شارك المقال
  • تم النسخ

“خنجر” و”آلة تصوير”.. الإعلام الإسباني يستحضر مرارة “أنوال” بهدية الخطّابي

خنجر منحيّ مع غمد بنيّ اللون، سلّمه محمد بن عبد الكريم الخطابي، زعيم المقاومة الريفية ضد الاحتلال الإسباني، إلى المصور ألفونسيتو، كتذكار له عقب الحوار الذي أجراه معه في غشت من سنة 1922، كان بمثابة ذلك الملح الذي رمي فوق جرح الجارة الشمالية، معيداً مجريات ما تسميه بـ”كارثة أنوال”، التي مرّ عليها مائة سنة كاملة.

صحيفة “إلباييس” الإسبانية، اختارت التطرق هذه الذكرى، بمناسبة مئويتها، من خلال ما تركه المصور ألفونسيتو، صاحب أشهر صورة لعبد الكريم الخطابي، الذي قصد الريف لمعرفة ما يجري على الأرض في تلك المنطقة بأقصى الشمال الغربي للقارة الإفريقية، واستطلاع مآل الجنود الإسبان الأسرى لدى المقاومة، ممن عجز عن الفرار في الواقعة التي تصفها بـ”الكارثة العظيمة للقوات المسلحة الإسبانية”.

اعتبرت الصحيفة في تقريرها، أن الـ 22 من يوليوز 1921، اتسمت بـ”الدم والنار والسكين”، وكانت بداية للكارثة بعد قتل حوالي 10 آلاف جندي إسباني، مع رفع بعض المصادر لهذا الرقم، بعد حوالي أسبوعين من المعارك أمام القبائل، التي تقل عنهم موارداً وعدداً، تحت قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي.

وألقت اليومية في تقريرها، الذي استحضرت من خلاله، بمرارة، باللوم على قيادة الجيش الإسباني الذي اعتبرتها “سيئة التنظيم، وغير مستعدة”، إلى جانب الإدارة التي كانت وقتها تحت “الفساد والخلافات”، بزعامة الجنرال مانويل فرنانديز سيلفستر، الذي كان يقود القوات المسلحة للجارة الشمالية في حربها ضد المقاومة الريفية.

وبالرغم من حجم الدمار الكبير والكارثة التي لحقت بالجنود الإسبان، إلا أن رشيد رخا، رئيس التجمع الأمازيغي العالمي، الذي تطرقت لتصريح له، بعد أن نبه إلى أن الخطابي نجح في توحيد كل الريفيين تقريبا، اعتبر بأن الجيش الإسباني والفرنسي كانا أول من قصف بالمواد الكيماوية عبر الجو، محملاً إياهم مسؤولية ما وقع من دمار، ومشيراً إلى أنه “من المستحيل معرفة عدد الموتى من الجانب الريفي”.

ونسبت “إلباييس”، لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، خلال المقابلة التي أجراها في أجدير، مع المراسل لويس دي أوتيزا، مدير صحيفة “لا ليبرتاد”، الذي كان بصفته ألفونتسيتو، في الثاني من غشت سنة 1922، طالب فيها إسبانيا بالاعتراف بجمهورية الريف (1922-1926)، حيث قال: “إذا اعترفت إسبانيا باستقلالنا، فإننا سنتوصل إلى تحالف معها، ولن يكون لها أصدقاء أكثر إخلاصًا منا وأكثر تفانيًا منا”،

الصحافي الإسباني، أوتيزا، الذي قدم إلى الريف، تقول اليومية إنه كان على دراية تامة بخطورة المهمة وتعقيدها، وعمل على تركها سرية، حيث طلب من صديقه المصور الشهير ألفونسو سانشيز غارسيا، مرافقته، غير أن الأخير اعتذر بسبب التزاماته، وفوّض ابنه ألفونسو سانشيز بورتيلا (الملقب بألفونسيتو)، ليذهب مكانه، الذي كان يبلغ وقتها 19 عاماً فقط، قبل أن يلتحق بهما، المصور الآخر بيبي دياز كاسارييغو.

العمل الحصري الذي قام به الصحافيون الثلاثة، إلى جانب أنهم سعوا عبره لاستطلاع وضعية الجنود الإسبان الأسرى في الريف، فقد عملوا على زعزعة النظرة السائدة في الجارة الشمالية لـ”المورو”، الذين ترى مجموعة من الحكايات عنهم، من قبيل أنهم قاموا بـ”قتل وقطع رؤوس الجنوب الإسبان واغتصاب النساء في أنوال”، وفق ما جاء في تقرير “إلباييس”.

وأشارت الجريدة إلى أن الخطابي، شرح بالتفصيل كيف أن سيلفستر، الجنرال الإسباني، انتحر في ساحة المعركة بأنوال، قبل أن تصف قائد المقاومة الريفية، بأنه “عطوف ولا يرحم”، فقد “ذبح الإسبان بأمته”، و”أمر بالإعدام والرجم”، أو “أحرق منازل الإسبان شخصيا”، إلا أنه في المقابل أعطى “أوامر بالحفاظ على حياة الأسرى”، وفق رواية مانويل ليجوينتشي في كتابه “كارثة إسبانيا في الريف”، حسبها.

ومن أجل تعزيز مصداقية إنجازه الصحفي، عمل أوتيزا، على التقاط صور له مع زعيم المقاومة الريفية، إلى جانب طلبه مذكرة موقعة من كلا الطرفين، معتبرةً أن المعلومات الواردة من منطقة الريف لم تكن واضحة في تلك الفترة، ولم تكن هناك معطيات لإثبات ما يحدث في هذا المكان الذي يتحدث عنه الكثير في إسبانيا.

بعد إتمام مهمتهم، رجع ألفونسيتو من أجدير إلى مدريد، حاملا معه صوراً مهمة التقطتها كاميرا من نوع Goerz 12×9 ، نشرت في وقت لاحق في عدد من الصحف الإسبانية، وخنجرا تقليديا منحنيا، قدمه له محمد بن عبد الكريم الخطابي كتذكار، بالرغم من أن أوتيزا لم يذكر هذا الأمر في كتابه، إلا أن خوان ميغيل سانشيز فيجل، وهو أستاذ بكلية علوم التوثيق في جامعة كومبلوتنسي، أكدها.

وأوضح فيجيل، وفق ما ورد في الصحيفة نفسها، أن ألفونسيتو، أهداه الكاميرا التي التقط بها الصور، وسلاح الزعيم الريفي قبل وفاته في سنة 1990، بعدما التقى الشخصان حين عمل فيجل، كأستاذ محرر رسومي في دار نشر “إسباسا”، وحصل على مواد من أرشيف ألفونسيتو، بعدما صارا صديقين لاحقا.

ونبهت اليومية في ختام تقريرها، إلى أن فهم ما يجري على الأرض، عبر توجه الصحافيين بكاميراتهم إلى المناطق المعنية، كان مقدمةً للحروب الأهلية التي شهدتها إسبانيا، مؤكدةً أن جرح أنوال غير المندمل، يمثل تاريخ البلاد، ليس لأنه كان مذبحة لجيشها فقط، بل لأنه أدى لانقلاب وديكتاتورية ميغيل بريمو دي ريفيرا، ونهاية عهد ألفونسو الثالث عشر، والجمهورية الثانية، وانقلاب ولاية فرانسيسكو فرانكو.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي