قال موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، إن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل الشهر الماضي، أحدث رجة كبيرة في العالم العربي، وخاصة بين الإسلاميين.
وأوضح الموقع في تقرير له، أن الرّجة لم تنبع فقط من حقيقة أن التطبيع حدث قبل التوصل إلى تسوية بشأن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولكن أيضًا لأن الحزب الحاكم في المغرب ينتمي إلى التيار الإسلامي بقيادة زعيمه سعد الدين العثماني.
وأضاف المصدر ذاته، أن القضية الفلسطينية كانت أولوية تاريخية قصوى للحركات الإسلامية السياسية من المشرق إلى المغرب العربي، والتي تعتبرها قضية دينية وأيديولوجية وسياسية لا ينبغي التخلي عنها.
وعلى مدى عقود، استخدم الإسلاميون القضية الفلسطينية لتحقيق أهداف عدة، من بينها تعبئة الشارع العربي للوقوف إلى جانبهم سياسياً وأيديولوجياً، كما أنهم ضغطوا على الحكومات العربية لدعم الفلسطينيين وفضحوا القادة أمام شعوبهم، وحذروا من تداعيات التطبيع مع إسرائيل.
ولفت التقرير، إلى أن العثماني قبل أن يصبح رئيسًا للحكومة، إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل في ظل غياب الحقوق الفلسطينية، وكتب مقالًا بعنوان “التطبيع إبادة حضارية”، انتقد من خلاله بشدة تطبيع العلاقات بين مصر والأردن مع إسرائيل في 1979 و 1994 على التوالي.
وأبرز التقرير، أن توقيع العثماني على صفقة التطبيع مع إسرائيل لم يسبق له مثيل، وهو ما يمثل المرة الأولى التي يوقع فيها رئيس حزب إسلامي على مثل هذا الاتفاق، وبالتالي فإن التوقيع يشكك في مصداقية الإسلاميين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وانتقد الإسلاميون العرب بشدة حزب العدالة والتنمية، واتهموه بالتخلي عن القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسب سياسية، بيد أن السؤال المطروح هو: كيف يمكننا تفسير سلوك العثماني؟ وهناك العديد من الأسباب المحتملة لهذا التحول في منصبه.
خطاب السلطة
ورجح التقرير، أن انتقاله من كونه جزءًا من المعارضة إلى أن يكون في السلطة هو ما جعله “يطبع”،إذ أن خطاب الأحزاب المعارضة دائمًا ما تكون أكثر حدة من خطابها بمجرد وصولها إلى السلطة، وهذا ينطبق بالمثل على الإسلاميين والعلمانيين.
ورصد عالم الاجتماع الفرنسي أوليفييه روي هذا التحول في إحدى دراساته، حيث سلط الضوء على أنه عندما ينخرط الإسلاميون في السياسة، فإنهم يعتقدون أنه يمكنهم تغييرها، لكن بدلاً من ذلك ، يتغيرون بعد فترة وجيزة من دخولها.
وأضاف أوليفييه، أن مثل هذه التحولات شوهدت في خطاب الإسلاميين وسلوكهم خلال السنوات القليلة الماضية، نظير مصر وتركيا والكويت واليمن والأردن والجزائر.
كما أن الإسلاميون يميلون إلى أن يصبحوا أكثر براغماتية وواقعية، والتخلي عن شعاراتهم الأيديولوجية بعد الانخراط في العمل السياسي.
ثانياً، العلاقة بين الإسلاميين في المغرب والقصر الملكي علاقة شديدة التبعية، ولا يوجد استقلال حقيقي للحكومة عن الملك، وفق تعبير الصحيفة.
وعلى الرغم من التعديلات الدستورية لسنة 2011 التي أعطت المزيد من الصلاحيات لرئيس الحكومة، إلا أنه لا يزال تابعًا ومنفذًا لإرادة الملك، كما يمكن للحاكم حل الحكومة والدعوة إلى انتخابات جديدة إذا كان ذلك في مصلحة البلاد.
ومنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، لم يتمكن من تحدي إرادة الملك، أو تحظي المؤسسات الملكية بدرجة من الاحترام بين المواطنين المغاربة الذين يعتبرونها صمام أمان لوحدة البلاد وجزءا من تقاليدها التاريخية حتى لو خالفوا سياسات الملك.
فرصة تاريخية
وأبرز التقرير أن العامل الثالث، يكمن في الصحراء الغربية المتنازع عليها، حيث اعترف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بسيادة المغرب مقابل صفقة التطبيع مع إسرائيل.
وبالنسبة للمغرب، كانت هذه فرصة تاريخية قد لا تطفو على السطح مرة أخرى، كما أن الأمم المتحدة لاتزال تحاول حل النزاع من خلال تنظيم استفتاء للسكان الصحراويين على الحكم الذاتي.
وأظهر حزب العدالة والتنمية من خلال أفعاله أن مصالح الوطن تتفوق على أي مصالح وقضايا خارجية، بما في ذلك القضية الفلسطينية، وتعتبر الحكومة اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية انتصارا كبيرا للدبلوماسية المغربية.
وقد يدحض موقف الإسلاميين في المغرب فيما يتعلق بإسرائيل العديد من الكليشيهات والصور النمطية عن الإسلاميين.
ويظهر أن الإسلاميين العرب ليسوا كتلة واحدة، وأن هناك اختلافات كثيرة بينهم، خاصة فيما يتعلق بالآراء السياسية، لذلك يجب تجنب التعميمات عند تقييم مواقفهم من القضايا السياسية سواء في الداخل أو الخارج، كما لا يوجد إجماع بين الإسلاميين في المغرب على التطبيع مع إسرائيل.
وفي هذا السياق، نددت حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بالتطبيع مع إسرائيل وأصدرت بيانًا تندد فيه بتوقيع العثماني على الصفقة.
وفي الوقت نفسه، سقط المفهوم القائل بأن الإسلاميين لا يؤمنون بإطار الدولة القومية، ففي العقود الأخيرة، اتُهم الإسلاميون بالتركيز على مصالح الأمة الإسلامية أو الخلافة وعدم احترام الدولة القومية، وقد ثبت أن هذا غير صحيح، كما يتضح من موقف الإسلاميين في المغرب.
الحسابات السياسية
من الواضح أن موقف حزب العدالة والتنمية يتفق إلى حد كبير مع موقف الدولة المغربية، وهذا واضح أيضاً في موقف الإسلاميين الجزائريين الذين رفضوا الإعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
ونددت حركة مجتمع السلام الإسلامية الجزائرية بالتطبيع بين المغرب وإسرائيل ووصفته بأنه تهديد للمنطقة، ويتفق هذا الموقف مع موقف الدولة الجزائرية التي رفضت اعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ودعت إلى حل القضية وفق قرارات الأمم المتحدة.
وأضاف التقرير، أنه من الواضح أن مواقف الإسلاميين في المغرب والجزائر تعكس حساباتهم السياسية الخاصة، بما يتماشى مع حسابات دولهم الوطنية.
كما أن الصراع مع إسرائيل، لم يعد يحتل نفس الاهتمام والمساحة في أجندة الإسلاميين كما كان قبل عقود، وأصبحت القضايا المحلية مثل الاقتصاد والتعليم والصحة والفساد تهيمن على أجنداتهم السياسية، ولا شك في أن تطبيع حزب العدالة والتنمية مع إسرائيل سيكون له عواقب على مستقبل الحزب السياسي.
وأشار التقرير، إلى أنه قد يتعين على الحزب دفع الثمن باهظا، سواء من حيث الخسائر الانتخابية أو من حيث شعبية الحزب على نطاق أوسع.
وتعرض الحزب الأسبوع الماضي لهزيمة مفاجئة في منطقة الرشيدية جنوب شرق المغرب، ليحتل المركز الثالث بعد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار.
وخلص التقرير ذاته، إلى أنه من الواضح أن انخراط الإسلاميين المغاربة في قضية التطبيع مع إسرائيل سيكون له تداعيات كبيرة، مما يثير تساؤلات -ربما لأول مرة – حول مصداقيتهم والتزامهم بالقضية الفلسطينية.
تعليقات الزوار ( 0 )