شارك المقال
  • تم النسخ

دور الفاعل السياسي في تحصين المشهد الحزبي

غالبا ما تجسد الإنتخابات في أي بلد منعطفا حاسما، ولحظة مفصلیة ودیموقراطیة في تاریخھ السیاسي، والإنتخابات مشتقة من النخبة وھي صفوة من الممیزین من أیة مجموعة بشریة لیكونوا واجھة لھذه المجموعة في إدارة المھام العامة والشأن العام ، بھدف تحقیق مصالح مشتركة، ولكن بكفاءات ومھارات وصفات یجب توفرھا في من یجب اختیارھم للقیام بھذه المھمة، وھي عملیة مؤطرة بتشریعات وقوانین تجد أساسھا في الوثیقة الدستوریة، وھي عملیة كذلك تقوم على التنافس الشریف بین مختلف الأحزاب السیاسیة الرامیة الى البحث عن حلول للمشاكل القائمة على مختلف المستویات والاصعدة ، والإستجابة للإنتظارات الواسعة لمختلف فئات المجتمع اقتصادیا، سیاسیا، اجتماعیا، وثقافیا.

فعلى الرغم من أھمیة الموضوع وما یستحقھ من نقاش جاد ومستفیض لمختلف الجوانب المرتبطة بھ ، ساقتصر الحدیث فقط على جزء مرتبط عضویا بالموضوع ویتعلق الأمر بالفاعل السیاسي والحزبي، باعتباره أحد مكونات العملیة والعنصر الفاعل في مجریاتھا. وذلك بدءا بالأسئلة التالیة:

ھل لازال من دور ایجابي للفاعل السیاسي في تحصین المشھد الحزبي؟

أیة مكانة وأیة صورة یعكسھا الفاعل السیاسي في المشھد الحزبي الراھن؟

يعتبر الفاعل الحزبي المحرك الأساسي للحياة السياسية،نظرا لما له من دور محوري في التحسيس والتعبئة وتأطير المواطنات والمواطنين، وتعزيز انخراطهم في الحياة العامة.

إلا ان المتتبع لمجریات الأحداث، وما تتناقلھ وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الإجتماعي عن الحیاة الحزبیة، والفاعل السیاسي في الآونة الأخیرة ،يعكس صورة مغايرة تتنافى والوظيفة الحقيقية الموكلة للفاعل الحزبي التي أطرها بشكل صريح دستور 2011 ، بغرض تأهيل المشهد الحزبي وتخليق الشأن العام. لكن إذا تمعنا جيدا ما يجري على ارض الواقع خاصة عندما يحين موعد الإستحقاقات الوطنیة، لا بد وأن تحس بشعور غریب وإحساس بعدم الرضا عما یتلقاه المواطن العادي والمتتبع للمشهد الحزبي من خطابات جوفاء، وما یترصده كذلك من سلوكات من طرف الفاعل السیاسي، وھي سلوكات أقل ما یمكن أن یقال عنھا أنھا لا تمت بصلة للفعل السياسي الجاد والملتزم بقواعد وأخلاق السياسة.

وأول ما یمكن ملاحظتھ ھو ظاھرة الإستقالات والإلتحاقات فرادى وجماعات من ھذا الحزب أو ذاك، مع ما یصاحب ذلك من تدني مستوى الخطاب التبریري لھذا السلوك البئیس والذي لا یجد مبرره الحقیقي لا في الإختلاف الإیدیولوجي و المذھبي داخل الحزب الذي ینتمي إلیھ الفاعل المعني، بقدر ما یعكس في غالبیتھ الطابع الأناني والإنتھازي والوصولي- مع عدم التعمیم طبعا-، بحثا عن الریع والإمتیازات بھدف تحسین الموقع الإجتماعي، سلوك لا تحركھ الرغبة في تدبیر الشأن العام المحلي او الوطني، ولھذه الغایة تجد الفاعل المعني مستعد وبكل ما اوتي من قوة وحیل لتبریر سلوكھ ھذا.

لا شك أن وضعية الفاعل الحزبي وصورته القاتمة داخل المشهد خلال السنوات الأخيرة افقدته تلك المكانة الإعتبارية التي كان يتمتع بها وأصبح همه الوحيد هو الفوز بمقعد انتخابي بأي شعار وتحت أي لون حزبي.

ھذا من جھة، ومن أخرى ھناك وجھ آخر للمعادلة، ویتعلق الأمر بالبنیة الحزبیة ،كبنية موسومة بالعديد من الاعطاب،غیر قادرة في أحايين كثيرة على استیعاب بعض الأفكار وطموحات المناضلین داخلھا، وھي بنیة تتنافى ومبادئ حزب المؤسسة ، بالنظر الى طرق اشتغالھا، حیث غیاب الدیموقراطیة الداخلیة، والدوس على كل القوانین والإجراءات المسطریة في تدبیر اختلافاتھا الداخلیة، مع النزوع في بعض الحالات إلى اعتماد عناصر وأسالیب جدیدة اضحت بدیلا لحل الخلافات من قبیل: الولاءات والمحسوبیة استعمال المال (مول الشكارة) وغیر ذلك من الأسالیب المنفرة للعمل الحزبي الجاد والملتزم، ما یؤدي بالفاعل الحزبي إلى أن یجد نفسھ خارج ھذا التنظیم أو ذاك، مكره على المغادرة أو تقدیم الإستقالة وفي أحسن الأحوال تجمیده للعضویة إلى حین وأجل غير مسمى.

. ھذا فضلا عن بعض العناصر الخارجیة الأخرى التى سعت وتسعى إلى تبخیس العمل السیاسي والحزبي (معاول الھدم) وھي كثیرة ومتنوعة من منطلق حساباتھا الخاصة وھي وحدھا التي تعلمھا.

وبالنظر إلى كل ھذا وذاك، وأمام ھذه الوضعیة المزریة أصبح المشھد الحزبي في شكل صورة سوریالیة، بعیدا عن أدواره الحقیقیة في التكوین والتأطیر والتمثيل، والتأثیر داخل المجتمع. ما نتج عن ذلك من فقدان الثقة لدى فئات عریضة من الشباب والنساء في الإھتمام بالممارسة السیاسیة، وما ظاھرة العزوف عند كل محطةانتخابیة خیر دلیل على ذلك.

كیف لا ونحن لا تفصلنا عن الإستحقاقات القادمة إلا أشھر قلیلة ولم نسمع صدى حقیقي للنقاشات الجادة حول البرامج الإنتخابیة للأحزاب السیاسیة،والأولویات الوطنیة في السیاسات العمومیة، ماعدا استقالة زید والتحاق عمرو وكأننا امام لعبة خلقت لتبادل الأدوار والألوان بین الفاعلین، ما یؤدي لا محالة إلى تفویت وضیاع الفرص على بلدنا في التقدم نحو الدیموقراطیة الحقة وتعزیز ما تحقق من مكتسبات.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي