بدأت القضية الفلسطينية منذ أزيد من خمس وسبعين سنة من الآن تتمدد أبعادها، وتتكشف خيوط لعبتها لدى مجتمع السياسة والواقع.وبدأت دوائر دعمها تتحدد بدقة، كما اتضحت جهات دعمها بشجاعة. لكن الملاحظ رغم هذه الحقائق التي لا تخطئها عين المتابع والمتتبع غير المنخدع بصولجان الباطل وتفوقه أن هناك قراءات مختلفة لما يقع على أرض فلسطين المحتلة (إسرائيل)، وأرض فلسطين التي لم تطلها قوة الاحتلال وسلاحه والتي توجد تحت سلطة فلسطينية محسوبة على تيارات يسارية في الضفة، وأخرى إسلامية في غزة،تلك القراءات اتخذت موقفا هلاميا داخل موقع أشبه بالفجوة الفاصلة بين قطبين متجاذبين، أو بالأحرى بين معسكرين مستقلي الهوية والأرض، معسكر فلسطين التحرير والمقاومة والسلاح، وموقف المنبطح الداعي إلى سلام خانع يرضى بالأمر الواقع، لأن (إسرائيل) دولة نووية متسلحة متطورة مدعومة من متنفذي “المجتمع الدولي” وغيلانه المتوحشة التي تسكنها روح الشر، لا تقوى عليها أية دولة عربية في الجوار، أحرى يهزمها فلسيطينيو الأرض الذين يقتسمون معها الجغرافيا والمقدسات…!أصحاب تلك القراءات للقضية اختاروا نفقا يؤدي بالضرورة _حسب وجهة نظرهم_ للانحياز وعدم التحيز لأي طرف؛ رغم أن التاريخ والقانون الدولي يدين الواقع رغم تمدده وصلابته وشراسته أيضا !واقع الدولة المحتلة بقوة السلاح، وقوة الدعم الخفي الذي تتلقاه من “أذرعها التنفيذية” _حسب تعبير الدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري رحمه الله.
هؤلاء “القراء ” للقضية بسّطوا لأنفسهم منهجية تحليل أبعادها، إذ اعتبروا أن الأمر حرب بين “دولتين” متنازعتين على الأرض فوجب إخلاء أمر الواقع وكذا السياسة لهما لحل نزاعاتهما، أو بتعبير أدق نشر غسيلهما السياسي والانتخابي بعيدا عن هدوء العالم ووداعته، وحفاظا على أرواح “مواطني الدولتين الآمنتين”، ونسوا أن تلك الجاليات العالمية التي استقدمتها منظمات الصهيوامبريالية إلى بلاد الغير ما دفعها للمجيء مهرولة سوى الرغبة في الاحتلال وإقامة “دولة دينية” بكافة أبعادها على ما تبقى من بقايا دولة كانت منذ آلاف السنين تمتلك الأرض والتاريخ.
أصحاب” نظرية الفجوة” الذين اختاروا الوقوف على الحياد يبررون موقفهم بأن الواقع لا يمكن أن يرتفع إلا بواقع أقوى منه؛ وهذا غير ممكن _على الاقل _في نهاية هذا القرن حسبهم!مما يُرد على منهجية الفجوة هاته، أن الحق لا يتقادم وأن الأرض لأصحابها وأن أية محاولة لإزاحة أي شعب عن جذوره ووطنه ودينه ومقدساته ماهي إلا ضرب من المقامرة وإن طال الأمد.مقامرة بالأعراف الدولية، ومقامرة بالدين الذي تبنى عليه نظرية الدولة المحتلة، ومقامرة أيضا بأخلاقيات الإنسان التي راكمها منذ وُجد على وجه هذه الأرض التي احتوته بخيره وشره. ما يقع الآن ليس داخلا _بالضرورة _في قواميس المفاهيم السياسية كما أريد لها أن تُفهم، ولا ينخرط في أبعاد “حرب” طغى أحد أطرافها على الآخر والكل محتفظ ب”سيادته” على الأرض، بل الواقع الخفي المحجوب عن الأعين هو التواطؤ والعمى عن رؤية الحقيقة اللذان أديا إلى طمس هوية القضية وماهية هذه الحرب _المقدسة_التي ما يفتأ يذكّر بها الطرف المحتل والأقوى فيها، بل يمنع على الطرف الثاني _المهزوم واقعيا بلغة السلاح والواقع والتكنولوجيا _أن يتخذها حربا دينية مقدسة دفاعا عن مقدسات لطالما كانت الجامع لشتات الأمة، والدافع لانتصاراتها السياسية حينما كانت السياسة لا تنفك عن الدين والمقدسات…!
إن جهود المقاومة كما تبدو لعين المتتبع بشكلها الحالي، لا تكاد تقنع أصحاب نظرية الفجوة، إذ واقع العالم الآن تابث عندهم لا يتزحزح وإن بدا أن المعادلة بين الاحتلال والتحرير بدأت حدودها تنفلت..! تلك القراءات المنحازة الجبانة لا تدرك بُعد النصر الذي يضمنه مدبر الكون شرط تصحيح “مسار” القضية و “مطلقها” هو الحلقة التي تعزز وتبني باقي الحلقات التالية التي ستستكمل العرى التي ستطوق عنق الباطل وأهله وزيفه.لا عزاء إذن لأصحاب القراءات التائهة الذين يسقِطون من اعتبار النصر والتأييد الإلهيين باعتبارهما أس المقدسات وقطب رحى انجماع الأمة الإسلامية وإلا علامَ يجتمع المسلمون وقد اجتمع معسكر غيرهم وتكتَّل وتقوى…!؟وأخيرا، بارك الله جهود المجاهدين حتى نصر وتحرير موعودين بهما تحقيقا وإيمانا.
تعليقات الزوار ( 0 )