استضاف مختبر الدراسات السياسية والقانون العام برحاب جامعة سيدي محمد بن عبد الله، نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في سياق افتتاح سلسلة حوارات الجامعة مع الفاعلين السياسيين، وذلك يوم 31 مارس 2021 على الثالثة زوالا، بمركز الندوات والتكوين التابع للجامعة، حيث حضر في هذا الحوار الأول كل من الدكتور رضوان المرابط رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس؛ والدكتور محمد بوزلافة، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس؛ والدكتور سعيد الصديقي، مدير مختبر الدرسات السياسية والقانون العام؛ إضافة إلى عدد من أساتذة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية والطلبة الباحثين بسلكي الدكتوراه والماستر.
وافتتح هذا اللقاء العلمي الذي يهدف إلى انفتاح الجامعة على الفاعلين السياسيين، بكلمة لعميد الكلية الدكتور محمد بوزلافة، التي أكد فيها على أهمية انفتاح الجامعة على محيطها وانخراطها في النقاش العمومي الذي يهم مختلف القضايا الوطنية، كما قدم مدير المختبر الدكتور سعيد الصديقي كلمة تعريفية بسياق هذا اللقاء الأكاديمي والغاية منه، مذكرا بأن الهدف من سلسلة حوارات الجامعة هو تعزيز موقع الجامعة كفضاء للنقاش العام ومحصنا له، وذلك من خلال استدعاء جل الفاعلين السياسيين والمدنيين بغية محاورتهم عن قرب والاستماع إليهم من طرف الطلبة الباحثين، مع خلق جسر للتواصل بين المؤسسة ومحيطها.
وسير أطوار هذا الحوار الأول الدكتور أمين السعيد أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، حيث قدم في بداية النقاش ورقة تعريفية بمسار الأمين العام لحزب “الكتاب”، نبيل بن عبد الله، وشاركت أيضا الدكتورة فتيحة البوشتاوي أستاذة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، في محاورة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، ليعلن افتتاح الحوار من خلال تقسيمه إلى ثلاثة محاور رئيسية، الأول عن البرنامج الانتخابي، والثاني عن تصور الحزب لحقوق الإنسان والحريات العامة بالبلد، والثالث عن إصلاح منظومة التربية والتكوين.
وطرح كل من الأستاذ أمين السعيد والأستاذة فتيحة البوشتاوي عدة أسئلة طيلة فترة النقاش المتعلق بهذا المحور، وهي أسئلة ارتبطت بالأساس بالبرنامج الانتخابي، التنسيق الثلاثي بين أحزاب المعارضة (التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال وحزب الاصالة والمعاصرة)، طبيعة موقف حزبه من الأصالة والمعاصرة، أزمة الثقة السياسية، مدى تأثير الفاعل السياسي في الزمن الاستثنائي، الترحال السياسي، العلاقة بين النموذج التنموي وبرامج الأحزاب واللوائح الوطنية وإشكالية الريع، التمثيلية.
وقال بنعبد الله، ردّاً على أسئلة المحور الأول: “أين نحن من النقاش السياسي في المجتمع المغربي والانتخابات على الأبواب؟ أين نحن من المشاريع السياسية؟”، مؤكدا في مداخلته بأن حزبه يعارض التوجهات التي تدفع في اتجاه منع النقاش السياسي، وموضحا بأن حزبه بمعية أحزاب المعارضة، بعث رسالة إلى رئيس الحكومة، لطلب لقاء حول التحضير للانتخابات، كما أشار إلى أن الانتخابات هي محطة لإفراز التصورات والبرامج وطرح النقاش العمومي، وهي محطة أيضا للمحاسبة، لكنه أقر بأن هناك أزمة ثقة في المجتمع ومشكل المصداقية بالنسبة للفاعلين السياسيين والفضاء السياسي، وهناك أيضا هوة بين الفاعلين بمختلف مواقعهم وبين المجتمع.
وسبب ذلك راجع لاعتبارات كثيرة، إذ بعدما كان هناك تقدم ملموس بعد محطة الإنصاف والمصالحة من خلال تحقيق مجموعة من المكتسبات على مستوى حقوق الإنسان، وبعدما بدأت بوادر مصالحة للمواطنين مع الشأن العام، بعد كل ذلك، ارتكبت مجموعة من الأخطاء، والممكن تقديمها على ثلاث مستويات.
الأول، حسب بنعبد الله،متعلق بالنقاش السياسي الذي كان لغاية بناء فضاء ديمقراطي يحتضن جل الفاعلين، لكن فجأة نبع توجه له تصور مفاده بأن الموجود غير صالح وبأن الأحزاب الموجودة غير قادرة على مواكبة التحولات الجديدة، وبالتالي فإن الساحة السياسية في حاجة إلى توجه جديد يستوعب هذه التحولات، وأيضا لمواجهة التوجهات النكوصية؛ ليؤكد الأمين العام بالقول بأن هذا كان خطأ فادحا، لأنه أثر بشكل سلبي على الأحزاب.
والثاني، مسؤولية الأحزاب، لأنها، وفق بنعبد الله، تتحمل جزء من المسؤولية في ما آلت إليه الأمور، إذ هناك الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها الأحزاب، فيما يتعلق الثالث بالمجتمع، إذ لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، مؤكدا قوله إنه إذا كان لابد من الديمقراطية فلابد من ديمقراطيين في المجتمع، فهناك ابتعاد عن النضال السياسي بالمفهوم المتعارف عليه داخل الأحزاب، كما هناك مسؤولية كل مواطن ومواطنة في بناء الفضاء الديمقراطي الذي نريد.
وعلاقة بموضوع انتقاده لحزب الأصالة والمعاصرة من جهة، وتغيير موقفه من الحزب من جهة ثانية، أكد بأن ذلك لا علاقة له بالتغيير الذي طرأ في حزب الأصالة والمعاصرة بعدما تم انتخاب قيادته الجديدة، بل المشكل في نظره يرجع لخطيئة النشأة، ولتوجه كانت غايته التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب ومناهضة الإسلاميين، كما أشار إلى أن الأمين العام الحالي لحزب “الجرار”، عبد اللطيف وهبي، كان ينتقد هذا التوجه داخل حزبه، وقد صادق المؤتمر الأخير بالأغلبية على توجهه بعدما تم انتخابه؛ وفي ذات السياق، دافع بنعبد الله على موقف حزبه المتعلق بالتنسيق مع الأصالة والمعاصرة في الوقت الحالي، معللا ذلك بالقول “لسنا دوغمائيين”، إذ رغم أن هناك خطيئة النشأة، فإنه إذا ما تم الاعتراف بالخطأ فيمكن التعامل مع الأصالة والمعاصرة.
على غرار ذلك، أثار الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في حديثه عن التجربة الحكومية بأن حزبه كان ينتقد أداء الحكومة حينما كان مشاركا فيها، خصوصا بعض الممارسات لمكوناتها التي كانت تتراشق بالتصريحات والتصريحات المضادة في أنشطتها الحزبية، كما كان أيضا يطالب بالإصلاح، وبعدما اتضح لهم بأن المسار متعثر قرر الخروج من الحكومة بملك إرادتهم ولم يملي عليهم أحد قرار الانسحاب من التحالف الحكومي، أما حينما خرج إلى المعارضة فقد وجد مكوناتها تشتغل على انفراد (خصوصا الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال)، وليس هناك تنسيق أو عمل مشترك بينهم، لذا فقد تم العمل على إحداث تنسيق، حيث بدا واضحا في بعض القضايا، نموذج تقديم تصور كامل لما ينبغي العمل عليه بعد مرحلة كوفيد 19، وهو التصور الذي قدم للجنة النموذج التنموي.
وقد أثار في حواره برحاب الجامعة قضية المشاركة السياسية، والتي تعد حسب نظره تحديا حقيقيا في المرحلة، إذ في ظل الظروف الحالية التي تتسم بانعدام الثقة، فمن المتوقع أن تعرف الانتخابات المقبلة أسوء مشاركة سياسية، وحتى بقراءة بسيطة للخريطة الانتخابية، فإن هناك ما يؤكد بأن نسبة العزوف سترتفع، فمثلا هناك ما يعرف بالخلايا النائمة والتي تصوت لحزب العدالة والتنمية، ومن المتوقع أن تدعم هذه الخلايا في الانتخابات المقبلة صف العزوف عن المشاركة الانتخابية، كما هناك ما يعرف بالكائنات الانتخابية وهي فئة غير مستقرة في تصويتها، لكنها غالبا ما تميل إلى أحزاب معينة، أما المصدر الثالث فهي الفئة التي تصوت على البرامج والأفكار أي ما يعرف بالتصويت السياسي، لكن لابد من الوقوف على حقيقة أن أكثر من نصف المسجلين لا يصوت، وهذه مسؤولية تتحملها الدولة والأحزاب.
الأمر الذي يتطلب إيجاد حل لهذا الإشكال، وذلك من خلال طرح نقاش عمومي حول التحديات الأساسية المقبلة التي تهم المواطن/ة، بما في ذلك التحديات المتعلقة بكل مجال معين، كالقضايا التنموية وإشكالية السكن والتعمير والنقل العمومي وغيره.. كما دافع على طرح تنظيم الانتخابات المحلية والجهوية والوطنية في يوم واحد.. إلا أنه أكد بأن هناك بعض الممارسات التي تسيء للأحزاب، بما فيها تلك المتعلقة بالترحال السياسي.
من جانب أخر، جادل الأمين العام بكون تقديم تصور حول النموذج التنموي من طرف اللجنة المعنية لا يعني بأن على الأحزاب أن تتخلى على برامجها، فهذا النموذج التنموي الجديد هو أولا سيكون نتيجة تجميع تصورات وأفكار وأراء لمجموعة من الفاعلين الذين استمعت إليهم اللجنة لغاية وضع تصور متناغم ومتناسق، وثانيا لن يكون بمثابة الدستور، فهو نموذج لن يلغي أهمية البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، بل ستحتاج هذه الأحزاب لبرامج انتخابية بغية أن تحاسب عليها يوم الاقتراع، منبها إلى الخطاب الذي يبخس دور الأحزاب في الحياة السياسية، بما في ذلك الخطاب الذي يدافع عن حكومة كفاءات.
ليختتم المحور الأول من النقاش بالتأكيد بأن حزب التقدم والاشتراكية لم يحسم في العديد من المدن بشكل نهائي في اللوائح الانتخابية التي سيقدمها الحزب للترشح بالانتخابات المقبلة، وإذا كان هناك أي توجه أو ائتلاف شبابي أو نسائي له الرغبة في التقدم للانتخابات، بما في ذلك، اللوائح البرلمانية، فالحزب مستعد لتزكيته من الآن.
وفي المحور الثاني قدم الأستاذ أمين السعيد والأستاذة فتيحة البوشتاوي مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالحقوق والحريات، القانون الجنائي والإشكالات المثيرة للخلاف بين المكونات الحزبية حول مقتضياته، أسباب عدم صدوره، التحفظات على المعاهدات، إشكالية الكونية والخصوصية، هل هناك تراجعات على مستوى الحقوق والحريات خلال السنوات الأخيرة؟
وفي رده عليها، قدم بن عبد الله، رؤية حزبه لمجموعة من القضايا، من أبرزها النقاش الجاري حول القانون الجنائي والأسباب التي ساهمت في تعثر صدوره، موضحا بأن هذا القانون يعد الأرقى بعد الدستور، حيث لم تشمله تعديلات عميقة في فصوله منذ سنة 1963، بما يعني بأن مراجعته بشكل جذري هي ضرورة ملحة، خصوصا بعد صدور دستور سنة 2011، إذ لا يمكن أن يكون هناك دستور متقدم، بينما هناك قانون جنائي غير مواكب للمستجدات الدستورية، إلا أنه أقر بأن هناك أمور ثانوية ساهمت في تعثر المصادقة عليه، وهي أمور ليست ذات أهمية كبيرة بالنظر لما تضمنه القانون الجنائي المعدل من مقتضيات مهمة، لعل أهم هذه القضايا الثانوية التي أوصلت النقاش حوله بالبرلمان والحكومة إلى الباب المسدود، نجد الإجهاض، الإثراء غير المشروع، العلاقات الرضائية خارج نطاق الزواج وغيرها من القضايا.
وقد أكد الأمين العام على موقف حزبه الثابت من هذه القضايا، والذي يصطف من خلالها مع القضايا التي تناصر الحقوق والحريات، موضحا بأن علاقة حزبه مع العدالة والتنمية كانت تؤطرها ديباجة الدستور، وبأنه كان هناك تفاعل إيجابي من طرف العدالة والتنمية في العديد من القضايا المتعلقة بالقانون الجنائي، لكن تعثر النقاش وأخذ وقتا طويلا، فبدأت تبرز معه بعض القضايا الثانوية بصفتها قضايا جوهرية، بينما أكد في المسألة المتعلقة بالتحفظات، بأن المغرب له الحق في التحفظ على الاتفاقيات وفق ما يتيحه له القانون الدولي شأنه شأن باقي الدول الأخرى في العالم، لكنه أحال على ديباجة الدستور التي تعد متقدمة، مع الإشارة إلى أن التحفظ على بعض مواد الاتفاقيات الدولية لا ينفي حقيقة أن هناك تطور في الممارسة الاتفاقية، نموذج المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية سيداو.
ليختتم هذا المحور بالحديث عن الواقع الحقوقي ما بعد دستور 2011، حيث كانت هناك تطورات مهمة ودفعة قوية تمثلت بالأساس بعد إقرار دستور 2011 الذي يعد من أرقى الدساتير، لكن وقع شرخ بين الواقع وبين هذه التطورات التي حدثت على مستوى إقرار الوثيقة الدستورية. ولمعالجة هذا الإشكال، لابد من تقوية الأحزاب بغية تعزيز البناء الديمقراطي، فهذا هو السبيل الممكن أن يقوي فضاء الحقوق والحريات، لأن هذه الأخيرة مرتبطة بالبناء الديمقراطي السليم، ليوجه دعوته للعديد من الفعاليات التي تناضل من أجل الحقوق والحريات إلى أن لا يكتفي نضالها من أجل الترافع أو تغيير القوانين، بل يقتضي الأمر التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة السياسية.
وخصصت أسئلة المحور الثالث لمنظور الحزب لإصلاح منظومة التربية والتكوين، حيث طرحت الأستاذة فتيحة البوشتاوي وأيضا الأستاذ أمين السعيد أسئلة تتعلق بالقضايا المرتبطة بإصلاح المنظومة التعليمية.
وتجاوبا مع أسئلة المحاورين، أكد زعيم “الكتاب”، بأن المسألة التعليمية بالمغرب متفق عليها بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، لكن لابد من إيجاد السبل لتحقيق هذا الإصلاح، والمدخل إلى ذلك هو إشراك الموارد البشرية الموجودة في الساحة، كما أكد أيضا بأن إصلاح التعليم يحتاج إلى مصادر قرار قوية، فإذا أردنا الإصلاح لابد من حكومة وأحزاب قوية مع ضرورة الاعتماد على الفاعلين وتحسين التدبير والحكامة، مقدما لنموذج نجاح بعض الجامعات بسبب الاستقلالية التي تتمتع بها ونمط التدبير والتسيير ونوعية القيادة الناجحة والنخب التي تديرها، بينما إذا كانت الحكومة ضعيفة، لا تحاور ولا تناقش، فإنه في أحسن الأحوال ستجد وزير التعليم يواجه لوحده الإشكالات المتعلقة بالمنظومة، بينما الحكومة غائبة، بما يحيل على الإشكالات الحالية بالمنظومة.
علاوة على ذلك، دافع الأمين العام على المدرسة العمومية باعتبارها الفضاء الوحيد الممكن أن نضمن خلاله المساواة في التعليم، ولابد من تقوية وجودها مع ضمان انفتاحها، ويعني ذلك بأنه لابد من تعليم منفتح على اللغات الأجنبية مع عدم التفريط في اللغة العربية في التعليم، مؤكدا بأن هناك نوع من التضخيم في نقاش القضايا اللغوية.
ليختتم هذا الحوار بسؤال للمسير على الأمين العام حول نظرته لمستقبل الحزب بالخريطة السياسية وللعمل السياسي، هل هو متشائم أم متفائل؟ هل الحزب سيحقق تقدما في نتائجه الانتخابية مستقبلا ليصنف ضمن الأحزاب الكبرى أم العكس؟
وفي رده، أكد الأمين العام بأن حزب التقدم والاشتراكية كان متفائلا حتى في السنوات التي كان عدد من أفراد الحزب بالسجون أو المنفى، منبها إلى أن السياسة لا تمارس بالتباكي ولا بالخطاب المأساوي والتشاؤمي، منهيا مداخلته بأن الحزب يحضر بشكل جيد وتشاركي للاستحقاقات المقبلة، حيث يحاول أن يصل إلى كل فئات المجتمع، كما للحزب أمل في الحصول على تقدم ملحوظ مقارنة مع الاستحقاقات السابقة؛ ولم يترك الفرصة في الأخير من دون الإشارة إلى العنف المفرط الذي تعرض له الأساتذة المحتجين بالرباط، معربا عن رفضه التام لهذا السلوك.
تعليقات الزوار ( 0 )