قالت صحيفة “نورث أفريكا بوست” أول يوم أمس (الأحد) إنّه لا توجد مقارنة أفضل تعبيرا للوضع داخل النظام الجزائري من مشهد فيلم “تايتانيك” الشهير الذي تظهر فيه فرقة موسيقية تعزف أثناء غرق السفينة.
فبعد حوالي ثلاثة أشهر من الغياب عن البلاد، عاد الرئيس الجزئري عببد المجيد تَبُّون، ليعلن عن إصلاحات تجميلية، بما في ذلك حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة بالإضافة إلى تعديل حكومي في محاولة لوقف حركة الشباب المؤيدة للديمقراطية التي تطالب بالقطع مع النظام العسكري القائم.
وفي خطابه المتلفز يوم 18 فبراير، كان من المفترض أن يطمئن الرئيس الجزائري السكان المحبطين الذين يواجهون احتمالات قاتمة لارتفاع التضخم والبطالة والاستبداد، ولكن لم يحدث أي من ذلك. وبدا الرئيس أكثر قلقا بشأن دعم الجزائر لجبهة البوليساريو.
وفي بيان يعكس العزلة الدبلوماسية المتزايدة للجزائر وصوتها غير المسموع، أثار تبون قضية الصحراء، مؤكدا على ضرورة ما أسماه تقرير المصير للشعب الصحراوي ووصف الأراضي المغربية بأنها آخر مستعمرة في إفريقيا.
ومع استمرار الرئيس الجزائري والدبلوماسية الجزائرية غير المسموعة في إعادة صياغة نفس الدعاية القديمة للحرب الباردة، أدركت الأمم المتحدة والقوى الدولية بالإضافة إلى عدد متزايد من الدول الأفريقية عدم جدوى خيار الاستفتاء وشجعوا الأطراف، بما في ذلك الجزائر، على التفاوض لصالح الحل السياسي المربح للجانبين والذي يقول المغرب إنه لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال اقتراح الحكم الذاتي.
في الصدد ذاته، يُقدم الأستاذ الباحث ورئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق بفاس رشيد المرزكيوي، قراءته الخاصة حول غرق السفينة التي يقودها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي يعتبر من أعمدة النظام العسكري المخابراتي في الجزائر، حيث شغل عدة مناصب إدارية وسياسية ووزارية منذ كسبه لثقة الجيش.
وأكد المرزكيوي، أنّ تبون من الوجوه المعروفة في عهد الرئيس بوتفليقة، هذا الأخير الذي حكم البلاد لعشرين سنة كاملة كدمية تحركها يد العسكر، وأنه بعد أقل من سنة بعد إنتخاب الرئيس تبون سيدخل في دوامة الأمراض والتنقل بين المستشفيات تاركا البلد كالعادة لتحكم الجيش.
وأوضح الباحث السياسي، ضمن تصريح أدلى به لـ”بناصا” أنّ الشعب الجزائري حمل مرارا شعار “أين الرئيس؟” ومنذ بضعة أيام فقط بعد عودته من غياب طويل أدلى الرئيس، الذي بدا مريضا ومنهكا، بتصريحات مملاة عليه، تتعلق بدعم المرتزقة والدفاع عن وهم الجمهورية الصحراوية، مدعيا بأن الصحراء المغربية هي آخر مستعمرة في إفريقيا، ومروجا لأفكار وهمية عفا عنها الزمن وتجاوزها المجتمع الدولي.
وأضاف المصدر ذاته، أن تبون ظل يردد شعارات من قبيل تنظيم الإستفتاء، وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وإحتلال المغرب لمنطقة الصحراء، إذ أن هذه التصريحات جاءت في وقت يعرف فيه الشارع الجزائري غليانا منقطع النظير بسبب معاناة أبناء الشعب الجزائري من الفقر المدقع والعوز والفاقة والتهميش والبطالة.
وأبرز المرزكيوي، أن هذه التصريحات كانت وراءها عدة عوامل وأسباب موضوعية، أولها أن الرئيس تبون لا يمثل الشعب الجزائري، ولا يعبر عن صوت الأمة الجزائرية، وإنما يمثل نظام العسكر الذي وضعه على رأس الدولة بناء على إنتخابات يتحكم فيها الجنيرالات ورجال السلطة والمخابرات التابعين للمؤسسة العسكرية. كما يمثل الطبقة السياسية الفاسدة المتحالفة مع الجيش، والتي تسيطر على خيرات البلد وتتحكم في ثروات الدولة وتعيش على ريع البترول والغاز.
ولفت الحلل السياسي، إلى واقعة ترشح بوتفليقة (الملقب بالرئيس المستورد) للإنتخابات الرئاسية عام 1999 والتي أدت إلى إحتجاجات صاخبة قادها الفقراء من شعب الجزائر، فقد أُتهم الجنيرالات حين ذاك بالتدخل السافر في العملية الإنتخابية وبالعزم على تزوير الإنتخابات لصالح بوتفليقة. وهذا ما جعل المرشحين الستة للرئاسة، آنذاك، ينسحبون كلهم تاركين المجال فارغا للرئيس المستورد.
والرئيس الجزائري اليوم، لا يختلف عن سابقه، وليس من إنشغالاته إرساء مبادئ الديمقراطية ودولة الحق والقانون ودولة المؤسسات ومحاربة الفساد والرشوة، بقدر ما تنصب إنشغالاته الأساسية على معاداة المغرب وإثارة العداء والحقد والجفاء بين الشعبين الجارين الشقيقين وتعميق جراحهما، يردف المصدر ذاته.
وأضاف، أن العامل الثاني هو أن النظام العسكري في جزائر اليوم، بطبيعته نظاما ديكتاتوريا لا تهمه مطالب الشعب والحراك، ولا يهتم بمصير الملايين من الفقراء والمعوزين، فقادة الجيش الجزائري يسيطرون ويتحكمون تماما وكليا في عجلة الإقتصاد الجزائري، ويملكون أكبر الشركات المسيطرة في مجال الإنتاج والتصدير والاستيراد، ويملكون حتى الشركات المنتجة للمواد والمنتوجات الأساسية الضرورية لبقاء المواطن الجزائري على قيد الحياة.
واسترسل المتحدث ذاته، أنه ليس من هموم الجيش تحسين ظروف عيش الجزائريين وحماية حرياتهم الأساسية وحقوقهم الإقتصادية والاجتماعية وضمان حقوقهم في العيش بكرامة، وإنما كل ما ينشده الجيش هو البقاء في السلطة والتحكم في مقاليد الحكم لتعميق التجويع والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي كإحدى أهم وسائل التحكم والهيمنة.
والشعب الجزائري يعرف جيدا أن البوليساريو لم تعد لها أية مشروعية دولية وأن عصابات البوليساريو تعيش عالة على الشعب الجزائري وتقتات من رغيفه. والعسكر ينفقون بسخاء على البوليساريو بدءا من مواد الإعاشة، مرورا باللوجستيك والتمويل العسكري، وصولا إلى تمويل بروباغاندا البوليساريو وأداء فواتير تنقلات قادة المرتزقة ودفع أجور سفرائهم المزعومين.
ويرى المرزكيوي، أن العامل الثالث هو البحث عن عدو خارجي يعتبر أمر حيوي ومصيري لنظام الجنيرالات، فالنظام الجزائري يعرف أن لا شرعية له سوى شرعية القوة، وقد لاحظنا ذلك في طبيعة الشعارات التي يجهر ويصدح بها المحتجون في الحراك الجزائري، بما فيها “المطالبة باستقلال الشعب الجزائري ورحيل نظام العسكر”، وهو شعار لم يحمله أي حراك شعبي في كل الدول التي عرفت ما سمي بالربيع العربي.
ومن ثمة فإن الوحدة الوطنية في الجزائر مفقودة، ولا وجود لروابط الولاء بين الشعب والنظام الحاكم. ولكي يحاول نظام الجنيرالات خلق هذا الخيط من الولاء والسعي عبثا إلى تحقيق إجماع وطني جزائري، لا بد له أن يبحث عن عدو خارجي وتصدير الأزمة، وهذا العدو المفترض لن يكون إلا المغرب.
وشدّد المحلل السياسي، على أنّ الهزائم الدبلوماسية لا تنتهي للنظام الجزائري، سواء على مستوى الاتحاد الإفريقي أو على مستوى الاتحاد الأوربي أو على المستوى العربي أو على مستوى الأمم المتحدة. هذا أمام النجاحات المستمرة للدبلوماسية المغربية في كل المنتديات الدولية.
وفي هذا السياق، أشار المصدر ذاته، إلى بعض النكسات الدبلوماسية لفهم جيد لطبيعة التصريحات الرئاسية للسيد “تبون”، المعادية للمغرب ولحقوقه المشروعة، منها القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2548 الذي ذكر الجزائر بالإسم لخمس مرات باعتبارها تلعب دورا مهما في النزاع المفتعل حول الصحراء، في الوقت الذي تدعي فيه الجزائر أن لا علاقة لها بهذا النزاع.
كما أن القرارين الصادرين في سنة 2020 عن برلمان الاتحاد الأوربي حول إدانة الإنتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في الجزائر. ومن المعروف أن الجزائر اتهمت المغرب بأنه وراء هذين القرارين، وتراجع العديد من دول العالم في أمريكا اللاتينية وأفريقيا عن الاعتراف بالجمهورية الوهمية وسحب إعترافها بالكيان المزعوم. وهي دول كانت إلى عهد قريب من معاقل الجزائر ومرتزقة البوليساريو، كلها عوامل لهذا العداء.
وأضاف، أن الفشل الذريع للجزائر والبوليساريو في المؤامرة التي كانت قد حاكتها في قضية الكركارات، والتي تحولت فيما بعد إلى نصر ساحق للمغرب بفضل حكمة ورصانة تدخل الجيش المغربي لتحرير المعبر الدولي من قطاع الطرق، وأن الجزائر والبوليساريو في إيهام وتظليل العالم بأن الحرب في الصحراء قاد إستعرت، بينما لم تهتم أية قناة دولية بنقل هذا الخبر الزائف.
كما أن فتح حوالي عشرين دولة لقنصلياتها في مدن مغربية في الصحراء، يضيف المرزكيوي، كانت ضربة موجعة لأعداء الوحدة الترابية، فمدن الصحراء المغربية اليوم تعرف إزدهارا ونموا ونهضة كبيرة، مقابل بؤس الخيام والبيوت الحجرية في تندوف.
وعرفت الدبلوماسية الجزائرية تخبطها عشوائيا إثر صدور القرار الرئاسي الأمريكي باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على كل صحراءه، كما أن الأزمة التي تعرفها اليوم الجزائر بشأن عجز حكومة العسكر عن توفير التلقيح ضد وباء كورونا لمواطنيها، وسارت تستجدي بعض الدول كروسيا ومصر لمدها ببعض الجرعات التي لا تكفي سوى للمسؤولين الجزائريين، بينما المغرب قام بتلقيح حوالي ثلاثة ملايين مواطن تقريبا.
وخلص المتحدث ذاته، إلى أنه وأمام هذه الهزائم والنكسات الدبلوماسية المتكررة، ماذا ننتظر من نظام الجنيرالات، سوى أن يحمل الحقد ويضمر العداء لجاره الذي يسير بخطى حثيثة نحو إستكمال وحدته الوطنية بشكل نهائي، ويسير بخطى ثابتة نحو تحقيق المزيد من المكتسبات على المستوى التنموي وعلى المستوى الإجتماعي والاقتصادي وعلى مستوى بناء دولة المؤسسات ودولة القانون.
وأضاف رشيد المرزكيوي، أنّ النظام الجزائري لا يجد ما يغطي به على نكساته المتكررة، ولا يجد ما يُلهي ويشغل به الشعب الجزائري سوى إطلاق تصريحات معادية للمغرب والشعب المغربي، والمغرب البلد الشقيق الذي يتمنى كل الخير والنماء والإزدهار للشعب الجزائري لكن ليس في ظل نظام العسكر.
تعليقات الزوار ( 0 )