إن فرض التأشيرة خاصة بين الدول المتجاورة جغرافيا ،الذي عادة ما يتخذ طابعا تنظيميا لضبط حركة التنقل بين مواطني هذه الدول ، نجده يتخذ طابعا سياسيا بين الجزائر والمغرب حيث يرتهن عادة ليس فقط لمستويات التوتر السياسي بين البلدين بل في غالب الأحيان لحرب استخبارات بين الطرفين . ووفق هذا السياق فقد قررت السلطات الجزائرية إعادة العمل بفرض تأشيرات دخول على حاملي جوازات السفر المغربية ، من خلال بيان من وزارة الخارجية الجزائرية نقلته و سائل إعلام محلية ، مبررة هذا الإجراء، بأن ” النظام المغربي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين و انخرط في أفعال تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني ومنها تنظيم شبكات للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس في الجزائر” . ليعيد هذا الإجراء الجزائري التذكير بالاجراء الذي سبق أن اتخذه المغرب في منتصف تسعينيات القرن الماضي بفرض الـتأشيرة على حاملي جوازات السفر الجزائرية الشيء الذي ردت عليه السلطات الجزاءرية بإغلاق الحدود وفرض التأشيرة . ليقرر المغرب في سنة 2004 إلغاء التأشيرة ، لكي تقوم السلطات الجزائرية برفعها في سنة 2005/
- أحداث فندق أسني وفرض التأشيرة على حاملي جواز السفر الجزائرية
اهتزت صباح يوم الأربعاء 24 غشت 1994 مدينة مراكش، على وقع حادث اعتداء إرهابي على فندق «أطلس أسني». الذي هوجم من طرف ثلاثة مسلحين الذين أطلقوا النار بكيفية عشوائية داخله؛ وقتلوا سائحين إسبانيين، في حين تعرضت سائحة أخرى لإصابات بليغة في ساقها، فيما أصيبت موظفة مغربية بجروح خفيفة. وبعد اقترافهم الجريمة، اختطف المعتدون سيدة مغربية وسيارتها، وفروا من مكان الحادث… ويبدو أن مراكش لم تكن هي المدينة الوحيدة المستهدفة، وإنما كان مدينة فاس هي الأخرى من ضمن أهداف الإرهابيين؛ حيث اعتقل عنصران من مجموعة ثانية من الإرهابيين، قبل تمكنهما من تنفيذ عملية إرهابية في هذه المدينة . وقد توصلت الأبحاث التي باشرتها مصالح الأمن المغربية إلى وجود مخطط إرهابي أوسع، كان يستهدف العديد من المنشآت بداخل مدن المملكة الشيء الذي عكسته كميات الأسلحة والذخيرة الحية التي حجزتها تلك المصالح في عدد من المدن، مثل: فاس، وأكنول، والقنيطرة، وفي المحطة الطرقية لوجدة، وفي مقبرة سيدي اعمارة بمراكش… وخلصت التحريات الطويلة والمعمقة إلى أن جميع الأسلحة التي عثر عليها تم تسريبها من الخارج، وأن جميع المتورطين، سواء أولئك الذين ألقي عليهم القبض، أو أولئك الذين تمكنوا من الفرار، قدموا من الخارج ودخلوا إلى المغرب قصد تنفيذ مخطط إرهابي بالمملكة.كما أظهرت هذه التحريات الأمنية أنه من بين أربعة متورطين في هذه العملية، ثلاثة منهم جزائريون يحملون الجنسية الفرنسية. كما كشفت التحقيقات أن المخابرات الجزائرية هي التي صاغت المخطط الإرهابي، وهي التي دبرته، واختارت أهدافه، وجندت منفذيه تحت إشراف الجنرال العماري الذي كان آنذاك رئيسا لأركان الجيش الجزائري، والمتحكم في جهاز المخابرات العسكرية، وبالتالي فإن كل خيوط المخطط الإرهابي الذي استهدف المغرب كانت بيده.. وعلى الرغم من محاولة الحكومة الجزائرية نفي ضلوعها في هذا الحادث الإرهابي حيث أصدرت وزارة خارجيتها بلاغا ينفي «نفيا قاطعا» صلتها بالحادث معتبرا «المزاعم المغربية عارية عن الصحة». ، فقد اعترف واحد من عملاء المخابرات الجزائرية بالدور الذي قام به للتحضير لما جرى. حيث أدلى كريم مولاي باعترافه وشهادته لوكالة «قدس بريس» اللندنية، مؤكدا على أن “دائرة الاستعلام والأمن الجزائرية )DRS) ) هي التي خططت للهجوم على فندق أطلس آسني بمراكش؛ وأن “السلطات الجزائرية هي التي سهّلت ولوجه للمغرب في شهر أبريل من عام 1994 من أجل القيام بمهمّة واحدة مُحدّدة هي إعداد لوجيستيكي لعمل يروم خلق بلبلة أمنية بالمملكة المغربية”. وبالتالي فقد قررت الحكومة المغربية فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في الدخول إلى المغرب. مما دفع الحكومة الجزائرية بالإسراع بإغلاق حدودها مع المملكة وهو الإجراء الذي ظل حكام الجزائر مصرين، إلى اليوم، على عدم مراجعته لحد الآن/
- التجسس الاستخباراتي وفرض التأشيرة على حاملي الجواز المغربي
أعلنت الحكومة الجزائرية، إعادة العمل “الفوري” بنظام التأشيرة من أجل دخول التراب الجزائري، على الأجانب الحاملين لجوازات سفر مغربية على خلفية أفعال قالت إنها “تمس باستقرار البلاد وأمنه”..حيث تعتبر هذه هي المرة الثانية التي تقرر فيها الجزائر فرض التأشيرة على المغاربة، بعد قرار أول جاء طبقا لمبدأ المعاملة بالمثل سنة 1994، وذلك ردا على قرار السلطات المغربية فرض التأشيرة على الجزائريين في أعقاب تفجير فندق “أطلس آسني” بمراكش .
-التأشيرة كانعكاس لتراكم توتر سياسي بين البلدين
إن إجراء فرض السلطات الجزائرية التأشيرة على حملة جوازات السفر المغربية كان نتيجة منطقية، لأزمة ممتدة لخمس سنوات، وتاريخيا لعقود. وبهذا الصدد أشارت جريدة الخبر المقربة من مربع القرار بالجزائر بأن “النخب الحاكمة في الجارة الغربية، دعمت جماعتين مدرجتين من قبل المجلس الأعلى للأمن في الجزائر على قوائم المنظمات الإرهابية وهما “حركة رشاد” وحركة “الماك”، ومتهمتين بالتورط في إشعال الحرائق التي اجتاحت مناطق واسعة من تيزي وزو سنة 2021 وخلفت أزيد من 100 حالة وفاة، من بينها قرابة 26 عسكريا، وما انجر عنها من مآس وأبرزها مأساة مقتل الشاب جمال بن إسماعيل بطريقة همجية”..ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن “هذه التطورات، دفعت الجزائر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في أغسطس 2021، وغلق الأجواء أمام الرحلات التي تضمنها الطائرات المغربية”. مضيفة إلى أن ” الاستفزاز قد بلغ أوجه، لما استهدفت القوات المغربية، ثلاثة سائقين جزائريين في الصحراء الغربية، بقصف شاحناتهم أثناء قيامهم برحلات تجارية بين الجزائر وموريتانيا، وهي حادثة، رغم خطورتها وألمها، فضلت الجزائر التعامل معها بالتريث والاكتفاء ببيان تنديد ومباشرة إجراءات أممية ضد مرتكب الجريمة”. ونوهت الصحيفة إلى تصريحات مسؤولين من المغرب “تدعم الشعب القبائلي في تقرير مصيره”، كرد على دعوة الجزائر المتكررة إلى تسوية القضية الصحراوية.. ما دفع بالجزائر لوقف توريد الغاز نحو إسبانيا عبر الأنبوب العابر للأراضي المغربية، الذي كانت المملكة تستفيد منه بنسبة كبيرة، من خلال تأمين استهلاك داخلي، صناعي ومنزلي، يصل إلى 70 بالمائة بحسب تقديرات غير رسمية.ومن الأسباب أيضا لتوتر العلاقات بين الجزائر والرباط، مشروع الرباط لتوسيع مباني وزارة الخارجية” وشمل عقارات تابعة للجزائر، الأمر الذي اعتبرته الجزائر فصلا جديدا من التصعيد و”انتهاكاً صارخاً لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول”.
- التخوف الجزائري من اختراق استخباراتي
على الرغم من مختلف عوامل التوتر السياسي التي تراكمت بين البلدين خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة والتي دفعت بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالتصريح لقناة الجزيرة بأن العلاقات الثنائية وصلت إلى نقطة اللاعودة ، فقد تحلت السلطات الجزائرية بما وصفته جريدة الخبر بـ”سياسة ضبط النفس على مدار أشهر وسنوات ولم تتسرع في إشهار البطاقة الحمراء في وجه نظام المخزن”. لكن يبدو أن هناك عدة عوامل استخباراتية هي التي دفعت بالسلطات الجزائرية إلى اتخاذ قرار إعادة فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة تتمثل بالأساس في “تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، والسماح لأحد رموزه بالتطاول على الجزائر من المغرب. وتتابعت الأحداث بإبرام المغرب مع الكيان الصهيوني، اتفاقيات أمنية وعسكرية واستخباراتية “. بالإضافة إلى اتهام “المملكة بأنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، لما انكشف أمرها بتورطها في استخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي للتجسس الإلكتروني، لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين جزائريين، والاستمرار في تعاون وثيق بين “تل أبيب” والرباط، يتركز خاصة على الأنشطة الاستخباراتية والتجسسية”.ولعل مما ضاعف من تخوفات السلطات الجزائرية من أي اختراق استخباراتي من طرف الأجهزة الأمنية بالمغرب تفجيرات وسائل الاتصال بين قادة ونشطاء حزب الله بلبنان والتي اتهمت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالوقوف وراءها. حيث قامت السلطات الجزائرية ، بعد انعقاد الاجتماع الأخير لمجلس أمنها القومي، بالإسراع في إعادة فرض التأشيرة على حاملي جواز السفر المغربي . ولعل البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية يعكس إلى حد كبير هذه التخوفات حيث تضمن هذا البيان أن “النظام المغربي الذي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين، انخرط وللأسف الشديد، في أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني، من خلال تنظيم شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر، والتهريب والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس”، بالإضافة إلى “نشر عناصر استخباراتية صهيونية من حملة الجوازات المغربية للدخول بكل حرية للتراب الوطني”.وعلى الرغم من أن بيان الخارجية الجزائرية لم يقدم أي أدلة تدعم هذه الاتهامات، فلم يصدر لحد الآن أي تعقيب رسمي من السلطات المغربية على بيان الخارجية الجزائرية حتى الآن، ملتزمة بالصمت السياسي الذي تبنته إزاء حادث السعيدية الذي أودى بحياة مواطنين مغربيين أحدهما يحمل الجنسية الفرنسية والحكم على الثالث بعقوبة حبسية. في الوقت الذي تداولت بعض المواقع الالكترونية بالمغرب ردودا ساخرة على قرار السلطات الجزائرية فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة في سياق قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المقتصرة لحد الآن على فتح قنصليات في كلا البلدين .
تعليقات الزوار ( 0 )