بعد الهجمات التي شهدتها العاصمة الأفغانية كابول من قبل تنظيم “داعش”، ولاسيما الهجوم الذي وقع أمام مقر وزارة الخارجية، أكد بلال كريمي، نائب المتحدث باسم “طالبان” وعضو اللجنة الثقافية، في تصريحات صحافية بأن “طالبان” تمكنت من القضاء على خلايا “داعش” في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى أن التنظيم لم يعد يشكل خطراً كبيراً لأمن البلاد واستقرارها.
وقال المتحدث بأن الأمن القائم في البلاد هو من أهم إنجازات “طالبان” منذ عودتها إلى الحكم في غشت 2021.
لكن سلسلة الهجمات التي تشهدها البلاد، خصوصاً في كابول، والتي يقف وراءها بشكل أساسي تنظيم “داعش”، تعكس، ولا ريب، الإخفاقات التي تواجهها الحركة.
وتترافق هذه التفجيرات مع تعاظم الفجوة بين “طالبان” والشعب الأفغاني، بسبب العديد من الملفات، أهمها تعليم البنات وعمل النساء، علاوة على تعامل الحركة بشكل عام مع المثقفين في البلاد، ما جعل الكثيرين منهم يتوجهون إلى الخارج. كما برز عجر الحركة عن ترميم علاقاتها مع دول الجوار والعالم.
إخفاق أمني؟
يُثير عدم تمكن حركة طالبان عقب سيطرتها على الحكم في أفغانستان من القضاء على تنظيم “داعش” أو حتى تقليص عملياته علامات استفهام كثيرة، خاصة مع تحديد طبيعة التهديدات التي يمثلها التنظيم على الساحة الأفغانية، مع تركيز العمليات على مدينة جلال أباد، وتصاعد العمليات في العاصمة كابل خلال شهر نوفمبر 2021. وتتعلق هذه التحديات بعوامل تتصل بتنظيم “داعش”، منها طبيعة وشكل التواجد الذي لم يتغير في صورة عمليات متلاحقة دون الدفع باتجاه السيطرة المكانية والاعتماد على الخلايا النائمة، فضلاً عن التمركز على الحدود الوعرة مع باكستان بما يشكل نقطة قوة للاحتماء والتخطيط للعمليات، واستقطاب عناصر جديدة من الناقمين على حركة طالبان وعناصر من الجيش والاستخبارات السابقين، كما يمكن تحديد بعض العوامل التي تتعلق بحركة طالبان، منها أزمة الانتقال من التمرد إلى مكافحة التمرد، إضافة إلى رفض الدعم الأمريكي منذ انسحاب القوات الأمريكية، مع وجود تحديات وأعباء داخلية كبيرة.
ويمكن النظر إلى طبيعة تهديدات تنظيم “داعش” من واقع عملياته خلال الأشهر الأربعة الماضية، ومقارنتها بالشهرين السابقين لسيطرة حركة طالبان على الحكم، لتحديد اتجاهات التنظيم خلال الفترة الماضية، وفقاً لما أعلنته حسابات موالية للتنظيم على تطبيق “تليجرام”، حيث يتضح أن عمليات التنظيم لم تتصاعد بالصورة المُتخيلة عقب وصول حركة طالبان للحكم، إذ إن إجمالي العمليات خلال الأشهر الستة الماضية، بداية من يونيو وحتى نوفمبر 2021، كان بالترتيب كالتالي: (36 – 29 – 15 – 27 – 32 – 35)، وهنا يتضح أن وتيرة العمليات كانت مرتفعة قبل سيطرة الحركة، وإن كان المتغير الأساسي في اتجاه العمليات هو استهداف الحركة، منذ أغسطس 2021، أي مع بداية سيطرتها على الحكم، ليتصاعد معدل الاستهداف للحركة وقياداتها بشكل ملحوظ بداية من سبتمبر ليسير على الوتيرة نفسها خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2021. وكان التنظيم يركز عملياته ضد قوات الجيش والشرطة الأفغانية، خلال شهري يونيو ويوليو 2021، مقابل عمليات محدودة تجاه حركة طالبان.
وبدا واضحاً أن أقلّ معدل عمليات للتنظيم في الفترة المشار إليها كان خلال شهر أغسطس 2021، وربما كانت فترة استيضاح الموقف وترتيب صفوف التنظيم استعداداً للمرحلة المقبلة، وهو الشهر نفسه الذي شهد استهداف التنظيم لمطار كابل خلال عملية إجلاء القوات الأمريكية وبعض المدنيين الأفغان. وبمراجعة العمليات التي نفذها التنظيم خلال الأشهر الستة الماضية، يمكن تحديد عدد العمليات وفقاً لتقسيم المناطق والمدن، إذ يظهر تركيز التنظيم على ولاية ننجرهار، وبشكل أساسي على عاصمتها جلال أباد التي احتلت المرتبة الأولى مقارنة بمناطق أخرى في الولاية، خلال الشهور الستة من يوليو إلى نوفمبر 2021، على الترتيب (8 – 12 – 6 – 14 – 17 – 14)، ويتضح زيادة معدل العمليات في هذه المدينة خلال الأشهر الثلاثة الماضية على وجه التحديد.
كما تراجعت العمليات في العاصمة كابل بداية من شهر يوليو 2021 أي قبل سيطرة طالبان على الحكم، قبل ملاحظة قفزة في معدل العمليات خلال شهر نوفمبر 2021، في حين تراجع معدل العمليات التي نفذها التنظيم في مناطق متنوعة بداية من شهر أغسطس 2021، لصالح العمليات في مدينة جلال أباد.
ويمكن تفسير تركيز التنظيم على مدينة جلال أباد بشكل أساسي في ضوء، أولاً: استمرار النهج العملياتي في النطاق الجغرافي نفسه قبل سيطرة طالبان على الحكم. ثانياً: تدعيم نفوذ التنظيم في المدينة في ظل انشغال حركة طالبان بإحكام السيطرة على كابل، ومواجهة تحديات أخرى تتعلق بتشكيل الحكومة والتواصل مع القوى الإقليمية والدولية بعد السيطرة على الحكم، وهذا أيضاً يفسر تراجع العمليات في المناطق التي كانت عمليات التنظيم محدودة في كل منطقة فيها على حدة. ويبدو أن تزايد معدل عمليات التنظيم في العاصمة كابل، خلال شهر نوفمبر 2021، دفع حركة طالبان إلى إرسال نحو 1300 من عناصرها شرقاً باتجاه ولاية ننجرهار للسيطرة على الوضع هناك، وقطع الإمدادات لخلايا التنظيم في كابل.
تحديات صعبة
ثمّة تحديات تواجه حركة طالبان في مواجهة تنظيم “داعش”، باعتبارها المسؤولة عن الحكم في أفغانستان عقب سقوط الحكومة السابقة، بعضها يتعلق بتنظيم “داعش”، والبعض الآخر يتعلق بحركة طالبان، وهو ما يمكن بيانه في النقاط التالية:
1- عدم تغيير نقاط تواجد “داعش” على الساحة الأفغانية: بتحليل عمليات “داعش” عقب سيطرة طالبان، يمكن القول إن التنظيم لم يغير من طبيعة تواجده على الساحة الأفغانية، حتى بعد وجود فراغ في السلطة، إذ لم يُقدم على تحقيق قدر من السيطرة المكانية، ولكنه ظل يعمل على تعزيز نفوذه في مدينة جلال أباد وعمليات في كابل لإظهار حركة طالبان بأنها غير قادرة على ضبط الأمن، في إطار عمل تكتيك الخلايا، بالصورة التي تُصعب جهود مواجهته، في ظل اعتماده على نمط عمليات باستهداف عناصر طالبان بالاغتيالات بعبوات ناسفة أو بالهجوم المسلح، وعدم إعطاء فرصة للاشتباك، ثم الاختباء مرة أخرى.
2- ارتكاز عمل “داعش” بالمناطق الحدودية مع باكستان: منذ بداية ظهور تنظيم “داعش” على الساحة الأفغانية، أطلق على اسم فرعه “خراسان”، في إشارة إلى عمله على جانبي الحدود بين أفغانستان وباكستان، بعدما تشكل من بعض قيادات طالبان باكستان وأخرى من طالبان أفغانستان، أي إن التنظيم تشكل من مكونات من البيئة المحلية بالأساس، والتي لديها خبرات في التعامل مع القبائل، ومعرفة هذه الحدود بشكل جيد، بما مثل نقطة قوة للتنظيم، في اتخاذ مناطق ارتكاز عبر الحدود الوعرة بين البلدين، والاحتماء بها عند الحاجة. وبالنظر إلى تحركات طالبان ودفع عناصرها شرقاً، يمكن أن يتراجع “داعش” إلى الحدود والتواري خلالها، خاصة مع تفعيل عملياته في باكستان خلال الشهرين الماضيين.
3- استقطاب “داعش” عناصر جديدة من الناقمين على طالبان: قد يتمكن تنظيم “داعش” خلال الفترة المقبلة من استقطاب عناصر جديدة لصفوفه، اعتماداً على حالة الغضب من تصرفات عناصر حركة طالبان، في ظل صعوبة السيطرة على عناصرها، وتنفيذ عمليات انتقامية، في ظل تباين بين تصريحات قيادات الحركة التي تؤكد عدم السعي للانتقام، وبين تصرف بعض العناصر وتنفيذ عمليات قمع وقتل، وربما يكون هذا عاملاً محفزاً لانضمام شباب إلى “داعش” لمواجهة حركة طالبان. إضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة “وول ستريت” الأمريكية إلى انضمام عناصر من الجيش والاستخبارات لتنظيم “داعش” خلال الفترة الماضية، بما يعزز من قوة التنظيم.
4- أزمة انتقال طالبان من التمرد إلى مكافحة التمرد: يمكن أن ينظر البعض إلى وجود ميزة لحركة طالبان في مواجهة تنظيم “داعش”، من ناحية معرفة الحركة بتكتيكات حرب العصابات وعمل الخلايا، ولكن يبدو أن تلك أزمة تواجه “طالبان”، حيث ترتبط بانتقال الحركة من التمرد المسلح إلى مكافحته، في ظل عدم امتلاك قدرة على ذلك خلال الأشهر الأولى من السيطرة على الحكم، لأن مكافحة التمرد تتصل بعوامل أخرى بخلاف المواجهات العسكرية والأمنية، إضافة إلى أن حركة طالبان باتت هدفاً سهلاً نظراً لتواجد عناصرها بشكل واضح لملء الفراغ الأمني.
5- تحديات وأعباء طالبان الداخلية الكبيرة في الحكم: وهو يتصل بالعامل السابق، حيث وجود تحديات داخلية كبيرة لحركة طالبان في ظل وضع سياسي مضطرب عقب إسقاط الحكومة السابقة، والدخول في مفاوضات سياسية مع أطراف فاعلة لتشكيل الحكومة، واستمرار تجميد الأموال في الخارج، والسعي لنيل اعتراف دولي بالحكومة الجديدة، ومحاولة فرض الأمن لملء الفراغ بالصورة التي تمثل أعباء إضافية على الحركة وتؤثر على مواجهة تنظيم “داعش”.
6- رفض طالبان الدعم الأمريكي لمواجهة “داعش”: أعلنت حركة طالبان رفض التدخل الأمريكي في الشؤون الأفغانية، حتى عبر دعم جهود مواجهة تنظيم “داعش” في أفغانستان، منذ انسحاب القوات الأمريكية، إضافة إلى إجلاء بعض المتعاونين الأفغان بما أفقد الولايات المتحدة الدعم الاستخباراتي، وفقاً لتصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وخلال شهر أغسطس 2021، خاصة أن قاعدة “باجرام” كانت محور عمل وجهود مواجهة التنظيم في أفغانستان. ورغم تأكيدات “بايدن” أنه سيتم ملاحقة فرع “داعش” في خراسان؛ إلا أن التقديرات الغربية تشير إلى محدودية الخيارات، وبالتالي فإن رفض طالبان الدعم الأمريكي يمثل نقطة ضعف للحركة في مواجهة التنظيم.
على سبيل الختام
يمكن القول إن جهود حركة طالبان لمواجهة تنظيم “داعش” ليست فعالة حتى الآن على مدار الأشهر الأربعة الماضية، في ظل تمتع التنظيم بعوامل قوة، تدفع باتجاه مد أمد المواجهات خلال الفترة المقبلة، دون حسم المعركة لصالح الحركة، في ضوء عدم السماح بدعم خارجي لهذه الجهود.
تعليقات الزوار ( 0 )