هو زمن العجلة والاستعجال.. هذا الزمن الذي نعيش فيه. زمن يكثر فيه الغضب والنزق، وينتشر فيه الجزع والشبق. لقد لاحظ بعض الدارسين مثلا أن عصرنا هو أقل العصور في التاريخ تقبلا للكوارث. إذ بمجرد أن تحدث كارثة ما، سواء كانت بأسباب طبيعية أم بشرية.. حتى تجد الناس يتذمرون ويحتجون، والأهم من ذلك أنهم يتهافتون على كبش فداء، يضحون به ويعلقوه بعد أن يحملوه المسؤولية. وفعلا كثيرا ما يكون للفعل الإنساني أثر ودور في الكوارث والأخطاء، والله تعالى يقول مخاطبا المسلمين الذين انهزموا في غزوة أحد: (أولمَا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنَى هذا. قل هو من عند أنفسكم.) لكن هذا لا يمنع أن الكارثة جزء من الطبيعة، فالزلزال والطوفان والإعصار والجفاف.. ظواهر طبيعية، أي عادية، كانت وستبقى.. أيضا الإنسان كائن ناقص وضعيف، فهو يخطئ وينسى ويضعف ويطمع.. وذلك كله ينتهي بضرر قليل أو كثير، قد يتعلق بعدد صغير من البشر، وقد يتعلق بعدد كبير..
ماذا نحتاج إذن؟ بالطبع لابد أن نفهم سبب المشكلة، ولابد أن نحدد مسؤولية من هي، ولابد أن نحاسب المفرط.. كل هذا لا ينفي أن علينا قبل ذلك وبعده أن نتحلى بشيء من الصبر.
وهذا خلق عظيم، حرم منه أكثر الناس. إن الصبر يفيدنا في الحفاظ على توازننا النفسي، و في إعطاء العقل فرصة ليفكر، وفي تحرير الإرادة لتعمل وتتحرك، أي أن الصبر أقوى سلاح يحقق التماسك للإنسان في وجه المصائب والمشكلات.
حتى الطب النفسي الذي كان يوصي قبل سنوات بإفراغ ما في النفس من غضب مكبوت.. عاد اليوم واكتشف أن الأفضل لصحة الإنسان النفسية والعضوية أن يتعلم التحكم في مشاعره والسيطرة على غضبه. وهذا يذكرنا بخبر الصحابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال له: لا تغضب. ثم كرّر السؤال ثلاث مرات، ونبينا يجيبه في كل مرة: لا تغضب.
ورمضان فرصة لتدريب الصائم على التحكم في النفس، ولتقوية إرادة الصبر، لا عجب سمي شهر رمضان بشهر الصبر. بل إن رسول الإسلام قرن الصبر بالإيمان، فقال: الصبر نصف الإيمان. ووعد الله تعالى الصابرين بأفضل جزاء: (إنما يوفَى الصابرون أجرهم بغير حساب.)
ورغم ذلك يصر بعض الناس على ألا يتعلموا شيئا من رمضان. إن هذا الغضب التافه الذي ينتشر في شوارعنا وأسواقنا وبيوتنا.. يشير لنفوس ضعيفة، وإرادات واهية، وينبئ بألا مستقبل لأمة خائرة لم تتعلم بعد كيف تتحكم في أبسط غرائزها وأحوالها. إن الاستسلام للغضب ليس قوة، بل هو عين الضعف، كذا في الحكمة النبوية الرائعة: ليس الشديد الذي يصرع الناس، بل الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
حين نسمع عن أخبار الغاضبين في رمضان ونزاعاتهم، وحين نقرأ في شهور أخرى عن جرائم القتل والذبح والحرق التي تكون عن غضب شديد، ولأسباب تافهة.. نتساءل كيف تنجح أمة من الأمم في الرقيّ الحضاري والنهضة المنشودة إذا كانت لا تتحكم في عواطفها، ولا تعرف من الصبر إلا الاسم.. كيف تنجح، والتاريخ ـ كما الحاضرـ يعلمنا أن الصبر من أهم مفاتيح النجاح في حياة الأمم والأفراد معا؟
ألم ينجح الإسلام قديما في تغيير التاريخ وإنقاذ العالم بفضل صبر النبي وصحابته؟ ألم تتقدم أوربا بصبر رجالها وعلمائها وبحارتها.. على العمل والبحث والاستكشاف؟ ألم يواجه العالم النازية ويهزمها مستعينا على ذلك بالصبر والتضحية.. وماذا فعل أهل ليننغراد غير الصبر أمام الحصار النازي البشع الذي دام سنوات؟
هل نجح طالب علم بغير الصبر، وهل حقّق الأغنياء ثرواتهم بغير الصبر.. بل كل من نجح في تحقيق هدفه كان حريصا على أن يتزود بغير قليل من الصبر.
يا مسلمون، تعلموا شيئا من الصبر، وتخلقوا بشيء من السماحة.. ذلكم خير لكم في الدنيا قبل الآخرة.
*مفكر وأستاذ جامعي
جزاك الله خيرا على هذه النفحات
أوصى به العزيز الغفور، وعلى هذه الأنواع يدور: صبر على المأمور، وصبر عن المحظور، وصبر على المقدور.
إن الصبر مأجور، من الله الحميد الشكور
الصبر قوة