فيما عدّه مراقبون بأنه تثبيت للقواعد التي أُقرّت على مدار السنين بالأحقية المطلقة للفلسطينيين بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية بالقدس المحتلة وإدارتها، أطلق نشطاء فلسطينيون حملات واسعة تطالب بالاحتشاد وشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، بمدينة القدس المحتلة، يوم غد الجمعة، والمشاركة بأداء صلاة الجمعة فيه، وذلك بعد اغلاقه في الـ 23 من آذار/مارس الماضي، كإجراء وقائي لمنع انتشار فيروس “كورونا”.
وتأتي هذه الدعوات، في ظل ما كشفت عنه مصادر مقدسية لـ “قدس برس”، فضّلت عدم الافصاح عن هويتها، بأن دائرة الأوقاف الإسلامية بمدينة القدس المحتلة، كانت تخطط لفتح المسجد الأقصى، غدا الجمعة، إلا أن اتفاقا بين الأردن وسلطات الاحتلال، بشأن إغلاق المسجد بذريعة منع تفشي فيروس كورونا، حال دون تنفيذه، ما حدا بالأوقاف الاعلان عن إنهاء حالة تعليق وصول الـمصلين الى للأقصى بدءا من الأحد القادم.
الأمر الذي أثار ردود فعل واسعة، حيث اعتبرته مؤسسة القدس الدولية، “تراجعا غير مسبوق واعتراف ضمني بالسيادة الإسرائيلية على المقدسات”.
ورأت المؤسسة في بيان سابق “أن عقدَ اتفاقٍ سياسي حول ترتيبات إدارة المسجد الأقصى المبارك، ومنها إجراءات فتحه وإغلاقه، هو تطور جديد وخطير ولم يسبق أن أُعلن عن مثله من قبل، ويشكل اعترافاً ضمنياً بالسيادة الصهيونية على المسجد الأقصى المبارك”.
لا حجة لاستمرار اغلاق الأقصى
المحامي خالد زبارقة والمتخصص بشؤون القدس والمسجد الأقصى، أكد أنه لم يعد هنالك حجة أو سببا لاستمرار إغلاق المسجد الأقصى المبارك لا سيما أن المرافق العامة فتحت للجمهور في الأراضي الفلسطينية كما في كثير من مناطق العالم، فلماذا اقتصر الاغلاق على المسجد الأقصى المبارك؟، يضيف متسائلا.
وطالب زبارقة في تصريحات لـ “قدس برس”، بضرورة فتح المسجد الأقصى بشكل فوري، مؤكدا أنه “لا مبرر لتأخير فتحه ليوم الأحد القادم”.
جمعة فتح الأقصى
وأكد في هذا الصدد، أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بكيف ستتطور الأمور يوم غد الجمعة، لكن من الواضح أن هناك احتقان كبير في الشارع المقدسي وهذا الاحتقان سيكون حاضرا في الاحداث القادمة فيما يخص المسجد الأقصى المبارك الذي يلتف الناس حوله وأي خطر يتهدده سيثير حفيظة الناس وعواطفهم الدينية والوطنية.
وحذر من المساس بهوية المسجد الأقصى، سيلقى ردة فعل شعبية كبيرة، مشيرا إلى أنه “هذا ما عهدناه في كل الاحداث التي تعرض لها المسجد الأقصى المبارك منذ ثورة البراق عام 1920 وحتى هذه الأيام كما حدث في أحداث البوابات الالكترونية وهبة باب الاسباط وباب الرحمة”.
ضغوط إسرائيلية على الأوقاف
وكشف زبارقة النقاب عن ضغوطات من قبل الاحتلال على دائرة الأوقاف والمملكة الأردنية الهاشمية، مشددا على ضرورة أن تُواجه تلك الضغوطات بشكل واضح وأن يعلم بها الرأي العام بها حتى يتحمل الجميع مسؤولية هذه الاحداث.
ورأى أنه “من الخطأ أن تبقى دائرة الأوقاف هي التي تتصدر المشهد أمام الغضب الشعبي بل ينبغي أن تلتف الجماهير مع القيادة الدينية والشعبية والسياسية في موقف واضح من أجل فتح المسجد الأقصى المبارك على موعد واحد”.
الوعي الشعبي
وبيّن زبارقة أن الوعي الشعبي حال دون توظيف الاحتلال للجائحة ومانتج عنها، من أجل إحكام سيطرته وفرض إرادته على المسجد الأقصى.
وأضاف “ما أثار قلق المقدسيين أكثر هو سيطرة الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود على بوابات المسجد الأقصى والتي تتواجد بشكل مكثف وتمنع الفلسطينيين من دخوله، ما أثار التساؤلات بشأن مآلات الأمور بالأقصى”.
وتابع: “كما أن الاحداث الأخيرة التي كانت في شهر رمضان، وما شهده الأقصى في أول أيام عيد الفطر، والطريقة التي اعتدت به قوات الاحتلال على المواطنين وضربهم والتنكيل بهم في يوم العيد لأنهم جاؤوا للصلاة في مداخل المسجد الأقصى، زاد من قلق الفلسطينيين على مصير المسجد الأقصى”.
واستطرد: “من جانب آخر خلفية الصراع حاضرة دائما فاليهود يريدون فرض إرادتهم على المسجد الٌأقصى مقابل الإرادة الإسلامية التي تواجه هذا التحدي، وصراع الارادات هذا يلقي بظلاله على مجمل الأحداث وهو أحد العوامل التي تزيد من تخوف الشارع المقدسي على المسجد الأقصى المبارك”.
من المستفيد من اغلاق الأقصى
من جانبه، أكد الباحث وأستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف، أن المستفيد الأول من إغلاق المسجد الأقصى وتأخير فتحه هو الاحتلال والذي يتذرع باتخاذ إجراءات معينة للإبقاء على الأوضاع الصحية تحت السيطرة.
وقال في تصريحات لـ “قدس برس”، إن “هذه الحجج تناقض ما يقوم به الاحتلال في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في الداخل الفلسطيني أو داخل مدينة القدس وغيرها من حيث فتح البوابات وعودة الحياة بشكل واضح بما في ذلك دور العبادة مع الالتزام بالإجراءات الوقائية”.
وأضاف أن “شعبنا قادر على ضبط شؤونه الصحية والتباعد الاجتماعي وهذا ما شهدناه قبل إغلاق المسجد الأقصى المبارك بشكل كامل عندما كانت تقام الصلوات في الساحات المفتوحة فقط”.
وأكد أن الضغوط التي تتعرض لها دائرة الأوقاف في القدس تمنعها باعتبارها جهة رسمية، من التصرف بحرية والتصريح بما يطالب به المقدسيون.
وقال: “كنشطاء نتفهم موقف الأوقاف، ونحن ندعمها، إلا أن الاحداث تبين لنا أن (الأوقاف) عندما احتمت بالشعب الفلسطيني في القدس والداخل في هبة باب الاسباط وهبة باب الرحمة كان النصر حليف الشعب والفلسطيني ودائرة الأوقاف معا لأنها جزء من الشعب لذلك ينبغي أن تسير المرجعيات الرسمية في مدينة القدس خلف حركة الشارع”.
وحذر معروف أن الاحتلال يسعى بكل قوته لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك عنوانه في الوقت الحالي الدخول كشريك كامل في إدارة شؤون المسجد الأقصى المبارك”، معتبرا أنها “مكمن الخطورة ودليل ذلك ما تداولته المحكمة الصهيونية قبل أيام بأن الاحتلال أصبح يعامل المسلمين واليهود في المسجد الأقصى على سوية واحدة ويعتبر أن حقوق المسلمين في هذا المكان المقدس مماثلة تماما لحقوق اليهود وهذا أمر مخالف لقانون الوضع الراهن”.
وأضاف سيسعى الاحتلال لاحقا للاستفراد في سيادة المسجد الأقصى المبارك كما فعل في المسجد الابراهيمي في مدينة الخليل.
وأشار معروف إلى أن القانون الدولي يقف معنا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى لأن الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك حسب القانون الدولي احتلال غير شرعي وكل ما يصدر عنه غير شرعي ولا تسري على المسجد الأقصى المبارك.
وذكًر برفض دائرة الأوقاف عدة مرات لمطالب المحاكم الإسرائيلية بإيفاد ممثلين لها أو الاستجابة لها لأن الاحتلال وقوانينه لا تسري على المسجد الأقصى المبارك بأي شكل من الاشكال.
وشدد أن الجهة الوحيد التي نلجأ لها داخل فلسطين القدس هو الشعب الفلسطيني لأنه العقبة الكبرة التي لا يمكن لأي جهة أن تتجاوزها.
هبة فتح الأقصى
ونبه إلى أن لاحتلال قد يرتكب حماقة يوم غد الجمعة، لتوتير الأوضاع في مدينة القدس رغم ما يعيه من أنه لا مصلحة له في أن تصل الأمور إلى حد الاصطدام مع الجماهير لأنه سيكون هو الخاسر وقد يشعل بحماقته هبة جماهيرية جديدة لأجل المسجد الأقصى ولأجل القدس.
يشار إلى أنه في 22 آمارس الماضي، أغلقت الأوقاف الإسلامية بالقدس المسجد الأقصى، تحسبا لتفشي “كورونا”، قبل أن تمدده خلال شهر رمضان، ضمن تدابير منع تفشي الفيروس.
وهذه المرّة الأولى التي يغلق فيها المسجد الأقصى لهذه الفترة من الزمن.
يذكر أن دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، هي المشرف الرسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس، بموجب القانون الدولي الذي يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب “إسرائيل”.
واحتفظ الأردن بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في 1994).
وفي مارس 2013، وقع العاهل الأردني ورئيس السلطة محمود عباس اتفاقية تعطي الأردن حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تعليقات الزوار ( 0 )