تبدو الحسابات الإسرائيلية حيال وباء كورونا الذي يهدِّد بتغيير النظام العالمي، مختلفةً مقارنةً بغيرها من دول العالم؛ فالاعتبارات ليست صحية اقتصادية بحتة، إنما يصعد العامل الأمني والسياسي بقوة إلى واجهة تعاطيها مع تفشِّي الفيروس؛ وهو ما انعكس على إجراءاتها حيال الوباء الذي يُصيب المئات من الإسرائيليين يوميًّا.
وبالنسبة إلى إسرائيل لا يقتصر الاستعداد على مواجهة الفيروس في النطاق الداخلي وحده، إنما ينطوي ذلك الاستعداد على حالة ترقُّب لما ستسفر عنه ارتدادات الفيروس من تغييرات في الشرق الأوسط بأكمله، كجزء من العالم المهدد بنذر التغيير رأسًا على عقب.وفي خضم الأزمة التي تعيشها تل أبيب، نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، تقريرًا مفاده أن انتشار الوباء قد يؤدي إلى نهاية الشرق الأوسط الذي نعرفه.
انهيارات محتملة
وسلَّطت الصحيفة، في تقريرها، الضوء على انهيارات اقتصادية وسياسية محتملة في دول؛ مثل: لبنان وسوريا والأردن، والتي تعيش أزمات اقتصادية قبل اندلاع أزمة “كورونا”،وطرحت الصحيفة تساؤلًا عن “مدى صمود الأنظمة في الشرق الأوسط وقدرتها على مواجهة فيروس كورونا”.
وأكملت الصحيفة قراءاتها بأن “كورونا” سيطيح بالدول الضعيفة في الشرق الأوسط؛ مثل سوريا ولبنان والعراق، كما سيخرج الشرق الأوسط من أزمة وباء كورونا بشكل مختلف عما كان عليه سابقًا؛ حيث ستسقط أنظمة وتنهار بِنى وستسود الفوضى في الدول.
وقالت الصحيفة: “يجب على إسرائيل أن تكون مستعدة لهذه السيناريوهات”
هذه الرؤية يمكن تعميمها على الأوساط السياسية في إسرائيل، ويمكن تفسير ذلك عبر قراءة تعاطي السلطات مع الوباء.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، قال في حديث إلى “كيوبوست”: “إن إسرائيل من ضمن الدول المُعَرَّضة إلى الأزمات، وهي تحاول أن لا تجعل (كورونا) يؤثر على نمط حياتها واقتصادها بشكل أساسي وقدرتها على الاستمرار وعدم الدخول في أزمة عميقة”.
وأضاف منصور أنه لو كان الأمر صحيًّا فقط لكانت إسرائيل اتخذت إجراءات مختلفة كليًّا، وكان من الممكن أن لا يصل عدد الإصابات إلى هذا الكم.
وتخطَّت الإصابات في إسرائيل حاجز الـ2400 إصابة؛ وهو العدد الأعلى في المنطقة المحيطة، بينما سجلت 5 وفيات حتى الآن. وأوضح المختص بالشأن الإسرائيلي: “إنه على مدى الأيام الماضية، يستمر كل اجتماع حكومي أكثر من سبع ساعات. وعلى الرغم من أن هناك إجماعًا من الجهات الصحية بضرورة إغلاق كامل البلاد، خصوصًا قطاع الاقتصاد والعمل؛ فإن الاجتماعات تخرج بنتيجة مخالفة”، مبينًا أن هذا يدل على أن “الأولوية لاعتبارات سياسية اقتصادية- أمنية بالأساس”.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت، الدكتور جورج جقمان، أن التغيير المحتمل ليس خاصًّا بالشرق الأوسط؛ فهذه المنطقة ليست بمعزل عن التأثير العالمي.وأضاف جقمان، خلال حديث إلى “كيوبوست”: “إنه من المتوقع أن تكون هنالك بطالة عالية في معظم الدول؛ خصوصًا الدول الأوروبية وأمريكا. أما بالنسبة إلى الشرق الأوسط فالبطالة عالية قبل أزمة الوباء”، مضيفًا: “إذا كانت الأزمة ستؤدي إلى ازدياد الفقر في دول المنطقة، فأعتقد أن هذا سيؤجج مرة أخرى فرضية الانتفاضات والثورات”.
وقال عصمت منصور: “يتم التعامل مع الفيروس في إسرائيل على أنه حدث لا يقل أهمية عن حرب عالمية، وأنه سيؤثر على أنظمة سياسية ودول عديدة”، مشيرًا إلى أن إسرائيل تتحسَّب لهذا السيناريو الذي يبحث عن مستويات عالية ويؤخذ بعين الاعتبار.
وأضاف منصور أن كل التوقعات تصب في أن “هناك دولًا سيتراجع اقتصادها بشكل كبير، وبالتالي أيضًا مكانتها وقدرتها”، لافتًا إلى أن عواقب ذلك ستكون حتى على النظام السياسي الداخلي في تلك الدول ضبط الفيروس والتعامل معه. ولا توجد دولة مركزية قوية في لبنان، وللأسف وضع الدولة لا يبشر بخير”.وبينما لا تبدو حتى آخر الأيام أية بوادر على انفراجة في أزمة الوباء، تظل الاحتمالات مفتوحة على مصراعَيها لأي تغييرات مرتقبة.
تعليقات الزوار ( 0 )