تشهد الجزائر جدلاً سياسياً لافتاً ،بسبب تعيين مزدوجي الجنسية في مناصب حكومية عليا ، في وقت ينص فيه دستور البلاد على أن التمتع بالجنسية الجزائرية دون سواها شرط لتولي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية.
وتسبب تعيين الإعلامي سمير شعابنة في منصب وزير منتدب للجالية بالمهجر لغطا كبيرا خصوصا بعد رفضه التخلي عن الجنسية الفرنسية مقابل الإحتفاظ بمنصبه الجديد كوزير منتدب للجالية ، ما وضع السلطات الجزائرية في حرج كبير أمام هذا الرفض وحملته مسؤولية عدم التصريح بجنسيته الفرنسية قبل تعيينه.
وكان تعيين شعابنة وزيراً في آخر تعديل حكومي أجراه الرئيس عبدالمجيد تبون رغم إمتلاكه للجنسية الفرنسية ، بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس عبر مواقع التواصل الإجتماعي وأثارت جدلا واسعا بين الجزائريين بسبب إمتلاكه لجنسية فرنسية ورفضه التنازل عنها للإحتفاظ بمنصبه كوزير منتدب للجالية بالمهجر.
و سبق قرار تعيين شعابنة في الحكومة، تعيين اثنين من الكفاءات الجزائرية مزدوجة الجنسية في مناصب عليا، منها تعيين المدير السابق لمعهد الطب في ليون الفرنسية البروفيسور كمال صنهاجي، كمدير عام للوكالة الحكومية للطاقة التابعة للرئاسة، والذي شغل أيضاً منصب نائب رئيس بلدية ليون الفرنسية، وكذلك تعيين الياس زرهوني كمستشار لوكالة الصحة الجزائرية الجديدة ، الذي يشغل منصب رئيس وكالة الصحة الأميركية ويحمل الجنسية الأميركية.
مانع قانوني
وينصّ الدستور الجزائري وفقا للمادة 63 الذي اعتمد سنة 2016، في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على أن التمتّع بالجنسية الجزائرية دون سواها، شرط لتولّي المسؤوليات العليا في الدولة والوظائف السياسية.
ويحدّد القانون الصادر في 10 كانون الثاني/جانفي 2017، قائمة هذه المسؤوليات الممنوعة عن مزدوجي الجنسية، والتي من بينها أعضاء الحكومة، ما يجعل تولّي أي مزدوج الجنسية للمنصب الحكومي مستحيلًا ما لم يتنازل عن جنسيته الثانية.
وينص القانون على التزام كل شخص مدعو لتولي مسؤولية عليا في الدولة بتقديم تصريح شرفي يودع لدى الرئيس الأول للمحكمة العليا، يشهد فيه بتمتعه بالجنسية الجزائرية دون سواها، بحيث يصبح المعني مسؤولاً أخلاقياً وقانونياً بحكم تعرضه لعقوبات في حال كان تصريحه كاذباً.
ويتعلق الأمر حسب هذا القانون بـ 15 منصباً سامياً في المؤسسات السياسية والأمنية للدولة، يمنع شغله على الجزائريين حاملي الجنسية المزدوجة، وهي رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الأمة، ورئاسة البرلمان، ورئاسة الحكومة وأمانتها العامة، والوزارات، والمجلس الدستوري، والمحكمة العليا، ومجلس الدولة، ومحافظ بنك الجزائر، وأجهزة الأمن، والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، وقيادة أركان الجيش وقيادة القوات المسلحة والمناطق العسكرية.
ودخل هذا القانون حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2017 بعد إقراره من المجلس الدستوري ، وتمّت صياغته بناءً على التعديل الدستوري الذي أُقرّ في السابع من فبراير/شباط 2016.
خرق للدستور
ويعتقد مراقبون للشأن القانوني والسياسي في الجزائر أن الرئيس عبد المجيد تبون قد يكون بهذه التعيينات، تجاوز الدستور وخرق القوانين المعمول بها بإعتبار أن المادة 63 من الدستور تمنع تعيين أي مزدوج للجنسية في المسؤوليات العليا بالبلاد .
ويقول الخبير القانوني عامر رخيلة في تصريح خص به “بناصا ” هذه التعيينات تعتبر خرقا صريحا للدستور وتجاوز فضيع للقانون ،والأمر يعد بمثابة تمهيد وتوجيه للراي العام نحو التحضير لالغاء المادة 51 من الدستور الساري المفعول ، أعني به دستور 2016 من جهة ومن جهة أخرى إن تعيين بعض مزدوجي الجنسية يمثل تراجعا عن قانون جانفي 2017 المحدد للوظائف التي يشترط في من يتولاها أن لا تكون له جنسية اجنبية.
ويضيف رخيلة ” أن ملف مزدوجي الجنسية صار معضلة سياسية قانونية في الجزائر فقد عرفت الفترة الممتدة من 1989 الى 2016 تزايد عدد المتجنسين وتسارعت وتيرة إسناد مناصب الحل والعقد لهم ،لاسيما في ميدان التسيير المالي والاقتصادي ولم يكن ذلك عفويا بل يندرج ضمن نهج مرسوم “.
وختم الخبير القانوني كلامه أن ” شعابنة لو لم يكن هناك رد من الرأي العام رافضا لتعيينه بسبب جنسيته الفرنسية ماكان ليتم الغاء تعيينه “.
الوقوع في المحظور
ويتساءل بعض المتابعين للشأن السياسي والقانوي في الجزائر عن مبررات هذا التسرع في تعيين أشخاص في مناصب عليا بالدولة من دون تحري مسبق من طرف الهيئات الأمنية المختصة والمستشارين القانونيين فيما يخص سلامة الإجراءات القانونية المتبعة في هذه التعيينات وملائمة السيرة المهنية والشخصية للمعني أو التعارض القانوني معها.
و يقول الأستاذ في القانون محمد حسان دواجي لـ” بناصا ” دستور 2016 يمنع مزدوجي الجنسية من المسؤوليات السامية كرئاسة الجمهورية و الوزرات و منصب والي و مناصب سامية في الجيش و الامن ، و مع هذا لقي الموضوع رفضا رغم التبريرات التي سيقت لهذه المادة من باب حماية الوطن و ضمان الولاء.
ويتابع دواجي كلامه بالقول أن ” تعيين سمير شعابنة في منصب وزير مؤخرا او كاتب دوله حامل لجنسية فرنسية فالأمر اولا غير مطابق للدستور كما أنه من حيث الشكل كان لا بد من التاكد من استفاء الشروط الدستورية قبل تعيين اي شخص في منصب المسؤلية الوزارية رغم التوقعات التي ترى انه يمكن تعديل هذه المادة و حصرها في مناصب محدودة و هذا حتى تستفيد الجزائر من الكفاءات المختلفة التي تحمل جنسية ثانية و ربما يتم تحديد شروط معينة يجب ان يستوفيها الشخص المرشح لمنصب ما من حاملي الجنسية الثانية”.
مطالب بإلغاء المادة 63 من الدستور
يعتقد المحلل السياسي والبرلماني السابق عدة فلاحي في حديث لـ “بناصا”، أن التعيين في مناصب عليا في الدولة يتطلب بعض الإجراءات الإدارية والأمنية والقانونية يتم من خلالها البحث في سوابق الأشخاص، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة في مساراتهم، وتساءل كيف لشخصية إعلامية معروفة لدى العام والخاص بأنه يمتلك جنسية ثانية فرنسية ،ولا تعلم الجيهات المسؤولة ذلك ؟
وأكد المحلل السياسي أن شعابنة سبق وان صرح بامتلاكه جنسية أجنبية ، وإعتبر أن الخطأ قاتل يتحمل مسؤوليته الطرفان، الجهة التي لها سلطة التعيين التي قلته منصبا دون تقصّ في حيازته لجنسية فرنسية ، وأيضاً شعابنة الذي قبل المنصب وهو على راية بأن القانون يمنع ذلك ما غعتبره فلاحي خرقا للقانون من الجهتين مادام ان المادة صريحة في الدستور الجزائري.
ويواصل فلاحي حديثه على أن الوقت الحالي يستدعي مراجعة فورية من المشرع الجزائري للقوانين الحالية للسماح للإطارات الجزائرية بالمهجر الحاملة لجنسيات أخرى ان تتقلد مناصب سامية في الحكومة آملاً أن يتم إلغاؤها في التعديل الدستوري المقبل من اجل إعادة الاعتبار للجزائريين بالمهجر للاستفادة من خبراتها ومهاراتها العلمية كغيرها من أبناء الجزائر الذين يتمتعون بكامل الحقوق.
مساع لإلغاء القانون
الماةة 63 (51 سابقا) من الدستور التي تحرم الجزائر من العديد من الكفاءات كونها تمنع مزدوجي الجنسية من تقلد مناصب سامية في الدولة، يسعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تيون أن يعدلها في الستور الجديد وفق ما تم طرحه بمسودة الدستور محل الإثراء والنقاش في المدة الاخيرة تنفيذا لوعده الإنتخابي قبل فوزه برائسة الجمهورية حين تعهد لأبناء الجالية الجزائرية بالمهجر بإلغاء هذه المادة للإستفادة من نفس الحقوق التي يتمتع بها باقي الجزائريين.
وسبق و أن صرح الرئيس تبون قائلا أن ” المهاجرين من أصل جزائري بالخارج لهم مكانة كاملة هنا، ونحن نسعى لأن لا يكون هناك فارق بين المواطنين المهاجرين ومنهم هم في البلد فلهم نفس الحقوق والامكانيات سواء كانت هجرتهم مؤقتة أو نهائية الى الخارج يبقى بلدهم الأصلي هو الجزائر وهم مرحب بهم فيه”.
في المقابل، أكد رئيس الدولة أن “بعض المناصب الحساسة جدا والتي تمس بالأمن الوطني لا يمكن أن تكون متاحة لأي كان”.
تعليقات الزوار ( 0 )