شارك المقال
  • تم النسخ

دروس أولية لأزمة فيروس كورونا: الحاجة إلى بنك مغربي للغذاء

أبانت أزمة فيروس كورونا المستجد كوفيد 19، في المغرب وفي العالم كله، على ضرورة إشاعة الأمن الغذائي، والطمأنينة والسكينة العامة في ظل تخوف من ندرة السلع والبضائع لبعض الفئات الهشة والفقيرة، خصوصا تلك التي تفقد مناصب شغلها بسبب تفشي المرض، مما يستدعي تفكير عميق في عملية طمأنة هذه الشرائح الاجتماعية، من زاوية تدبيرية عقلانية للعمل الخيري.

ولقد عرفت طرق تدبير عمليات الإحسان العمومي ونماذج تقديم المساعدات الخيرية عبر العالم تطورا باهرا، انتقل من منطق “الخير الموسمي” الذي تشتغل فيه السواعد الإنسانية في مواقيت مرتبطة، سواء بحلول الأيام والشهور الدينية المقدسة كالأعياد ورمضان مثلا، أو تلك المساعدات المستعجلة في الظروف القاهرة والطوارئ الناجمة عن كوارث طبيعية، أو خلل في الإنتاج، أدى إلى فقر مذقع، وبالتالي الى ظهور الفاقة الغذائية

كما تطور العمل الخيري إلى تدبير توقعي واستشرافي، مبني على ترسيخ حكامة التوزيع المستمر للمستلزمات المعيشية، وفق دراسة خريطة تواجد الحاجة داخل المجال الترابي، ووفق موقع الإنسان المحتاج ضمن تراتبية الاستهلاك والإنتاج.

ومن بين أهم ما أبدعت منظومة التفكير التدبيري البشري هو مأسسة وأجرأة العمل الخيري، في أفق تحقيق أهداف تلبية الحاجات بناء على تشخيص أولي لوجود عجز في توفيرها من قبل المستفيد، في إطار إنساني تضامني يفرضه الانتماء إلى الجماعة البشرية داخل وعاء الدولة، وبعيدا عن خلفية التسييس أو الاستعمال الانتخابوي.

ولعل هذا الإبداع ظهر في إحداث جيل جديد من مؤسسات تقديم “الخير”، يوفق مابين قدرة الدولة على ضبط ثغرات المنظومة الاجتماعية الناتجة عن خلل في توزيع المنتوجات، وبين رغبة الإنسان في تقديم المعونة لأخيه الإنسان الموجود في حالة خصاصة. من بين هذه المؤسسات شاعت منذ أواسط القرن الماضي، في دول العالم مرافق أطلق عليها اسم الأبناك الغذائية، أعادت لمؤسسة الدولة وجهها الاجتماعي والإنساني بعد غياب مؤسساتي طويل الأمد.

وتعتبر هذه الأبناك مؤسسات لحفظ وتركيز وإعادة توزيع الغذاء وفق ميزان تفاعلي بين الأرصدة الغذائية والمساعدات المحفوظة وبين حاجيات الاستهلاك الملحة. وقد برزت عبر العالم تجارب رائدة سواء في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة الأمريكية أو في دول تنتمي لفضائنا الثقافي والجغرافي في عدد من الدول الإفريقية و العربية.

ولا يمكن أن نخطأ النظر في أساس وفلسفة هذه المرافق الجديدة والمنظمة بشكل تدبيري عصري، في كونه غير مرتبط بالمجاعة مثلا، وإنما هو منظور متجدد يساهم في تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي والاجتماعي. كما أن من بين أهدافها أيضا هو محاصرة ظاهرة التبذير وتحبيب ثقافة حسن الاستهلاك وفق الحاجة.

الى ذلك يسند دور هذه الأبناك أدوار بعض المؤسسات الاجتماعية التي تقدم الغذاء، سواء بصفة رئيسية كالمطاعم المدرسية والخيريات، أو بصفة محدودة كالمستشفيات أو مؤسسات أخرى تعنى بالنساء والأرامل والأطفال أو المهاجرين بدون مأوى وغيرها، وبالتالي مزيد من إشاعة ثقافة التضامن والتآزر الاجتماعي.

وتتميز هذه المؤسسات الغذائية بتنظيم إداري ومالي وترابي عقلاني محكم ومسؤول مركزي وترابي، يستند على ميزانية وتوقعات مستقبلية وإحصائيات موثقة، وبرامج على طول السنة تستهدف الفئات المعوزة حسب النوع والدخل.

ولا يخفى على الجميع نسبة الفقر الموجودة في بلادنا والتي يتم التعامل معها من قبل جمعيات متنوعة ذات أهداف مختلفة، أو من قبل الأفراد بناء على ثقافة الصدقة والهدية والمكرمة الموسمية، في الوقت الذي تجعل الأبناك الغذائية من الصدقة مؤسسة جماعية لا مجال فيها للظهور الفردي أو السياسي أو التسويقي.

وتماشيا مع المبادرات الخيرية والإنسانية التي تقوم بها الدولة بشكل متزايد خصوصا من خلال مؤسسة محمد الخامس للتضامن، فإن إحداث بنك مغربي للغذاء من شأنه أن يعزز هذه المبادرات ويوسعها ويضبطها باستمرار على صعيد جميع التراب الوطني، تعفي المواطن المعوز من ثقافة الخضوع للمتصدق، و تحاصر ثقافة الاسترزاق بالصدقات الموسمية الموسعة، كما تقطع مع عمليات خلق الولاءات السياسية التي تعتمد كثير منها على منطق المساعدات الخيرية، إضافة إلى كونها ضمانة اجتماعية في فترات الأزمات والكوارث الطبيعية.

إلى كل ذلك فإن بنك الغذاء يتعين فيه الاشتغال تحت إشراف السلطات العمومية بتنسيق مع المنتخبين والمجتمع المدني والقطاع الخاص، والمنتجين من أجل جعل تقديم الغذاء خدمة عمومية لفئات معينة بعيدا عن عقلية التنافس المصلحي.

ومع وجود هذا البنك في المغرب، تحت إشراف مؤسسة محمد الخامس للتضامن نظرا لتجربتها في العمل الإحساني، لقدرتها على خلق ثقة الشركاء، فإن هاجس عدم قدرة الفئات الفقيرة والهشة سواء في الفترات العادية أو في فترات الأزمات، على سد خصاصها من المؤونة الغذائية، سيزول حتما بوجود ضمانات مؤسساتية تابعة للدولة لتوفير حاجياتهم.

*باحث في العلوم السياسية

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي