بعد السنوات الأولى من ولاية حكومة أخنوش التي تميزت بمواجهة خاصة بين الأغلبية الحكومية وبعض مكونات المعارضة يعرف المشهد السياسي في الآونة الأخيرة تململا لافتا انعكس من خلال تصريحات متبادلة بين مكونات الأغلبية الحكومية يبطن بعضها بداية الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية القادمة المقرر تنظيمها في سنة 2026.
مكونات المعارضة بين التكتل والشعبوية
يبدو أن ميزان القوى الذي أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2021 ، قد جعل مكونات المعارضة المنقسمة على نفسها تسقط في ممارسة شعبوية للتغطية عن ما سمته بتغول الأغلبية الحكومية. فأمام التحالف الحكومي الذي انتظم في حكومة تشكلت من الأحزاب الثلاثة التي أحرزت على أغلبية المقاعد داخل البرلمان و استحوذت على أهم رئاسات المجالس الجهوية والجماعية للمدن الكبرى بالمملكة ، لم يتبق للمعارضة سوى التمترس في ممارسات سياسية اتسمت في الكثير من الاحيان بشعبوية لافتة . فبعدما دعا رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عبد الله بوانو إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لجأت المعارضة البرلمانية إلى الانسحاب الجماعي من أشغال جلسة الأسئلة الشفهية لمجلس النواب، مساء يوم الإثنين8 يوليوز 2024 احتجاجا على رفض الحكومة التفاعل مع طلبات التحدث في موضوع طارئ وعام يتعلق بمستجدات امتحانات كليات الطب والصيدلة و بدعوى عدم استجابة وزير لحضور جلسة مناقشة قضية إضراب الطلبة في لي صارخ لبنود النظام الداخلي للبرلمان مما جعل بعض نواب الأغلبية ينعت هذا التصرف بالمزايدة الشعبوية، كما سبق ، في نفس المسار الشعبوي ، أن لوح الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بملتمس الرقابة ليعقبه بعث الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية برسالة مفتوحة لرئيس الحكومة يسائله عن حصيلة حكومته في نصف ولايتها بعدما أسهب هذا الأخير في طرحها أمام أنظار الفرق النيابية تحت قبة البرلمان وتمت تغطيتها من طرف وسائل الاعلام الرسمية . ولعل استشعار بعض مكونات المعارضة بهذا الضعف السياسي أمام القوة العددية والتنظيمية للأغلبية الحكومية واستعدادا للانتخابات القادمة ، أُعلن عن انعقاد لقاء رسمي بين حزب الحركة الشعبية، ، و”التكتل الديمقراطي المغربي” الذي يرأسه المحامي زهير أصدور في خطوة سياسية لاعادة بعض التوازن داخل المشهد السياسي. حيث أتى هذا اللقاء الذي تم عقده بمقر الحركة الشعبية في الرباط ، حسب ما صرح به أحد قياديي هذا التكتل ، في سياق جهود “توحيد القوى السياسية المتناثرة وإعادة ترتيب الأوراق السياسية في المغرب، وهو ما قد يُفضي إلى تحول جذري في النظام الحزبي ويقوي من دعامة المشهد السياسي المغربي.” فقد رأت قيادة حزب الحركة الشعبية بأن هذا “التكتل الديمقراطي المغربي” الذي تأسس في أواخر يونيو 2022، و يضم مجموعة من أنصار حميد شباط، الذين كانوا جزءًا من حزب “جبهة القوى الديمقراطية”، يمكنه أن يقوي من امتدادها نظرا للنفوذ الكبير لحميد شباط في عدة مناطق، خصوصًا في مدن فاس وتازة وصفرو، حيث يشتهر بوجوده التاريخي والزخم الذي اكتسبه من خلال دوره السابق كأمين عام لحزب الاستقلال، بالإضافة إلى قيادته للاتحاد المغربي للشغالين، الذراع النقابي للحزب. وبالتالي فقد اعتبر هذا اللقاء محاولة من حزب الحركة الشعبية لإعادة ترتيب أوراقه السياسية والرفع من قيمته الانتخابية، حيث يسعى الحزب لاستقطاب كفاءات وأطر جديدة لتدعيم صفوفه وتعزيز موقعه في الساحة السياسية. وهكذا صادق المجلس الوطني لحزب الحركة الشعبية خلال دورة العادية، خلال اجتماعه يوم السبت 21 دجنبر 2021على انضمام التكتل الديمقراطي المغربي إلى صفوفه، حيث أكد محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية بأن “التكتل فاعل مدني، وليس حزبا سياسيا، لذلك فإن ما حدث هو انضمام”. مبشرا أعضاء الحزب بمزيد “الانضمامات القادمة، التي سيتم الكشف عنها لاحقا، والتي ستكون جزءا أساسيا من البديل الحركي، الذي سيتم تقديمه للمغاربة”.
-مكونات الأغلبية بين التنافس وإعادة الهيكلة
يبدو أن مكونات التحالف الحكومي التي تشكلت من الأحزاب الثلاثة الأولى التي أفرزتها الانتخابات السابقة ، انضمت إلى الحكومة وهي ترنو إلى تصدر الانتخابات القادمة . سيما وأن أحزاب المعارضة لن تشكل أي تهديد حقيقي خلال هذه الانتخابات نظرا لأن الحزبين اللذان تصدرا التجربتين الحكومتين ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب العدالة والتنمية) قد منيا بنكسة انتخابية وسياسية ما زالا لحد الآن لم يتعافيا منها. وبالتالي ، ولعل طموح الأحزاب المشكلة لحكومة أخنوش في التموقع ضمن المشهد السياسي المقبل دفع بحزب الاستقلال إلى إعادة تنظيم هياكله وتعبئة قواعده.إذ بعد تأجيل مؤتمره الوطني عدة مرات بسبب تجاذبات داخلية نجح الحزب في إعادة تجديد رئاسة أمينه العام نزار بركة وزير التجهيز والماء في حكومة عزيز أخنوش الذي انتقد خلال كلمته في مهرجان خطابي بمناسبة الذكرى 81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، مشيرا إلى أن البطالة في البلاد بلغت مستويات عالية جدا خلال السنوات الأخيرة، وصلت حسب الإحصاءات الرسمية إلى %21.3، مؤكدا أن هذه الأرقام تعكس أزمة مركبة متعددة الأبعاد تعاني منها البلاد، وتؤدي إلى تزايد شعور الشباب بالقلق وفقدان الثقة من أبرزها البطالة وغلاء المعيشة. واعتبر الأمين العام لحزب الاستقلال في كلمته، أن غلاء المعيشة، ساهم في اندحار الطبقة الوسطى وعمق الفوارق الاجتماعية “رغم الجهود المبذولة من خلال التغطية الصحية والدعم الاجتماعي والرفع من الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل”. وتعكس هذه التصريحات على ما يبدو استباق الحزب لاي انقلاب انتخابي لقواعده التقليدية المتكونة من الطبقة المتوسطة والشباب وتجنب العقاب الانتخابي الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة . في حين أن حزب الأصالة والمعاصرة بعدما عمل على احتواء أزمة تورط قيادات من الحزب في قضايا فساد وتهريب أضرت بسمعته السياسية أمام الرأي العام ، وانتخب قيادة ثلاثية حافظت على تماسكه الداخلي ، صرحت المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة فاطمة الزهراء المنصوري خلال مشاركتها في الدورة 138 للملتقى الدبلوماسي المنظم من طرف المؤسسة الدبلوماسية حول موضوع “رهانات تنزيل الأوراش الاستراتيجية الكبرى للمملكة”، وأمام أزيد من 50 سفيرًا معتمدًا بالمملكة المغربية، إن حزبها يطمح لاحتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجرى في العام 2026، مشيرة إلى أن الانتخابات المقبلة ستكون هامة في تاريخ المملكة وستجرى على أساس برنامج انتخابي واضح ودقيق. بينما أكد عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، راشد الطالبي العلمي، أمام المجلس الوطني للحزب المتصدر للحكومة أن “حزب التجمع الوطني للأحرار سيقود الحكومة حتى سنة 2032”. متوقعا أن يستمر الحزب في تصدر المشهد السياسي بحصده 116 مقعدًا برلمانيًا خلال انتخابات 2026.
وتظهر كل هذه التصريحات أن هناك شراسة في التنافس بين الاحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية، في أفق الانتخابات التشريعية القادمة. إذ أن كل حزب يعمل على تعبئة طاقاته لتصدر المشهد السياسي المقبل، خاصة في ظل معاناة أحزاب المعارضة من ضعف شديد.
فحزب العدالة والتنمية ما زال يعاني من نكسة انتخابية كبيرة، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ما زال يحاول لملمة شتات حزبه، فيما يعاني حزب التقدم والاشتراكية هو الآخر من ضعف واضح، مما يرجح أن تنحصر المنافسة في الانتخابات التشريعية لسنة 2026 بين مكونات الأغلبية، وخاصة بين حزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة. وبالتالي ، فالتصريحات التي يدلي بها مسؤولون داخل أحزاب الأغلبية والانتقادات المبطنة أو المعلنة المتبادلة فيما بينها تأتي في إطار “تسخينات انتخابية”، ستزداد كلما اقترب موعد الانتخابات القادمة. فحزبي التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة يعتبران نفسيهما الأكثر قدرة على تصدر المشهد الانتخابي القادم، خاصة مع تقارب عدد المقاعد بينهما: فحزب التجمع الوطني للاحرار المتصدر للحكومة ، ما زال يحظى بالثقة الملكية في شخص رئيسه عزيز اخنوش، خاصة العلاقة التي تجمع رئيس الحزب بالملك، والتي انعكست من خلال مأدبة الإفطار التي جمعت بين العاهل المغربي ورئيس الحزب قبيل انتخابات الشيء الذي يذكر بالعلاقة التي جمعت بين مؤسس الحزب أحمد عصمان والملك الراحل الحسن الثاني أهلته لكي يعين وزيرا أولا . كما يراهن على “مسار التنمية” الذي تم إعداده بعد جولات تواصلية في مختلف المدن لإعادة الثقة في العمل السياسي، واستقطاب الكفاءات والطاقات استعدادًا للمحطات الانتخابية المقبلة، بعد موجة من العزوف التي تعددت أسبابها وتجلت عواقبها على مستوى التمثيلية السياسية. حيث يتطلع هذا الحزب إلى مواصلة تصدر المشهد السياسي خلال الاستحقاقات القادمة، اعتمادًا على ما يعتبرها “إنجازات غير مسبوقة” في سجل العمل الحكومي. إذ يحرص قادة التجمع في مختلف اللقاءات التواصلية على الدفاع عن الأداء والنجاعة والقدرة التي أبان عنها الحزب خلال هذه الولاية الحكومية التي يقودها عزيز أخنوش، بـ”اقتدار”، رغم التداعيات السلبية لكورونا ، والحرب الاكرانية الروسية وتوالي سنوات الجفاف .وهكذا عبّر رئيس مجلس النواب الطالبي العلمي عن قناعته ببقاء حزب التجمع الوطني للأحرار في السلطة لولاية أخرى، مشددًا على أن “المواطن يفرّق بين من يبحث عن مقعد لممارسة السلطة وبين من يبحث عن مقعد من أجل استغلاله لخدمة التنمية”.
أما حزب الأصالة والمعاصرة، وعلى الرغم من كل الهزات الداخلية التي عرفها ، فيبدو أنه مازال يحظى بثقة وتعاطف دائرة صنع الخريطة السياسية بالمملكة التي يتحكم فيها المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، نظرًا للارتباط الذي سبق أن جمعه بهذا الحزب ، مما قد يرجح احتمال سيناريو أن تكون فاطمة الزهراء المنصوري، المنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة، مرشحة قوية لقيادة الحكومة القادمة، وأول امرأة تتولى رئاسة الحكومة بالمغرب وبالمنطقة العربية والافريقية. .وبالتالي ، فقد شرع الحزب في إعداد العدة للانتخابات المقبلة، حيث اختار الحزب المعاقل الانتخابية لإطلاق سلسلة جولات ولقاءات تواصلية مع المناضلين والمنتخبين، في خطوة تهدف إلى رص الصفوف واستعادة بعض الغاضبين من قبيل المهاجري على سبيل المثال. وفي هذا السياق توعد أحد قيادي الأصالة والمعاصرة، حزب التجمع بالهزيمة النكراء في الانتخابات القادمة، وقال: “التراكتور قادم وسيقلب الطاولة على الجميع، وسيقود حكومة ما بعد 2026، وغادي نريشوا الحمامة وندردكوا عليها”. في حين عبرت فاطمة الزهراء المنصوري، المنسقة الوطنية للقيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، بكل وضوح عن طموحها في أن يقود حزبها الحكومة المقبلة، حيث صرحت خلال لقاء تواصلي مع برلمانيي الحزب بجهة مراكش، إن “القيادة الحزبية الحالية للبام هي قيادة شابة من أبناء الحزب، وأن طموح بنات وأبناء الحزب خلال الانتخابات التشريعية المقبلة هو المرتبة الأولى لسببين: الأول لقيادة الحكومة، والثاني، لتنزيل المشروع الهائل للأصالة والمعاصرة” وحزب الأصالة والمعاصرة يتمتع بمصداقيته وقدراته، ولديه وزيرات ووزراء أبانوا عن حنكتهم في تدبير مشاريع كبرى، داعية مناضلي الأصالة والمعاصرة للافتخار بحزبهم لأنه يشرفهم بعمل منتخباته ومنتخبيه ومؤسساته بجميع الجهات”.
وعلى العموم ، فإن حركية المشهد السياسي قد تعرف تململا متسارعا في أفق الانتخابات القادمة لكن لن تشكل زخما سياسيا يمكن أن يكسر عزوفا منتظرا من طرف فءات واسعة من الهيأة الانتخابية مادام لحدالآن لم يتم السماح بولوج قوى سياسية جديدة تتمثل خاصة في جماعة العدل والإحسان التي لوحت بوثيقة سياسية كأرضية للاندماج في المنظومة السياسية بما يستتبع ذلك من انخراط لنشطائها والمتعاطفين معها في العملية الانتخابية لكن جوبهت بصمت مطبق من أعلى مستوى ، أو القبول بانخراط فعاليات وكفءات مغاربة الخارج في العملية السياسية إلا إذا كان حزب التجديد والديمقراطية الذي ينتظر قرار الموافقة على تأسيسه القانوني مؤشرا على هذا التوجه؟؟
تعليقات الزوار ( 0 )