغامرة مع حليفتها دولة الإمارات، والسؤال هو هل كان السعوديون على علم بهذا الاتفاق؟

وفي الحالتين، سواء استشار الإماراتيون السعودية أم لا، قبل الاتفاق، فإن التحالف السعودي الإماراتي بدأ في الانهيار، ذلك أنه إذا كان السعوديون يعلمون بالاتفاق فإنهم سيتصارعون مع الإماراتيين، لأنه لايبدو ممكنا على الأقل الآن أن السعودية تسير في الحماقة الاستراتيجية التي ارتكبتها الإمارات، فالسعوديون يعرفون جيدا أن الاتفاق مع إسرائيل يُنهي نفوذهم في العالم العربي والإسلامي، وفي الحالة الثانية، بأن يكون الإماراتيون قد اتخذوا قرار التطبيع مع إسرائيل دون استشارة السعودية، وهو أمر وارد جدا، فإن دولة الإمارات تكون بذلك قد أنهت التحالف وبات شكليا فقط، لأنه مهما كانت مواقف البحرين، ثالث الحلفاء، فإنها ليست ذات تأثير لكونها تنظر للاتفاق من نافدة الصراع مع إيران.

هل تحمي إسرائيل دولة الإمارات من الصواريخ الحوثية؟

وأمام الارتباك الحاصل في تبرير الاتفاق مع إسرائيل، بدأ الإماراتيون يروجون أن الاتفاق يحد من الخطر الإيراني، ويبدو أن مرددي هذا التبرير المزعوم لم ينتبهوا إلى أن وزارة خارجيتهم، كانت أياما معدودات قبل الاتفاق تشير الى التعاون الإيراني الإماراتي، وتقول أن العلاقات بين الدولتين توجد في أوج قوتها، فكيف تحولت إيران إلى عدو إماراتي في أسبوع؟ وهل فعلا يوجد عداء إماراتي إيراني؟ أم أن دولة الإمارات أقرب إلى إيران من السعودية رغم التحالف؟

فإيران الاقتصادية، ممتدة داخل الإمارات، بل تكاد تكون إمارة دبي ملحقة اقتصادية إيرانية غير معلنة، لأنها بوابة إيران طيلة سنوات العقوبات الدولية، لهذا، من المتوقع أن يخلق حلول إسرائيل محل إيران صراعا داخل دولة الإمارات نفسها.

ولم ينتبه الإماراتيون، وهم يبررون اتفاقهم مع إسرائيل بكونه يحد من الخطر الإيراني، أن الأمريكيين بإعادة انتخاب ترامب أو بدونه ماضون نحو توقيع اتفاق جديد مع إيران، ولم ينتبهوا إلى أن إيران، رغم كل الصراعات مع الأميركيين، تبقى بدولتها وثورتها ضرورة في الاستراتيجية الأمريكية لإدارة الصراعات في منطقة الخليج والشرق الأوسط بكامله.

لكن الوضع يتغير اليوم في محيط دولة الإمارات، وقد أعلن الإيرانيون مباشرة بعد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي أنهم شرعوا في تغيير مقاربتهم للأمن القومي مع دولة الإمارات، التي قربت عدو إيران الأول وبات في جوارها، ألم ينتبه الإماراتيون أنهم حولوا أرضهم إلى مجال صراع مفتوح بين إيران وإسرائيل يجري داخل الإمارات؟ ألم ينتبه الإماراتيون أنهم نقلوا صراعا لنسخة ”شبه لبنانية” إلى الخليج، تجري فوق الأراضي الإماراتية بين إسرائيل وإيران، ويلعب فيها الحوثيون بصواريخهم دور حزب الله اللبناني؟

في ليبيا، هل تعقد دولة الإمارات زواجا بين الإسرائليين والسلفية المدخلية ؟

وسيكون للاتفاق تداعياته على شرق ليبيا، فلاشيء يضمن ألا يكون هناك تعاون إماراتي إسرائيلي فوق أراضي الشرق الليبي، فالإسرائليون وجدوا بوابة الوصول للشرق الليبي عن طريق دولة الإمارات، لكن كيف سيقوم حفتر المهزوم الذي رصدت له سلطات أبوظبي إمكانيات عسكرية لاتوجد عند دول، وكانت تعتقد أنه سيدخل طرابلس في أربعة أيام، فإذا به يتعرض لهزيمة غيرت كل موازين القوى ولجأ إلى السلفية المدخلية ليستعملها كذراع عسكري لمواجهة قوات الوفاق، وبعد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي كيف سيقوم حفتر في شرق ليبيا بجمع الإمارات وإسرائيل والسلفية المدخلية ؟ وماذا سيكون موقف قبائل وأعيان شرق ليبيا؟

والمثير، أن تُخرج دولة الإمارات أذرعها المسماة بالمجالس والمنظمات الإسلامية للدفاع عن الاتفاق، وتدفع بمجلس الإفتاء الشرعي الإماراتي الذي يرأسه الشيخ الموريتاني عبدالله بن بية إلى التصريح بأن العلاقات الدولية والمعاهدات هي من صلاحية ولي الأمر، والغريب أن يتزامن هذا التصريح مع الموقف الرسمي الموريتاني الذي سارع إلى تأييد الاتفاق، وفي نفس الوقت مع بيان منتدى مجلس تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي يقوده الشيخ الموريتاني عبدالله بن بية نفسه، حيث بدأ التصدع بعد البيان بخروج بيانات مضادة لموقف المجلس المؤيد للتطبيع.

مقابل ذلك، لوحظ أن دولة الإمارات العربية المتحدة قامت بتحريك أفرعها الإعلامية في شمال إفريقيا لتشتيت أنظار الرأي العام المغاربي عن الاتفاق، وذلك بمحاولة إلهائه في حرب شائعات سياسية واجتماعية خطيرة أياما قليلة قبل إعلان الاتفاق.

لكن السؤال اليوم، حول مصير هذه التنظيمات الإسلامية التي تحتضنها أبوظبي، وقد سارعت كلها إلى البحث عن مبررات للاتفاق، كيف سيكون وضع المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة الذي يقوده علي راشد النعيمي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين سابقا، وهو يحاول اختراق غرب إفريقيا من فوق الأراضي الموريتانية؟

ويبدو من خلال كل هذه المعطيات، أن دولة الإمارات العربية المتحدة، المعزولة داخل العالم العربي بسبب أخطائها الكبيرة، ارتكبت باتفاقها مع إسرائيل حماقة استراتيجية، تجعلها وسط سيناريو ”العقرب الذي يعض ذيله“، فالعقرب لما تشتعل حوله النار من كل المداخل والجنبات يبدأ في لدغ ذيله كمقدمة لبداية الانتحار، والسيناريو ينطبق على دولة الإمارات التي أحاطت بها النار من كل الجوانب، نار التطبيع مع إسرائيل، ونار الجوار مع إيران، ونار اليمن، ونار الصراع في الخليج، ونار الشرق الأوسط ونار ليبيا في شمال إفريقيا.

  • رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني
Share
  • Link copied
المقال التالي