أما بعد…!!
لا يمكن فصل الزيارة التي يقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن سياق الأزمة التي أصبح يعيشها النظام الجزائري منذ أن فشل في كل السيناريوهات الممكنة لضرب مصالح المغرب و تقويض الشراكات التي يتم بناءها بين أقطاب متعددة، وحتى المتصارعة داخل منظومة النظام الدولي، وهو ما نجح فيه المغرب عبر سياسة متعددة حيث لم يتموقع مع الغرب ضد روسيا والصين، بل استمرت الدبلوماسية المغربية في تنويع شركائه مع كل القوى العظمى التي تتقاسم معه المصالح الاقتصادية والأمنية والجيوـ استراتيجية وفق نظرية الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية، والتي لا تعادي الطرح المغربي في قضيته الوطنية على الأقل، وهو الشيء الذي ساهم في تعزيز الانفتاح الاقتصادي على كل الأسواق و رؤوس الأموا، وهكذا تمت عملية إنشاء مشروع جيغا فاكتوري للبطاريات برأس مال صيني، كما تتعدد أوجه العلاقة التجارية مع روسيا في ظل الأزمة الحالية مع أوكرانيا.
أما بعد…!!
هذه القدرة التي يملكها المغرب عبر تراكمات capacité d’adaptation هي منتوج لتفكير عقلاني في تدبير التوازنات وقراءة اللحظة السياسية في مختلف الأبعاد و وفق المتغيرات الآنية، هذا بالضبط ما فشل فيه النظام الجزائري الذي يسجل في كل خطوة عثرة و يعمق بذلك الهوة في مضمار صراع التموقع كقوة في المنطقة، و لهذا الفشل المتراكم و المهيكل عدة مؤشرات يمكن قراءتها عبر نظرية le développement vers l’extérieur التي أنتجتها الأوليغراشية الحاكمة في بلدان أمريكا اللاتينية بداية من 1880 وانتهت بأزمة 1930 مع انهيار أسعار المواد الأولية و المعدنية الموجهة للتصدير والتي كانت تشكل أهم مداخيل الاقتصاد إلى حين انهيار الطلب الخارجي و بذلك بداية أزمة الأسعار و قلة الموارد من العملة الصعبة حيث لم تعد هذه الدول قادرة حتى على تغطية حاجيات السوق الداخلي من المواد الأساسية.
هذا السيناريو يكاد اليوم يتكرر بالنسبة للجزائر، ويبدو أن زيارة تبون لموسكو ستسرع من عملية تحقق هذه الأزمة إذا ما قررت مجموعة من الدول فرض عقوبات على النفط ، والغاز الجزائري الذين يشكلان 93 % من قيمة الموارد الموجهة للتصدير وبسبب الصفقات المتوقع توقيعها مع روسيا في مجالات التسلح التي تعتبر ذات القيمة المضافة العالية في منظومة الاقتصاد الروسي، وذلك في ظل ضعف بنية الإنتاج الداخلي و توثر العلاقات مع المغرب وإسبانيا وخلافات عميقة مع الصديق المستجد فرنسا.
أما الشراكة مع إيطاليا فهي أوهن من بيت العنكبوت في ظل الصراع الغربي الروسي، هذا مع ازدياد التوترات في الجنوب الجزائري وعلى الحدود مع مالي والنيجر..!
أما بعد…!!
إن تصريحات تبون، في حضرة القيصر الروسي الجديد بوتين، أشبه بعملية انتحارية وهو يتحدث عن وجوب التخلي عن الدولار الذي لن تستطيع أي قوة اقتصادية التخلي عنه بما في ذلك الصين و روسيا التي تمتلك مخزونا استراتيجيا مهما من هذه العملة التي تضبط إيقاع سلاسل القيمة في التجارة العالمية.
إن تصريحات تبون في هذه القمة مع المطلوب رقم واحد للقوى الغربية أشبه ما يكون برقصة الديك المذبوح، وسيناريوهات المخارج الممكنة من هذه الأزمة التي تعيشها الجزائر لا يمكن أن تكون كتلك التي اعتمدتها البرازيل والأرجنتين و المكسيك وحتى روسيا بعد سقوط الإتحاد السوفيتي بشكل عفوي spontanée وتحت تأثير الأزمة أولا، لأن الزمن ليس كالزمن، وثانيا لأن سرعة التطور في البنية الاقتصادية الجزائرية متخلف عن محيطها بعقود من الزمن، وثالثا، لأن سطوة النظام العسكري تعرقل الانفتاح والإبداع والإنتاجية في دولة يعتبر PIB per capita الأضعف على الإطلاق داخل منظومة الدول المنتجة للغاز والبترول في العالم، وهو ما يعمق الهوة، ويصعب عملية الاسترجاع la récupération.
أما بعد…!!
إن زيارة تبون لروسيا لا يمكن وصفها إلا بزيارة الأزمة ونهج سبيل الأرض المحروقة، ويبقى المخرج الوحيد في ظل اشتعال الجنوب الجزائري المهدد بحركة انفصالية والتنظيمات الإرهابية، والشمال الجزائري المهدد بالانغلاق الاقتصادي و ضعف الموارد الناتجة عن تصدير المنتجات الطاقية إلا البحث عن سبل الانفراج مع المغرب و طلب وسطات أخرى، وهو ما يرفضه تيار العسكر الكلاسيكي الذي يحشد كل إمكانياته و يدفع بكل قوة نحو سيناريو الحرب مع المغرب لتنفيس ضغط الأزمة المكشوفة عبر الطوابير اليومية وخطاب الكراهية في الإعلام ووسائل التواصل، وكذلك عبر خطابات أعلى هرم السلطة في زيارته غرب وشرق أوروبا.
تعليقات الزوار ( 0 )