شارك المقال
  • تم النسخ

حي بوركون بين توسع البنايات العصرية وضعف البنيات التحتية

على الرغم من انهيار عمارة بدرب لوبيلا عشية يوم الخميس 23 ماي الجاري، بعد مرور ثمان سنوات على فاجعة انهيار عمارة بمحج المهدي بن بركة ، فما زال اهتمام السلطات سواء المركزية أوالمحلية لم ينصب بشكل جوهري وحاسم على حي بوركون الذي يعتبر من بين أحد أقدم الأحياء العصرية بمدينة الدارالبيضاء . إذ تحول هذا الحي ، الذي كان إلى حدود منتصف سبعينيات القرن 20، من حي برجوازي هادئ ، يضم شرائح من موظفي الدولة من قياد ومقدمين وشيوخ …إلى حي يضج بالحركة والحيوية بعدما تم السماح منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي بتحويل فيلاته ومساحاته الفارغة إلى إقامات عصرية تضم تجمعات سكنية كبرى وهكذا توسع هذا الحي ليمتد شمالا من شارع مولاي يوسف إلى شارع محمد السجلماسي ( حي المنار سابقا) جنوبا ، ومن شارع الموحدين غربا إلى شارع محمد الزيراوي شرقا ، بينما يخترقه في الوسط شارع محمد الزرقطوني أحد الشوارع الرئيسية للعاصمة الاقتصادية . لكن رغم هذا التوسع العمراني والسكني الذي عرفه هذا الحي ، فما زال لحد الآن لا يتوفر على البنيات التحتية والمرافق الإدارية التي تتناسب وحجمه الحالي.

التوسع العمراني لحي بوركون يعتبر حي بوركون (بمناطقه الثلاثة ، أ، وب ، وج ) من أهم الأحياء العصرية بالدارالبيضاء نظرا لعدة عوامل من أهمها:

– موقعه الاستراتيجي فهو يعتبر من الناحية السياحية أقرب إلى كورنيش الدارالبيضاء بشواطئه ، ومسابحه ، ومقاهيه ، ونواديه ، ومحلات ترفيهه ، ومن الناحية الاقتصادية أقرب إلى وسط المدينة بمحلاته التجارية والسياحية والبنكية والإعلامية ، كما يعد الحي الأقرب إلى محطتي القطار والستيام . أما من الناحية الاقتصادية فيعد الأقرب إلى مرسى الدارالبيضاء ، رئة المدينة الكبرى ، و إلى درب عمر وكراج علال ودرب غلف … التي تعتبر من أهم الأسواق الممونة للعاصمة الاقتصادية ، في حين يبقى من الناحية التاريخية الأقرب إلى المدينة القديمة بمبانيها العتيقة ، و أسوارها وصقالتها ومساجدها ونمط عيشها بالإضافة إلى قربه من مسجد الحسن الثاني الذي أصبح بمثابة معلمة دينية وقبلة سياحية ومزار ترفيهي بعدما تم متنزه مسجد الحسن الثاني بحدائقه الخضراء وفضائه الرياضي.

– تنوع تركيبته البشرية ، إذ أصبح يضم إلى جانب بعض سكانه الأصليين الذين كانوا يقطنون قرب هذا الحي سواء بكلميمة أو الهجاجمة أو درب الطاليان ، أو درب لوبيلا … شرائح متوسطة وفدت عليه من مختلف أحياء الدارالبيضاء للسكن في الإقامات العصرية التي أصبحت تبنى محل الفيلات السابقة التي كان يقطن بها بعض موظفي الدولة من قياد ودركيين وشيوخ ومقدمين … أو فوق بعض الملاعب التي تفويتها كملعب المكسيك ، وملعب درب لوبيلا ، وملعب بنبراهيم.

– الطابع الكوسموبوليتي للحي ، حيث استقرت بالحي جنسيات عربية( خليجيون، وشاميون ، وعراقيون…) وإفريقية( موريتانيون ، وسنغاليون … ) وآسيوية ( صينيون ، وهنود وفيتناميون..) وأوربية ( فرنسيون ، وإسبان ، وبرتغال …) نظرا لقرب هذا الأخير من مختلف المراكز التجارية للعاصمة الاقتصادية وعلى رأسها الميناء ، ووسط المدينة ، والمعرض الدولي للدارالبيضاء.

– الطابع الاكتفائي للحي ، حيث يتميز هذا الأخير بتوفره على كل المرافق الاجتماعية الضرورية ، من أسواق ومحلات تجارية وتموينية ، ومرافق صحية ،من مستشفيات ومستوصفات عمومية ومصحات خصوصية ، ومؤسسات تعليمية خصوصية وعمومية ، حمامات شعبية وعصرية بالإضافة إلى دار الشباب الزرقطوني وبعض النوادي الرياضية ، وكثرة المقاهي والمطاعم الشيء الذي يمكن أن يتيح لساكن الحي ، إذا مارغب في ذلك ، تلبية كل احتياجته وطلباته دون أن يغادر حدود هذا الحي.

ونظر لمختلف هذه العوامل ، فقد عرف هذا الحي إقبالا كبيرا من مختلف الشرائح المتوسطة ، خاصة في بداية الثمانينيات من القرن العشرين التي شهدت شراء العديد من الخليجيين للإقامات العصرية التي كان المنعش العقاري العراقي حامد جاسم يحتكر بنائها في بعض مناطق ودروب هذا الحي ، ليتبعه منعشون آخرون في تشييد العديد من الإقامات العصرية وبيعها لعائلات مغربية تعمل بالمهجر . ومما زاد من الإقبال على الاستقرار بهذا الحي انخفاض أسعار العقار فيه في نهاية تسعينيات القرن الماضي إلى حدود سنة 2004 ، والتسهيلات التي أصبحت تمنحها الأبناك في منح القروض.

– ضعف البنيات التحتية لحي بوركون

يبدو أن اتساع السكن العصري في هذا الحي من تشييد إقامات عصرية وفتح محلات تجارية لم يواكبه على مستوى البنيات التحتية أي تطور يذكر . فالدروب والأزقة ما زالت تحتفظ بنوعية التزفيت والتبليط التي كانت عليه في السابق ، أي في الوقت الذي كانت بعض مناطق هذا الحي تابعة لجماعة مولاي يوسف التي تم إلغاؤها من الخريطة الإدارية للمدينة . فالإنارة العمومية وشبكات الواد الحارما زالت على شكلها القديم ، بالإضافة إلى انعدام أي تجهيز عصري للشوارع ومفترقات الطرق التي تخترق هذا الحي .فممر كلميمة مثلا لا يتوفر على وسائل التشوير وإشارات المرور ، بالإضافة إلى ضعف وسائل الإنارة العمومية ، والتلوث الذي يتسبب فيه مرور الحافلات الكبرى . كما أن رخص البناء التي تمنح في فترات متباعدة تجعل هذا الحي مفتوحا على أوراش بناء متواصلة مع ما يصاحب ذلك من كثرة الأتربة والغبار.

بالإضافة إلى ذلك ، فما زال هذا الحي رغم تزايد عدد سكانه ، يفتقد للعديد من المرافق الإدارية والأمنية ، إذ على الرغم من تواجد مقر عمالة أنفا قربه ، إلا أنه ما زال لا يتوفر على مقاطعات إدارية خاصة به ، فسكان الحي مازالوا ملحقين إما بالمقاطعة الخامسة ( مقاطعة درب الطليان التي تعتبر من أقدم المقاطعات في الدارالبيضاء) أوللمقاطعة السادسة ( السور الجديد) في الوقت الذي كان من المفروض خلق مقاطعة حضرية خاصة بسكان هذا الحي ذي التركيبة البشرية و العرقية و المهنية المتميزة، في حين أن الدوائر الأمنية ومخافر للشرطة تعتبر جد قليلة ، خاصة وأن طبيعة الإقامات العصرية المشيدة فيه ، تساهم في خلق تجمعات سكنية من تركيبات بشرية وثقافية واجتماعية متنوعة عادة ما تحتاج إلى تغطية أمنية كافية لإقرار الأمن في دروب وأزقة وطوابق هذا الحي الحركي والحيوي و الذي يتوسع بشكل كبير وبسرعة فائقة.

وبالتالي ، فإن حي بوركون كحي يتميز بشعبيته وكوسموبوليته ، وحيويته نتيجة ضمه لعدة شرائح متوسطة من مختلف المهن والأنشطة ، يحتاج إلى وضع تصور خاص به ، لا يشمل فقط تجهيزه بكل المرافق الضرورية من مرافق أمنية وإدارية وصحية ، وتزفيت جيد لطرقه وشوارعه ، وإضاءة عمومية ملائمة لمختلف دروبه وأزقته ، بل يحتاج إلى تقنين قانوني خاص يفرض الاتفاق مع المنعشين العقاريين لوضع مساحات خاصة للترفيه واللعب بالنسبة للتجمعات السكنية التي يبنونها ، بعدما تم الإجهاز على كل فضاءاته الخضراء وملاعبه الرياضية ، والعمل على إعادة تغيير عناوين وأسماء الإقامات المشيدة سواء كانت أسماء مشرقية أو مغربية ، إذ لا يعقل أن تحمل جل الإقامات التي بنيت في هذا الحي أسماء شخصية لأقرباء وزوجات وأبناء المنعشين العقاريين بعدما باعوها ولم تعد في ملكيتهم. إذ حان الوقت للتفكير في وضع أسماء للإقامات المشتركة تكون ذات طابع مشترك بدل الطابع العائلي أو الشخصي ، فبدل وضع أسماء مثل نرجس وسهيل و، والمهدي ، وزينب ، وحليمة ، و إيمان ، وبوعرفة ، وجاسم ، من الضروري وضع أسماء محايدة تراعي خصوصية الحي التي تتواجد فيه كما تراعي خصوصية تاريخه وتطوره . كما على السلطات المحلية أن تفرض على المنعشين العقاريين وضع تصاميم توفر حيزا لائقا لسكن حراس الإقامات والعمارات يحترم آدميتهم حتى لا تتحول هذه البنايات العصرية إلى بناءات عشوائية . كما ينبغي على السلطات المحلية فرض تعميم نظام السنديك طبقا لقانون الملكية المشتركة للإشراف على صيانة هذه الإقامات ومساعدة السنديك المنتخب أو المعين على حل المشاكل التي يواجهونها خاصة مشكل تأخر بعض السكان ، وبالأخص أولئك الذين يعملون بالخارج ، في دفع واجبات السنديك الشهرية . بالإضافة إلى ذلك من الضروري ، أن تتصدى السلطات لكل الملاك الذين يقومون بكراء محلاتهم لبعض التجارالآسيو يين والمشارقة الذين يستغلونها في تخزين بضائعهم ومنتجاتهم بما يسببه ذلك من إزعاج للسكان وعرقلة الممرات والأزقة ، وما يشكله من خطر على السكان في حالة اندلاع أي حريق في هذه البضائع ، إذ قد يؤدي ذلك إلى أضرار بشرية جسيمة وخسائر مادية كبيرة كما حدث بالنسبة لعمارة بدرب لوبيلا عندما اندلع حريق بأحد محلات العقاقير وبيع الصباغة (drogrie) )كاد أن يؤدي إلى كارثة إنسانية لولا ستر من الله . بالإضافة إلى ذلك على السلطات المحلية أن تزجر كل إخلال بالواجهات الأمامية للإقامات وأي تشويه قد يلحق أضرارا بجماليتها الخارجية . في حين على السكان من خلال جمعياتهم السكنية أن ينظموا أنفسهم في جمعيات للأحياء تناقش مشاكلهم و العمل على إيجاد حلول لها . فالسكن العصري يقتضي فكرا عصريا منظما وسلوكا مهذبا يقوم على الاحترام المتبادل والتضامن المشترك.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي