Share
  • Link copied

خواطر رمضانية(25): ليلة القدر..ليلة بألف شهر

من حكمة الله تعالى أنه جعل لبعض العبادات والأعمال  مواسم معينة، كرمضان والحج مثلا. ومن هذه المواسم ليلة القدر. وقد سميت بذلك لأنها الليلة التي يقدر الله تعالى فيها ما يكون في السنة من الحوادث المختلفة. وهي أيضا تحمل معنى العظمة وعلو القدر، لأنها ليلة شريفة.

ويكفي في فضل ليلة القدر أن القرآن الكريم نزل فيها، قال سبحانه:( حم. والكتاب المبين، إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم، أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين، رحمة من ربك، إنه هو السميع العليم).

ومن خصائص هذه الليلة أن الملائكة تنزل فيها إلى الأرض حتى تضيق بهم لكثرة عددهم، وأولهم الروح، وهو إما ملك عظيم يسمى الروح، أو هو جبريل عليه السلام. والسلام والهدوء من خصائص  ليلة القدر، كما أن الملائكة تحيي المؤمنين وتسلم عليهم. ويستمر ذلك كله إلى مطلع الفجر.

 أما زمان هذه الليلة فليس في النصوص دليل قطعي بتعيينه، لكن أهم المذاهب رأيان: الأول يقول: إنها ليلة السابع والعشرين، وهو قول الجمهور. والثاني يقول إنها في وتر ما من أوتار العشر الأواخر بلا تحديد. ومنهم من يقول إنها تنتقل في العشر الأواخر، فقد تكون في عام ليلة الثالث والعشرين ثم في عام آخر ليلة الخامس والعشرين مثلا.. لذلك الأحوط هو الاجتهاد أكثر في العشر الأواخر كلها كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

 وذكر بعض العلماء أن من علاماتها أنها تكون ليلة صافية ساكنة معتدلة، وأن الشمس تطلع بعدها بيضاء بلا شعاع. ويجوز أن تتراءى ليلة القدر لبعض العباد، قال النووي: إخبار الصالحين بها ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصى.

 ولما كانت ليلة القدر بألف شهر، أي بثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، فإن الله سبحانه يضاعف الأجور على الأعمال الصالحة فيها من صلاة وصدقة وذكر وقراءة قرآن ودعاء، ففي الحديث يستحب أن تقول ليلة القدر: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.. والقيام من أفضل هذه الأعمال، فقد قال نبينا عليه السلام: ” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه “. وأقل ذلك ركعتان بعد العشاء. ومن لم يستطع أن يكون مع الجماعة قام ليلتها مع أسرته، أو لوحده.

 ومن المشروع الاستعداد لهذه الليلة بأخذ راحة كافية بالنهار، وبالاغتسال ولبس الثياب الحسنة، والصلاة مع الجماعة.. (ذلك  ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

 أما حكمة إخفاء هذه الليلة فكحكمة إخفاء اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجيب، وكحكمة إخفاء الصلاة الوسطى، وساعة الإجابة يوم الجمعة.. ونحو ذلك. قال العلماء: ليجتهد العباد أكثر ولا يتكلوا.

إن ليلة القدر مثال واضح للجزاء الإلهي على العمل الطيب للإنسان، فهو يعطي على الحسنة الواحدة عشر حسنات، بل قد يضاعفها إلى سبعمائة ضعف، وبعض العلماء قالوا: قد يضاعفها الله إلى ما هو أكثر من ذلك. لذلك لا عجب أن يعطي الله على طاعة ليلة أجر طاعة ألف شهر.. فهذا هو الرب الكريم الذي ينفق من خزائنه اللانهائية ولا تنقضي أبدا لأن ملكه واسع فوق ما يعتقد كثير من الناس.

*مفكر وأستاذ جامعي

Share
  • Link copied
المقال التالي