Share
  • Link copied

تطوّر المراسلة.. من “النّبرات الصّوتية” إلى “تطبيقات التّراسل الفوريّ”

يحتفي العالم بعد بضعة أيام، بيوم البريد، تذكيراً بقيمته، وتثميناً لدوره الفعال في التواصل مع باقي أفراد المجتمع البشري، عبر التاريخ، بداية بوسائل بدائية، ووصولا إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري. رحلة طويلة اجتازتها الرسالة.

استعمل الإنسان قديماً العديد من الوسائل من أجل التواصل، حيث كان الخوف والنميمة، حسب الأنثروبولوجيين، العاملان الأساسيان اللذان أجباره على البحث عن سبل لربط الاتصال بباقي الأشخاص، سواء تعلق الأمر بالإخبار عن فعل قام به طرف آخر، أو باستنكاره، أو بالتحذير من خطر قريب يهدّد المجموعة.

نبراتُ الصوت والرّسم على الحجر

أولى وسائل التواصل، والتي ظهرت مع ظهور التجمعات البشرية الأولى على الكوكب، ويرجعها بعض الباحثين إلى مراحل جد مبكرة من تطور الإنسان، حيث كانت حافزها الأساسي، التحذير من مخاطر الحيوانات المفترسة التي يمكن أن تشكل تهديدا على القبيلة.

النميمة هي الأخرى، والتي يعتبرها آخرون المصدر الأول لحافز تكوين لغة للتواصل بين الجنس البشري، كان لها دور مهم، فقد كان الأشخاص يحاولون الإخبار عما يدور في القبيلة، حيث لا يختلف الأمر، وفق مجموعة من الأنثروبولوجيين عن تجمع بعض النساء قرب منازلهم للحديث عن مستجدات الجيران والحي، أو عن تلك التجمعات التي يقوم بها الرجال في المقاهي.

في يوليوز من سنة 2012، اكتشف فريق من من علماء الآثار البرلطانيين، رسومات تعود إلى العصر الحجري القديم، في منطقة إل كاستيلو بشمال إسبانيا، ويرجع تاريخها التقريبي إلى أزيد من 40 ألف سنة، وتظهر هذه اللوحات البالغ عددها 50، مجموعة من الأيدي وبعض الحيوانات مثل الثور والغزال وغيرها، ما جعلها تعدّ من أقدم وسائل التواصل بين الناس.

الكتابة المسمارية والرّسل

وقبل ما لا يقل عن 3000 سنة قبل الميلاد، استطاع السومريون، وهم سكان ما بين النهرين، اختراع أسلوب جديد من التواصل، عرف فيما بعد بالكتابة التصويرية أو الكتابة المسمارية، حيث كان الشخص يدوّن نقوشا على ألواح من الطين أو المعادن أو الشمع أو الجلود وغيرها.

وانتقلت الكتابة المسمارية، من منشئيها السومريين، إلى الشعوب والقبائل التي غزت المنطقة، وأولها الأكاديون، قبل أن تتطور خلال الحقبة البابلية إلى أنواع جديدة، كما اعتمدت الحضارة الآشورية هي الأخرى على هذا النوع من الكتابة في سجلاتها القانونية ومراسلاتها، لتواصل “المسمارية”، الانتشار في شرق آسيا.

وخلال تحول النبرات والأصوات إلى كتابات ورموز على الألواح والجلود، اعتمد الملوك والرؤساء على رسل من أجل تسريع عملية إيصال مراسلتهم للمتلقي، حيث كان يتكلف شخص أو أشخاص، بنقل رسالة المرسل صوب المرسل إليه، سواء على الأقدام، أو باستعمال الدواب مثل الحمير والفرس والجمال.

الحمام سريع ولكن..

بطءُ الرّسل في إيصال الرّسالة، وتأخرهم، زاد الحاجة إلى وسيلة أسرع، ليظهر الحمام الزاجل في الواجهة، حيث يرجع الباحثون أول استعمال له، إلى سنة 776 قبل الميلاد في مدينة أولومبيا اليونانية.

بالرغم من ظهور الوسيلة الجديدة، إلا أن الرّسل لم يختفوا، بل ظلوا مستمرين، نظرا لعدم وصول عدة رسائل عبر الحمام الزاجل، بسبب صيدهم في الطريق، إما من الإنسان، أو من أي حيوان آخر.

في ظل هذا الوضع، قرر داريوس الأول، ثالث ملوك الإمبراطورية الفارسية، إنشاء طريق ملكي يربط بين المناطق التي كانت تابعة له وقتها، وهو ما سهّل الأمر على الرّسل، الذين كانوا يعانون من صعوبة المسالك، بالإضافة إلى التهديدات التي يمكن أن تعترضهم بها.

“تلغراف” و”هاتف” وغيرهما..

باستثناء تقنية الدخان المتقطّع التي استخدمها الصينيون من أجل التحذير، وتحول الكتابة من الجلود والصخور والألواح إلى الورق، فلم يعرف العالم أي تغيير في وسائل التواصل لحوالي 20 قرنا، إلى غاية سنة 1844، حين بدأ استعمال الإشارات الكهربائية في الاتصال عبر جهاز “التلغراف”.

وبعدها بـ 32 سنة، اخترع غراهام بيل، الهاتف، ليجري أول مكالمة هاتفية بالصوت، قبل أن يظهر الفاكس في سنة 1966، والذي مكّن الإنسان من إرسال رسائل مكتوبة عن بعد.

القفزة النوعية..

يرجع العديد الخبراء، الحدث الأهم، والأكثر تأثيرا على تقنيات التواصل، إلى ظهور ثورة الإنترنت عام 1971، لتبدء تطبيقات المحادثات والمراسلات الإلكترونية بالظهور، بدءاً بـ”Arpanet”، الذي عرف إرسال أول رسالة عبر الإنترنت، من حاسوب إلى آخر بجواره، وكانت إحدى أعظم الإنجازات التي عرفها البريد، والتي بقي اسم صاحبها “راي تومليسون” راسخا.

بعد ظهور أول التطبيقات، تواصلت المنافسة بين الشركات من أجل إنشاء تطبيقات تجذب الزبناء، إلى أن وصل الأمر لـ”فيسبوك” و”واتساب”، و”ميسنجر”، وغيرهم، الذين أتاحوا للإنسان فرصة المحاثة كتابةً وصوتاً وصورةً، وعبر الفيديو بشكل مباشر، في مشهد لم يكن الأشخاص الذين عاشوا في بداية القرن الماضي فقط، يتخيلونه.

Share
  • Link copied
المقال التالي