Share
  • Link copied

ترسيم الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ومصالحة الدولة مع تاريخها السياسي ومجالها الاجتماعي

حظي  القرار الملكي باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر باهتمام دولي عكسته بعض وسائل الإعلام الغربية كقناة الحرة أو العربية كقناة الجزيرة بالإضافة إلى وكالة الأناضول التركية وغيرها . كما حظي باشادة من طرف العديد من الهيئات الوطنية حزبية أو مدنية وبالأخص الفعاليات الأمازيغية التي كانت تطالب بضرورة إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية بالمملكة . فقد استقبلت بعض الفعاليات المدافعة  عن “القضية الأمازيغية” بالمغرب خبر إعلان الديوان الملكي “إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المغرب على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية، ورأس السنة الميلادية” بفرح عارم ، حيث اعتبرته قرارا تاريخيا يتجاوب مع “المطالب التاريخية للحركة الأمازيغية منذ عقود أولها الدسترة، ومباشرة بعدها رأس السنة الأمازيغية”. وبالتالي ، فإن هذا القرار الملكي لا يرتبط باستجابة سياسية ظرفية  بل يستجيب في العمق لمصالحة الدولة المغربية مع تاريخها السياسي و ويجسر الهوة مع مجالها الاجتماعي.

  1. مصالحة الدولة مع تاريخها السياسي

درجت الكتب والمقررات الرسمية منذ استقلال المملكة على ربط نشأة الدولة بالمغرب مع تبلور الامارة الادريسية بفاس مقلصة تاريخ أعرق دولة بمنطقة شمال افريقيا والمنظومة المتوسطية في فترة زمنية لا تتعدى  12 قرنا . ويمكن إرجاع هذا المعطى إلى أن أغلب الكتابات التي حاولت التنقيب في تحديد جذور الدولة بالمغرب ، كانت عادة ما تتبنى إما مفهوما عربيا إسلاميا أو المفهوم الأوربي – الفرنسي . فبالنسبة للمفهوم العربي – الاسلامي ، فمن المعروف تاريخيا ان الفتح العربي للمغرب الأقـصى لـم يـكـن فـتـحا لأرض خـلاء بـل لـقـد واجه مقاومات محلية عنيفة لايمكن بأي حال من الأحوال أن تكون نتيجة لردود قبلية فردية و منفصلة بل كانت تجسيدا للحفاظ على دولة ظهرت في عهد المـلوك الأمازيغ والتي استمرت حتى بعد الاحتلال الروماني للمغرب الذي اضطر للجلاء تحت ضغط المقاومة المحلية . لـذا فالـمفـهـوم الـعربـي – الاسـلامي لـلدولـة الذي انتشر مع الفتوحات العربية اكتسى غالبا صبغة ثقافية ، جعلت عنصر اللغة و الدين يـلعبان دورا رئيسيا في إقصاء كل المعطيات السياسية المحلية التي سبقت انتشار الاسلام بالمغرب . إذ أن الفتح العربي للمغرب الأقـصى أصبح بـمـثــابـة الـتدشين السياسي لتاريخ المغرب . و بالتالي أصبح البحث في نشأة الدولة بالـمغـرب مـحددا في المجال التاريخي الذي ارتبط ببداية الفتوحات العربية للمغرب الأقصى  ، و الذي كرسته كتابات المؤرخين العرب مثل الطبري و ابن عبد الحكم أو بعض الجغرافيـين و أصحاب الرحلات مثل البكري . و حتى كتابات ابن خلدون ( كالعبر) لم تحاول تجاوز هذا الخط التاريخي الأحمر الذي رسمته الكتابات التاريخية العربية الذي سبقـتـه . لذا ، فإن  ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية سيؤدي إلى رفع التجاهل التاريخي  الذي طال أكثر من 8 قرون من تاريخ الدولة بالمغرب . فإذا رجعنا إلى تـاريـخ الـمـغرب القديم ، نجد أن هناك عدة مؤرخين رومان أكدوا على وجود مملكة موريتانية فـي حـدود القرن الثالث قبل الميلاد . و ذكروا أسماء  بعض الملوك المغاربة الذين تعاقبوا على الحكم مثل باغا ، بوكوس ، بوكيد ، جـوبا الـثاني و بطليموس . و ذكر هذه المجموعة من أسماء الملوك المغاربة ، أو هذه السلسلة الملوكية  الأمازيغية، يدلـل على وجـود دولة  عريقة  ذات جذور أمازيغية . ولعل هذا ما ألمح له  المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي من خلال  اشارته على مايلي :

” لـقـد ظـهـرت الـمـمـلـكـة االمورية طوال ملك بوكوس منظمة كأحسن مايكون التنظيم. و كانت تتمتع بـهـيـرا رشـيـة مــتـمـيـزة  …  وعلـى رأس الــدولـة  جـمـيـعـها الـملـك الـذي يصير إليه الحكم على مـا يـتـأكـد عـن طـريـق وراثي ، وقـد كان يـتمتع بسلطة مطلقة و لذلك نراه هو الرئيس المباشر لـلجـيـش، وهـو الـذي تـرجـع إلـيـه وحده الشؤون الدبلوماسية “. وبالتالي، فإن هذا القرار الملكي إذا ما تم تفعيله سيؤدي بلا شك إلى ” تصحيح التاريخ المغربي وإعادة كتابته” فتاريخ الدولة المغربية تاريخ واحد و موحد رغم اختلاف طبيعة الكتابات التاريخية التي تناولت هذا التاريخ و اختلاف جنسيات المؤرخين.

2–   مصالحة الدولة مع مجالها الاجتماعي

     عمدت الدولة منذ استقلال المملكة على المزاوجة بين التأريخ الميلادي والهجري مما كان له انعكاسات على صعيد الاحتفال بالمناسبات الاجتماعية ، خاصة مناسبة الاحتفال برأس السنة الميلادية ورأي السنة الهجرية. فأمام هذا الوضع، وجدت الدولة نفسها مضطرة إلى نوع من “المزاوجة الاحتفالية”، حيث كان يتم الاحتفال رسميا برأس السنة الميلادي ورأس السنة الهجري، مما يترتب عن ذلك من عطل، وإن كان يتم التمييز رسميا بين العطلتين. فعطلة رأس السنة الميلادية حددت رسميا في يوم واحد، في حين  حددت عطلة رأس السنة الهجرية رسميا في يومين، طبقا لتنظيم العطل في المغرب الذي يمنح فيه يومين لكل المناسبات الدينية. لكن هذا لم يمنع بالطبع من رصد الاختلاف الكبير في الشكل الذي يتم به الاحتفال الشعبي بهاتين المناسبتين: فرأس السنة الميلادية عادة ما يحظى باهتمام شرائح واسعة من المواطنين، خاصة من الساكنة الحضرية المتأثرة بنمط الاستهلاك الفكري والاقتصادي الغربي والأوروبي، حيث يتم إعداد حلويات  عيد الميلاد السنوي والمشاركة في سهرات تقام للاحتفال بهذه المناسبة. أما رأس السنة الهجرية، فلا يتم الاحتفال بها إلا من طرف بعض الفئات المتدينة والأصولية وبعض الشرائح الشعبية. في حين يتم إغفال الاحتفال بالسنة الأمازيغية مع أنها أقدم تأريخيا من السنة الهجرية أو الميلادية. فالتقويم الأمازيغي  يسبق التقويم الميلادي بـ 950 عاما، بينما يسبق التقويم الهجري بأضعاف ذلك. وبخلاف التقويمين الميلادي والهجري، لا يرتبط التأريخ المتعلق بـ2973 سنة بتأريخ ديني، بل يعود إلى وصول الملك شيشونق الأول، إلى هرم السلطة بمصر القديمة، وتأسيسه الأسرة الثانية والعشرين من السلالة الفرعونية، ذات  الاصول الأمازيغية.  مما يجعل من الاحتفال الرسمي بالسنة الأمازيغية ربطا للدولة بشرائح واسعة  من المجتمع المغربي  تتميز بجغرافية ثقافية ممتدة من واحة سيوة بمصر إلى جزر الكناري، ومن حدود جنوب البحر الأبيض المتوسط إلى مناطق الصحراء الكبرى، وجغرافية لغوية  تشمل اللغة الأمازيغية بلهجاتها المحلية المتعددة، وكتابتها بحروف “تيفناغ”، وهي أحد أقدم خطوط الكتابة في العالم.

كما أن هذا الاحتفال الرسمي بإحياء ليلة رأس السنة الأمازيغية الجديدة،يجعل الأسر الأمازيغية المغربية تتماهى مع الأسر الأمازيغية ببلدان شمال إفريقيا، التي تميزها، رغم تنوعها وتباينها من منطقة إلى أخرى ، طقوس احتفالية شعبية فريدة ، تعكس ارتباط الأمازيغ بأرضهم واحتفاءهم بهويتهم الممتدة عبر التاريخ، من خلال إعداد أطباق ووجبات خاصة تبقى أشهرها طبق “تاكگلا” أو العصيدة، والكسكس بسبع خضار ثم الحگوزة والبسيس، وكلها وجبات يتم تحضيرها من الزرع والحبوب والخضر التي يزرعها ويحرثها الأمازيغ في مناطق تواجدهم.وتنظيم كرنفالات وتجمعات بين العائلات والجيران على أهازيج الأغاني والأناشيد الأمازيغية. احتفالا بالشهر الأول من بداية السنة الفلاحية الأمازيغية “يناير”، وبالتالي يكون الاحتفال في أول يوم منها تفاؤلا بالخير والسعادة والرخاء ووفرة المحاصيل وازدهار القطعان. فعلى الرغم  من احتفال الأمازيغ بحلول عامهم الجديد، خاصة في الجزائر والمغرب، بطقوس متنوعة في اللباس والأطباق التي تؤثث موائدهم، فهي تتقاطع في تجسيدها لمبادئ الارتباط بالأرض والاحتفاء بالهوية المشتركة بين  المكونات الشعب الجزائري والمغربي  الامازيغية  والتي  سبق للسلطات الجزائرية  أن  اعتمدت 12 يناير من كل عام، يوم عطلة رسمي احتفالا برأس السنة الأمازيغية الجديدة، حيث يخلد  الجزائريون هذا اليوم بمختلف القرى والمدن، خاصة في المناطق التي ينتشر بها الأمازيغ، مثل القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق).

ولعل تفعيل التوجيهات الملكية إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي الذي ياتي “تجسيدا للعناية التي يوليها العاهل المغربي للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء، كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية”. سيزيد بلا شك من تقوية العمق السياسي والاجتماعي والثقافي  للمغرب كدولة متجذرة  في التاريخ تضاهي في ذلك دولا عريقة كالصين التي ما زالت تحتفل ،  رغم  تقدمها  الاقتصادي وتطورها التكنولوجي ، بالسنة الصينية. من هنا ضرورة الإسراع ، لمواكبة ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية ، بوضع يوميات  بتقويم ثلاثي ( أمازيغي ، ميلادي ، هجري)، وإعداد مقررات مدرسية تعيد الاعتبار لجزء كبير من تاريخ الدولة بالمغرب ، والحرص على إشاعة طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية في مختلف ربوع المملكة ما سيزيد من غنى وتنوع مكونات الكيان المغربي بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والدينية ….

Share
  • Link copied
المقال التالي