شارك المقال
  • تم النسخ

تقرير ألماني: خطة المغرب الطموحة في استضافة الأحداث الكبرى.. رهان على المستقبل أم مغامرة محفوفة بالمخاطر؟

قالت مؤسسة “فريدريش ناومان” الألمانية، إن المملكة المغربية أثبتت أنها وجهة مميزة لاستضافة الأحداث العالمية الكبرى، وذلك من خلال تنظيم مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين في عام 2016 إلى استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030 القادمة.

وأوضح التقرير الألماني، يوم أمس (الخميس)، أن المزايا الاستراتيجية للبلاد من حيث الموقع والبنية الأساسية والاستقرار السياسي واضحة، لكن المفتاح يكمن في فهم الاستراتيجية الأساسية.

وتساءل التقرير: “لماذا المغرب استباقي للغاية في متابعة فرص الاستضافة هذه بينما تتجنبها الدول الأخرى أو لا تعطيها الأولوية؟ كيف تتناسب هذه الاستراتيجية مع الأهداف الوطنية الأوسع للمغرب، وخاصة كما هو موضح في خارطة الطريق الوطنية، نموذج التنمية الجديد (NMD)؟”.

الدوافع الاستراتيجية: ما وراء المكاسب الاقتصادية

وأضاف المصدر ذاته، أنه وللوهلة الأولى، قد يبدو سعي المغرب لاستضافة الأحداث الكبرى يركز في المقام الأول على السياحة والنمو الاقتصادي. وفي الواقع، اجتذبت أحداث مثل الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين، ملايين السياح إلى البلاد.

وفي عام 2023 وحده، اجتذب المغرب 14.5 مليون سائح، مما أدى إلى تحقيق رقم قياسي بلغ 115 مليار درهم (10.5 مليار دولار) في الإيرادات. ومع ذلك، فإن الاستراتيجية تتوسع إلى ما هو أبعد من مجرد المكاسب الاقتصادية.

وشدد، على أن حرص المغرب على استضافة هذه الأحداث هو جزء من أجندة أوسع نطاقًا لتأكيد نفسه كلاعب صاعد على الساحة العالمية، وإظهار قوته الناعمة، وبناء تحالفات جديدة. تساعد هذه الأحداث في ترسيخ دور المغرب كجسر بين أفريقيا والعالم العربي وأوروبا. إنها خطوة استراتيجية تضع البلاد كمركز للتعاون الدولي.

وبينما تبتعد بعض الدول عن استضافة الأحداث الكبرى بسبب المخاوف بشأن التكاليف المالية والتأثير البيئي، ينظر المغرب إلى هذه المنصات باعتبارها بوابة للاعتراف الدولي وفرص الاستثمار.

فهي لا تجذب الانتباه والاستثمار فحسب، بل إنها تُظهر أيضًا قدرة المغرب على التعامل مع الأحداث واسعة النطاق، مما يساعد في تقديم البلاد على أنها كفؤة وطموحة. كما أن استضافة هذه الأحداث تتوافق مع هدف أكبر – تسريع التنمية طويلة الأجل في المغرب.

وبحسب التقرير، فإن الأحداث مثل كأس العالم تشكل فرصة لجذب الاستثمار الأجنبي، وبناء البنية الأساسية، وخلق شراكات دولية تدعم الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الوطنية للتنمية: خلق فرص العمل، وتحديث البلاد، وتعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية.

هل مواءمة الأحداث العالمية مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية في المغرب: سلاح ذو حدين؟

وفي قلب خطط التنمية في المغرب، كما هو موضح في الاستراتيجية الوطنية للتنمية، يكمن الهدف في تحسين نوعية حياة المواطنين من خلال خلق فرص العمل، وتحسين التعليم، والرعاية الصحية، وتعزيز الضمان الاجتماعي.

وتساهم الأحداث الضخمة مثل كأس العالم في خلق فرص العمل المؤقتة ونمو البنية الأساسية، كما حدث في البرازيل (2014)، وجنوب إفريقيا (2010)، وروسيا (2018)، ولكن هذه المكاسب غالبًا ما تكون قصيرة الأجل.

وعلى سبيل المثال، ولّد كأس العالم في البرازيل ما يقرب من 130 ألف وظيفة بناء مباشرة و415 ألف وظيفة غير مباشرة، ومع ذلك كانت العديد منها مؤقتة، ولم يتم الاستفادة من الملاعب المكلفة بعد الحدث، مع إعادة استخدام أحدها كموقف للسيارات. لقد خلقت جنوب أفريقيا حوالي 159 ألف فرصة عمل وشهدت زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5%، ولكن التفاوت استمر، حيث استفادت تحسينات البنية الأساسية بشكل رئيسي من المناطق المتقدمة بالفعل.

وشهدت روسيا زيادة في الوظائف بنحو 100 ألف وظيفة وتوقعت زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1%. ومع ذلك، يظل السؤال الأساسي: هل تولد هذه الأحداث الفوائد المستدامة طويلة الأجل المطلوبة لتلبية الأهداف الأوسع للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة؟

خذ على سبيل المثال الاستعدادات لكأس العالم 2030. في حين أن بناء الملاعب الجديدة وتجديد الملاعب القائمة من شأنه بالتأكيد أن يخلق فرص العمل ويحسن البنية الأساسية، يزعم بعض المنتقدين أن الموارد يتم توجيهها نحو هذه المشاريع على حساب الاحتياجات الاجتماعية الأكثر إلحاحًا.

وعلى سبيل المثال، تدعو المنظمات غير الحكومية في منطقة الحوز – التي دمرها زلزال حديث – إلى مزيد من الاهتمام بإعادة بناء القرى وتحسين البنية الأساسية المحلية، مثل المدارس والمستشفيات. هناك قلق متزايد من أن التركيز بشكل مفرط على الأحداث العالمية قد يعني إهمال القضايا اليومية المباشرة.

ولا تقتصر هذه المخاوف على الكوارث الطبيعية فقط، وفي الآونة الأخيرة، في عام 2024، واجه المغرب أزمة مياه خطيرة، مع انخفاض مستويات السدود إلى أقل من 28٪ بسبب الجفاف الشديد.

ثم تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات كارثية في الجنوب الشرقي، مما أسفر عن مقتل أشخاص وتدمير ما لا يقل عن 40 منزلاً، وتسليط الضوء على ضعف البلاد في مواجهة الكوارث الطبيعية، وأثارت هذه الحوادث أسئلة مهمة حول ما إذا كان تركيز المغرب على الأحداث الكبرى يسحب الموارد بعيدًا عن تحسينات البنية التحتية الحيوية في المناطق الريفية.

وعلاوة على ذلك، فإن استضافة الأحداث الكبرى تأتي بتكلفة، ليس فقط من حيث الإنفاق المالي ولكن أيضًا من حيث التأثيرات الاجتماعية والبيئية. ويخطط المغرب لبناء ملعب كبير في بنسليمان، بالقرب من الدار البيضاء، وترقية ستة ملاعب أخرى استعدادًا لاستضافة كأس العالم 2030، كلها في مدن أكادير والدار البيضاء وفاس ومراكش والرباط وطنجة.

واستنادا إلى المصادر عينها، فقد أثار بناء ملعب كرة القدم المقترح الذي يتسع لـ 100 ألف مقعد في بنسليمان جدلاً، حيث تساءل المعلقون عما إذا كان المغرب يثق في قدرة المغرب على استضافة كأس العالم 2030.

ويرى التقرير، أن المغرب يحتاج إلى مثل هذه المنشأة الضخمة. ورغم أنها بلا شك تثير إعجاب العالم، فهل تخدم الاحتياجات الفورية للمواطنين المغاربة؟ إن التركيز الهائل على “أكبر” الملاعب، أو “أضخم” مشاريع البنية الأساسية يثير المخاوف بشأن الاستدامة، وهي ركيزة أساسية من ركائز التنمية الوطنية.

الاستدامة مقابل الصورة العالمية: توازن دقيق

إن الاستدامة هي العنصر الأساسي في التنمية الوطنية، ولكن الأحداث مثل كأس العالم لكرة القدم نادراً ما تعطيها الأولوية، فالملاعب الضخمة ومشاريع البنية الأساسية لا يتم تصميمها عادة مع الاستدامة كهدف أساسي لها، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت استراتيجية المغرب لإبهار العالم تتعارض مع أهداف التنمية الخاصة بها.

إن التحدي الذي يواجه المغرب هو تحقيق التوازن بين صورته العالمية كمركز للأحداث الدولية الكبرى وأهدافه المحلية في الاستدامة والتنمية الشاملة. إن كأس العالم 2030، على الرغم من كونه إنجازاً هائلاً، يجب أن يتماشى بعناية مع أهداف المغرب طويلة الأجل، وضمان أن تساهم البنية الأساسية والسياحة وخلق فرص العمل التي تولدها في رفاهة جميع المغاربة – ليس فقط طوال مدة الحدث ولكن لسنوات قادمة.

رؤية أكثر وضوحا: جعل الأحداث العالمية تعمل لصالح مستقبل المغرب

,إذا تم ذلك بشكل صحيح، فإن استضافة الأحداث الدولية الضخمة يمكن أن تساعد المغرب في تحقيق أهدافه الإنمائية الطويلة الأجل. والحيلة هي ضمان أن البنية الأساسية والوظائف والسياحة التي تولدها هذه الأحداث لها تأثير إيجابي دائم على البلاد. وبدلاً من بناء مرافق ضخمة للاستخدام الفردي، يمكن للمغرب الاستثمار في أماكن متعددة الأغراض تخدم المجتمعات المحلية لفترة طويلة بعد انتهاء الأحداث.

ومن المهم أيضًا مراقبة التكاليف الاجتماعية والبيئية عن كثب، حيث يجب أن تعطي مشاريع البنية الأساسية الأولوية للاستدامة وأن تفيد الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها. وهذا يعني التأكد من أن بناء الطرق والملاعب والفنادق الجديدة لا يأتي على حساب أشياء مثل الأمن المائي أو الخدمات الاجتماعية. ويتمثل التحدي الذي يواجه المغرب في إيجاد طريقة لموازنة طموحاته العالمية مع الاحتياجات اليومية لمواطنيه.

وأشار التقرير الألماني، إلى أن الاستضافة المشتركة لكأس العالم 2030 هي إنجاز رائع للمغرب ولا شك أنها تجلب الفرص، ومع ذلك، يجب طرح أسئلة حاسمة حول التأثير الحقيقي لهذه الأحداث.

ولكن هل استضافة مثل هذه الأحداث الضخمة تنسجم حقا مع الأهداف التنموية الأوسع نطاقا في المغرب، أم أنها قد تؤدي إلى تحويل الانتباه والموارد عن احتياجات أكثر إلحاحا؟ ومع استمرار المغرب في تقديم عطاءات لاستضافة الأحداث الدولية، يتعين عليه أن يضمن أن تساهم هذه الجهود في تحقيق الرخاء والرفاهية الشاملة لمواطنيه، وتحقيق التوازن بين الطموحات العالمية والواقع المحلي.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي