في ظل التوترات التاريخية والتنافس الجيوسياسي والاقتصادي بين المغرب والجزائر، أصبحت العلاقات بين البلدين عاملًا حاسمًا في تشكيل بيئة الأعمال في شمال إفريقيا.
ووفقًا لتقرير بريطاني حديث، فإن النزاع حول الصحراء الغربية المغربية يظل المحور الرئيسي لهذه التوترات، مما يخلق تحديات وفرصًا للمستثمرين الدوليين الذين يسعون للعمل في المنطقة.
وأشار تقرير “كنترول ريسك” إلى أن المغرب يدعم خطة الحكم الذاتي تحت سيادته، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو الانفصالية سياسيًا وماليًا وعسكريًا، موضحة أن هذا الانقسام ليس فقط قضية إقليمية، بل له تداعيات دولية واسعة، خاصة مع تزايد دعم دول مثل إسبانيا وفرنسا لموقف المغرب.
وفي مارس 2022، أعلنت إسبانيا دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، مما أدى إلى تحسن كبير في العلاقات الثنائية بين الرباط ومدريد. ومع ذلك، ردت الجزائر بتجميد اتفاقياتها التجارية مع إسبانيا، مما أثر على أكثر من 600 شركة إسبانية وتسبب في خسائر تقدر بـ 600 مليون يورو.
وعلى الرغم من ذلك، استمرت الجزائر في توريد الغاز لإسبانيا، مما يعكس استراتيجية انتقائية في استخدام الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية.
فرنسا تدخل على الخط
وفي يوليو 2024، أعلنت فرنسا دعمها الكامل لخطة المغرب، مما أدى إلى تصعيد التوترات مع الجزائر، وردت الجزائر باستدعاء سفيرها من باريس وفرض قيود تجارية غير رسمية على الشركات الفرنسية، بما في ذلك استبعادها من المناقصات الحكومية. كما اتهمت الجزائر الاستخبارات الفرنسية بتجنيد عناصر لزعزعة استقرارها، مما زاد من حدة الأزمة الدبلوماسية.
ومن جهة أخرى، عززت فرنسا علاقاتها مع المغرب، حيث وقعت شركات فرنسية صفقات بقيمة 10 مليارات يورو خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الرباط في أكتوبر 2024. وشملت هذه الصفقات قطاعات مثل السكك الحديدية والطاقة الخضراء والمياه، مما يعكس جاذبية المغرب كمركز استثماري مستقر.
تداعيات على المستثمرين
وبحسب التقرير، فإن التوترات بين المغرب والجزائر تظهر كيف يمكن للصراعات الجيوسياسية أن تتحول إلى مخاطر تجارية مباشرة. ففي حين أن الجزائر تستخدم أدوات اقتصادية للضغط على الدول الداعمة للمغرب، يعمل المغرب على تعزيز علاقاته مع الحلفاء الدوليين لتعزيز موقفه.
ومن المتوقع أن يصبح المغرب أكثر حزمًا في سياسته الخارجية، خاصة مع دعم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020. وهذا الاعتراف قد يشجع المغرب على الضغط على دول أخرى لتغيير مواقفها، مما قد يؤدي إلى مزيد من الإجراءات الجزائرية الانتقامية.
وفي هذا السياق المعقد، يرى التقرير أنه يتعين على الشركات العاملة في شمال إفريقيا أن تتعامل بحذر مع هذه التوترات الجيوسياسية. ومن الضروري مراقبة التطورات السياسية والدبلوماسية، وفهم كيفية تأثيرها على بيئة الأعمال.
كما يجب على الشركات أن تبحث عن فرص جديدة تنشأ من تحسين العلاقات بين المغرب وحلفائه الدوليين، مع الحفاظ على مرونة تسمح لها بالتكيف مع التغيرات السريعة في المشهد الجيوسياسي.
وأشار التقرير البريطاني، إلى أن التوترات بين المغرب والجزائر تظل عاملًا رئيسيًا في تشكيل بيئة الأعمال في شمال إفريقيا. وبينما توفر المغرب فرصًا استثمارية جذابة بفضل استقرارها وتعاونها الدولي، تظل الجزائر لاعبًا قويًا يستخدم أدوات اقتصادية لتعزيز أهدافه الجيوسياسية.
تعليقات الزوار ( 0 )