حتى أشهر قليلة لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن تنعطف العلاقات التركية الإمارتية بهذا الشكل الإنقلابي، من صراع ومواجهة مفتوحة بين البلدين على مختلف الأصعدة إلى لقاء بين زعيمي البلدين وانفراج في العلاقة بينهما وتوقيع اتفاقيات بملايير الدولارات.
والأمر نفسه يقال عن العلاقات بين المحور السعودي-الإماراتي وقطر، والتي شهت هي الأخرى انقلابا كبيرا من حصار ومحاولة اسقاط النظام القطري إلى مصالحة بين البلدين، وتبادل للزيارت بين قادة البلدين.
في خضم حالة التقاطب والصراع بين محورين في الشرق الأوسط خط المغرب لنفسه مسارا خاصا، رافضا الاصطفاف خلف المحور السعودي-الإماراتي الذي أراد دفع الدول العربية وحتى الإسلامية إلى تبني توجهه ورؤيته وموقفه من الربيع العربي والدول المدعمة له.
لكن بسبب موقفه الحيادي ورفضه الانجرار خلف المحور السعودي-الإماراتي تعرضت علاقة المغرب بذلك المحور لأزمات صامتة وأخرى معلنة، وصلت حد استدعاء السفراء، في خطوة غير مسبوقة في بين دول كانت على وفاق دائم، أزمة تسبب فيها ابتزاز المغرب في قضيته الأولى المتعقلة بالصحراء.
رفض المغرب الانجرار وراء موقف المحور السعودي-الإماراتي من الربيع العربي ومخرجاته، معتبرا بأن ما يقع في دول المنطقة هو شأن خاص بشعوبها، وبالتالي رفض اقحام نفسه في مواجهة مخرجات الربيع، وعلى رأسها تصدر قوى جديدة للمشهد السياسي.
ففي خضم الحملة الشعواء على التجربة التونسية، وفي خضم تسيد الثورة المضادة، قام الملك محمد السادس بزيارة تاريخية لتونس، واللقاء مع رئيسها منصف المرزوقي، كما ألقى كلمة نادرة أمام المجلس الوطني التأسيسي (أهم منجز للثورة التونسية)، كما قام بجولة خاصة بشارع الحبيب بورقيبة بدون حماية أمنية مشددة، وهي الزيارة التي كان الهدف منها الرد على حملات التخويف من زيارة تونس بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي أضرت بالسياحة في البلد. إنها الزيارة التي ما زال أنصار الثورة يتذكرونها ويثنون على الموقف التاريخي للملك المغربي.
وبعد الانقلاب العسكري في مصر، نهج المغرب نهجا محايدا نحو الأحداث هناك، ورفض الاصطفاف خلف المحور السعودي-الإماراتي في الدعم المطلق للانقلاب العسكري، ليعلن المغرب موقفا مهاجما للإنقلاب العسكري في القنوات الإعلامية الرسمية بعد لعب النظام المصري في قضية الصحراء وتقاربه مع النظام الجزائري، وليس صدفة أن تكون أول زيارة للسيسي بعد “انتخابه” رئيسا لمصر سنة 2014 للجزائر، وبالرغم من مرور أزيد من ثماني سنوات على الانقلاب العسكري في مصر لم يلتقي الملك محمد السادس مع السيسي، كما لم يقم بأي زيارة لمصر، والأمر نفسه بالنسبة للسيسي.
فيما يخص العلاقات المغربية التركية، قام الملك محمد السادس بقضاء عطلته السنوية على غير المعتاد بمدينة إسطنبول التركية أواخر سنة 2014، وهي العطلة التي تخللها لقاء عائلي للأسرة الملكية مع أسرة الرئيس أردوغان، كما جاءت الزيارة في وقت كانت فيه العلاقات بين المغرب وفرنسا تمر من أزمة متصاعدة، وفي ظل الصراع المحتدم بين المحور السعودي-الإماراتي والمحور التركي-القطري. شكل ذلك اللقاء بين زعيمي البلدين نقطة تحول مهمة في العلاقة بين البلدين، وكان المغرب ثاني دولة في العالم بعد قطر تعلن رفضها لمحاولة الإنقلاب العسكري في تركيا صيف 2016، في وقت كانت القنوات الإعلامية المعبرة عن توجهات المحور السعودي-الإماراتي تروج لنجاح الانقلاب وفرار أردوغان خارج تركيا، في حين لم تعلن الجزائر موقفا واضحا رافضا للمحاولة الانقلابية عندما كانت العملية في بدايتها.
وشكلت لحظة الحصار الرباعي لقطر محطة فارقة في العلاقة بين المغرب والمحور السعودي-الإماراتي، حيث رفض المغرب دعم الإجراءات المتخذة ضد قطر، كما قام في خطوة لاقت غضبا لدى ذلك المحور بإرسال مواد غذائية لقطر، وبعدها قام محمد السادس في عز الحصار الرباعي بزيارة قطر ولقاء أميرها.
واتخذ المغرب موقفا محايدا من الأزمة الليبية ورفض الانجرار وراء المحور السعودي-الإماراتي في دعم الجنرال حفتر، وهو الموقف الذي جعله يحظى بثقة كل الأطراف الليبية، ثقة توجت بتوقيع اتفاق الصخيرات بين الأطراف المتصارعة هناك.
غير أن المحور السعودي-الإماراتي لم يقبل الموقف الحيادي المغربي من مختلف أزمات المنطقة، ورفضه الإنجرار وراء توجهات ذلك المحور، وهكذا بدأ ذلك المحور في الهجوم على المغرب إعلاميا واستهدافه في قضية صحراءه، ورفض دعم الملف المغربي لاستضافة كأس العالم.
لقد كان الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه المحور السعودي-الإماراتي هو عدم إدراكه لطبيعة الدولة المغربية، ولطبيعة نظامها السياسي، ولطبيعة القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة ضمنه. لقد كان خطأه الفادح عدم إدراكه التجربة المغربية في تعاطيها مع الحركة الإسلامية، وحساسية المغرب الشديدة في التدخل في شؤونه الداخلية.
واليوم فالمغرب يحصد نتائج مواقفه تلك، بحيث يحظى بدعم قوي من كل دول الخليج في قضية الصحراء، وهي مواقف تجسدت في إعلان دول الخليج عن دعمها الواضح لمغربية الصحراء، ودعم وسائل إعلامها لمغربية الصحراء. كما أنه وقع صفقات تسلح كبيرة مع تركيا، صفقات تمكن عبرها من الحصول على الطائرات بدون طيار التركية، وتعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
وما يجسد صحة وقوف المغرب موقفا صحيحا من التاريخ في لحظة ضبابية وأزمات مشتعلة في المنطقة هو قدوم قادة المحورين للمغرب لقضاء عطلة نهاية السنة، وهو التواجد الذي من شأنه الإسهام في تعزيز خيار المصالحة بين المحورين.
*باحث في الدراسات السياسية والدولية
تعليقات الزوار ( 0 )