قالت مجلة “مودرن بوليسي” الأمريكية في مقال تحليلي للخبير الاستراتيجي الشرقاوي الروداني، إن المغرب، بحكم موقعه الجيوستراتيجي عند تقاطع إفريقيا وأوروبا والعالم العربي، يشكل ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي.
وأضافت، أن هذا الدور يجعل المغرب هدفًا رئيسيًا للجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل والصحراء، وعلى رأسها تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” (ISGS)، الذي يقوده أبو البراء الصحراوي، إلى جانب فصائل منشقة عن “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (GSIM) و”بوكو حرام” و”القاعدة في المغرب الإسلامي” (AQIM).
الساحل.. بؤرة الإرهاب وتحديات الأمن الإقليمي
وأوضح التحليل أن تصاعد التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل يرجع إلى التحولات التي شهدتها الحركات الجهادية منذ تسعينيات القرن الماضي.
وأدى انشقاق “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” (GSPC) عن “الجماعة الإسلامية المسلحة” (GIA) في الجزائر إلى نهج توسعي عابر للحدود، مهد لاحقًا لظهور تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي” عام 2007.
ومع تصاعد الضغوط العسكرية، بدأت هذه الجماعات في إعادة تشكيل تحالفاتها، مستغلة ضعف الدولة وهشاشة الأنظمة الأمنية في دول الساحل.
وأشار التقرير إلى أن ظهور داعش في العراق وسوريا أدى إلى انقسامات داخل الفصائل الجهادية في الساحل، حيث انشقت بعض المجموعات عن القاعدة وانضمت إلى ما يسمى بـ”دولة الخلافة”.
وفي عام 2015، أدى انشقاق داخل تنظيم “المرابطون” إلى ولادة “داعش في الصحراء الكبرى”، الذي بايع تنظيم داعش المركزي في العراق وسوريا.
داعش في الساحل.. تهديد متنامٍ
وبحسب “مودرن بوليسي”، ينشط “داعش في الصحراء الكبرى” على طول الحدود بين مالي والنيجر، ونفذ هجمات دموية، أبرزها كمين تونغو تونغو عام 2017، الذي أسفر عن مقتل أربعة جنود أمريكيين وأربعة نيجريين، مما أكد قدرته على استهداف القوات الدولية.
ورغم الضربات التي تلقاها تنظيم داعش في العراق وسوريا، إلا أنه تمكن من إعادة تنظيم صفوفه في مناطق أكثر هشاشة مثل الساحل الإفريقي.
وأشار “مؤشر الإرهاب العالمي 2023” إلى أن داعش مسؤول عن أكثر من 25٪ من ضحايا الإرهاب في إفريقيا، مع تسجيل 6800 قتيل في الساحل خلال عام واحد فقط.
المغرب كحاجز استراتيجي ضد الإرهاب
وأكد التقرير أن المغرب يمثل عقبة رئيسية أمام توسع الجماعات الإرهابية، بفضل استراتيجيته الأمنية الفعالة التي تجمع بين العمل الاستخباراتي المتطور والتعاون الدولي، إضافة إلى برامجه لمكافحة التطرف عبر المقاربة الدينية والتنموية.
ونقل التقرير عن مصادر أمنية مغربية أن الأجهزة الأمنية تمكنت منذ عام 2002 من تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية، أغلبها على ارتباط بشبكات تنشط في الساحل وسوريا والعراق.
وفي 19 فبراير 2025، نفذت السلطات المغربية عملية نوعية ضد خلية إرهابية نشطة في تسع مدن مغربية، حيث اعتقلت 12 شخصًا وصادرت ترسانة من الأسلحة والمواد المتفجرة في مدينة الرشيدية.
وأكد التحقيق أن هذه الخلية كانت تعمل تحت قيادة مسؤول العمليات الخارجية لتنظيم داعش في الساحل، وكانت تخطط لهجمات نوعية داخل المغرب، ما يعكس حجم التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية على الأمن الوطني.
تداعيات النزاع الجيوسياسي على أمن المنطقة
وبحسب التحليل، فإن النزاع بين المغرب والجزائر يعقد المشهد الأمني في المنطقة، حيث توفر مخيمات تندوف بيئة خصبة لعمليات تهريب الأسلحة وتجنيد المقاتلين.
وأشار تقرير أممي صدر عام 2022 إلى أن أسلحة مهربة من ليبيا عبر تندوف وصلت إلى الجماعات الإرهابية الناشطة في مالي وبوركينا فاسو.
نحو استراتيجية أمنية شاملة
وخلص تقرير “مودرن بوليسي” إلى أن مواجهة الإرهاب في الساحل تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل تعزيز التعاون الاستخباراتي، حيث يقترح بعض الخبراء إدراج المغرب ضمن شبكة “الأعين الخمس” لتبادل المعلومات الأمنية.
كما شدد التحليل على ضرورة تكثيف الرقابة على الحدود وتعزيز القدرات الأمنية لدول الساحل، للحد من توسع الجماعات الإرهابية.
وفي هذا السياق، أكد التقرير أن المغرب أصبح اليوم شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة وأوروبا في مكافحة الإرهاب، بفضل تقدمه في مجال الاستخبارات والتنسيق الأمني.
وختمت المجلة تحليلها بالإشارة إلى أن المغرب، بفضل موقعه الاستراتيجي ونهجه الأمني الفعال، بات سدًا منيعًا أمام توسع الإرهاب في شمال إفريقيا وأوروبا، لكن هذا النجاح يجعله في الوقت ذاته هدفًا رئيسيًا لهجمات “داعش في الساحل”، مما يتطلب تعزيز التعاون الدولي لمواجهة الخطر المتنامي الذي يشكله الإرهاب العابر للحدود.
تعليقات الزوار ( 0 )