اشتهر المغرب على مدى عقود، بأنه من البلدان التي ينطبق عليها المثل القائل: “قضية عادلة، ومحام فاشل”.
والأمر هنا يتعدى إقصاء الكفاءات في كافة المجالات، والرهان على الفاشلين والتافهين، بل لا أحد يدري سر إصرار “الدولة المغربية” على الاستخفاف حتى بالتواصل، الذي أصبح سلاحا فتاكا وخطيرا، بل وأداة فعالة من أدوات “القوة الناعمة”.
لا نحتاج لتقديم كثير من الأمثلة، بما أن الجميع متفق على عجز “الدولة” ليس فقط في ما يخص الدفاع عن “قضايها العادلة”، بل أيضا في ما يتعلق بتسويق كثير من النجاحات والإنجازات التي ينبهر بها حتى بعض الضيوف الغربيين، فعليا وليس فقط من باب المجاملة الكاذبة.
سبب نزول هذ السطور، “الكبسولات” التي أطلقتها رئاسة الحكومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يحضر الوزراء تباعا، بنفس السيناريو للحديث عن “إنجازات” قياسية تحققت في وقت قياسي..
لا أدري من هي الجهة “التواصلية” العبقرية التي أنجزت هذه “الكابسولات” ولا المبلغ الذي حصلت عليه مقابلها، لكن الأكيد أنها لن تؤدي الهدف المتوخى، والمتمثل في إقناع المشاهد بواقع سوريالي، يخالف الواقع الذي يصبح ويمسي عليه المواطن، الذي صار، على عهد الحكومة “الرشيدة”، منشغلا فقط بأخبار بورصة الطماطم والبطاطس .. وارتفاع أسعار “الضروريات”..
لا أذيع سرا، إذا قلت إن الحكومة تعاني أزمة تواصل، لكنها أزمة لا ترتبط بالتكتم على المعلومة، ولا بضعف أساليب تعميمها، بل الأكيد أننا أمام “رؤية” تعتبر التواصل شيئا تافها، وحتى حين يتم اللجوء إليه، فإن الأمر يوضع بين يدي “وكالات” تتعامل مع “المؤسسات الدستورية” كأي منتوج استهلاكي، وتستعمل نفس تقنيات “التسويق” المعهودة في عوالم المشروبات والمأكولات والملبوسات.. ومساحيق النظافة..
فهل هناك مواطن يمكن أن تنطلي عليه هذه “الكابسولات”، وهو يعاين حرمان الجياع من الدعم “الوهمي” الذي لا يسمن ولا يغني من جوع أصلا، بسبب تعبئة هاتف نقال؟
بل هل هناك مواطن يعرف أصلا من هم هؤلاء الوزراء الذين يدافعون عن حصيلة وإنجازات لم يرها غيرهم، ومن يأكل على موائدهم من “المؤثرين” والإعلاميين “المسترزقين”؟
بل إن الغريب العجيب هو أن تجد وزير التعليم العالي مثلا، الذي لا يذكر اسمه واسم قطاعه إلا مقرونا بفضيحة علمية أو جنسية أو مالية أو إدارية، ويخوض منذ شهور حربا ضارية ضد طلبة كليات الطب، يتحدث ضمن “كابسولته” عن “إنجازات” والحال أنه كان الأولى به أن يطلع الرأي العام على مآل التحقيقات المفتوحة في حقه شخصيا قبل “الاستوزار”.. ورحم الله “القاضي عياض”.
إن هذا العبث ينبغي أن يقرع الأجراس بقوة ليستيقظ “عقل الدولة” من حالة الخدر التي دخل فيها منذ سنوات، خاصة في ظل التحديات، بل والمغامرات، التي انخرط فيها المغرب، من قبيل مونديال 2030، والتي تتطلب كثيرا من الرزانة، التي أصبحت مفتقدة تماما في الساحتين السياسية والحزبية.
من المؤكد قطعا أن “الطبقة الحاكمة” أصبحت تعتبر نفسها فوق “الدولة”، واستعمال مفهوم “الطبقية” ليس استعارة من القاموس الماركسي، بل هي حقيقة “مادية” يؤكدها الواقع، حيث أصبحنا أمام طبقة عليا، تتصرف دون حسيب ولا رقيب في كل شيء، وطبقات دنيا بعضها تحت بعض، تتعرض لكل أنواع الطحن دون أن تفتح فاها حتى للتأوه..
وما ذنب هذه “الطبقة الجديدة” إذا كانت “الطبقات الدنيا” لا ترى كل هذه الإنجازات القياسية؟
في كثير من الأحيان أتساءل: إلى أين سيقودنا هذا العبث، وإلى متى سيستمر “الأوباش” في الصبر والتحمل؟
سؤال ألح علي مجددا بعد الأرقام المفزعة التي نشرها مجلس الشامي وخلاصتها أن أكثر من عشرة في المائة من “ساكنة” المغرب (الشباب) يعيشون على الهامش، يفجرون أحيانا “كبتهم” في مدرجات ملاعب الكرة على هامش بعض المباريات.. أو ينتحرون عبر قوارب الهجرة السرية، لكنها في النهاية قنبلة موقوتة.. ومن يستطيع لجم هذه الملايين إذا قررت في لحظة ما الانفجار؟
لكن “شيطاني” سرعان ما يجيبني بأن “الدولة” أعلم بشعبها من نفسه.. وهل بقيت فيه “نفس” أصلا؟
هي حقيقة كانت جدتي رحمها الله، قد صاغتها في جملة مختصرة مفيدة: “بَقْشوهْ وعرفوه امرا”.. (أي جسوه وتأكدوا أنه امرأة)..
ومن أراد دليلا على ذلك، ما عليه سوى استحضار كيف أن رئيس “الطبقة العليا” اختزل جلسة دستورية لمتابعة مباراة لا ناقة للمغرب فيها ولا جمل.. وهي فكرة ليست من إبداعه طبعا.. بل من وحي “خبراء التواصل” الذين يفكرون بلغة موليير أو “ماكينزي”.. وينتظرون من “دولة الرئيس” أن يترجم ذلك بلغة لا هي دارجة ولا هي عامية..
تعليقات الزوار ( 0 )