ما عشناه من اكثر من ست اشهرهو الاستسلام للخوف و الاقامة في عوالم الرعب و اللا-فعل و الانحسار و التخلي عن الحياة الطبيعية , و الانسحاب من الفضاءات العامة على اعتبار انها فضاءات مسمومة و ناقلة لموت , و هو ما يشكل محنة كبيرة وبتكلفة عالية المخاطر على جميع الاصعدة . حان الوقت للخروج من تقافة الخوف لبناء تقافة الفعل و المواجهة مع وباء, لا احد يعرف متى ينتهي و حتى ان انتهي لا نعرف متى يعود , وحتى ان انتهى قد ياتي فيروس اخر , مادمت هناك بنيبة و بيئة مناسبة لانتاج الفيروسات نتيجة الخطر البيئي الذي يهدد نا جميعا . الخوف ليس حالا , بقدر ماهو رد فعل لا ينبغي ان لا تطول مدته و التي تجاوزت نصف سنة .
الوباء واقع , ومواجهته ممكنة عبر وعي المواطن الصحي والرفع من منسوب عقلانيته , ربما الدولة و عبر مؤسساتها حاولت ان تقوم بدور جهاز المناعة للمواطنيين و النتيجة كسل و تراخي عدم تقدير و تحمل المسؤولية . لا يمكن ان تظل السلطات العمومية تطارد الناس في الشوارع و الازقة و الدروب لكي يضعوا كمامة , ربما وضعوا قانون تغريم لمن لا يضعها , فالمواجهة لا ينبغي ان تتم بالعنف و الاكراه لكن بالفكر و الوعي . الدولة في تعاملها مع الوباء , طبقت المثل الايطالي ان الام النشيطة تجعل ابنتها متراخية , الوباء والجائجة لا يمكن مواجهتها عبر فعل السلطة , لكن عبر مفعول الوعي الفردي و الجماعي , بمعنى ان يصبح المواطن مسؤولا عن حماية نفسه وغيره و ليس ان تقوم الدولة بكل شئ .
ثمة فرضيات تستوقف اي متسائل حول الموضوع , ان قامت به الدولة هو مجهود مهم و جيد لاسيما في بداية الازمة من اجل احداث صدمة لدى المواطن و اخراجه من حالة اللامبالاة الى حالة اليقظة . لكن استمرار تواجد القوات العمومية يعتبر مؤشرا على سوء فهم الازمة و سوء التعامل معها للاسباب الاثية :
اولا : اضعاف الدولة , لان تواجد الدولة في كل الزوايا و المساحات و الفضاءات من شانه ان يضعفها ويشتت جهودها .
ثانيا : انهاك عناصر السلطات العمومية , حالة عياء تعم الجميع بما فيها تبديد المخزون النفسي والعضلي والفكري لهذه القوات , و هو ما قد يؤدي الى ارتفاع منسوب الاخطاء المرتبطة نتيجة الارهاق و التعب و عدم الراحة .
ثالثا : الاستمرار في الحجر على المواطن و الحجر عليه , مما يرسخ منطق عدم تحمل المسؤولية .
رابعا : ترسيخ تقافة الجبر و الالزام القسري بدل تقافة الالتزام النابع من وعي شخصي و قناعة ذاتية بمواجهة الازمة وهو ما يجعل تكلفة المواجهة خفيفة على الدولة وغير مكلفة.
خامسا : بناء شرعية رجال السلطة ينبغي ان تتم في اطار فلسفة العهد الجديد لرجال السلطة بعيدا عن منطق العنف و الصراع مع او ضد المواطن .
سادسا : مواجهة الوباء من طرف الدولة يكون من خلال الاهتمام بالقضايا الكبرى و ليس بمطاردة المواطنيين من خلال اعادة قراءة جديدة للواقع المغربي كما كشفته الجائحة .
سابعا : الجامعات و مراكز البحث مطالبة بالخروج من عزلتها و الخروج الى الواقع من اجل دراسة الواقع الجديد لاعادة ترتيب الاوليات.
وما نحتاجه , اليوم هو دولة بمفهومها السبينوزي , ان ان مشروعية الدولة تتحدد في تحرير المواطنيين من الخوف , وليس ادخالهم على عوالم الخوف , التحرير و التحرر من الخوف رهين برؤية شمولية بعيدا عن تدبير الازمة بحس امني ضيق.
تعليقات الزوار ( 0 )