Share
  • Link copied

بَاحث: البُوليسَّاريو وَرّمٌ سَرطاني.. وإيديولوجية الانفصال تهدّد الجَسدَ العربيّ

قال الكاتب والباحث الأكاديمي، إدريس جنداري، إنّ المملكة المغربية تُعاني من أطروحة الانفصال المدعومة دوليا وإقليميا منذ 1975، حيث جسدت جبهة البوليساريو الانفصالية الدعوات الاستعمارية الداعمة لتقسيم المغرب لإحكام السيطرة عليه، وعرقلة تقدمه وازدهاره، مشيرا إلى أنّ القائمة تطول لتعم جميع أقطار العالم العربي التي أصبحت مهددة بالتقسيم إلى  دويلات/ طوائف تهدد العالم العربي بالانفجار والبلقنة، على المدى القريب.

 وأضاف جنداري، الذي تحصّل على درجة الدكتوراه في سوسيولوجيا الأدب من جامعة محمد الخامس في الرباط، في حديث مع جريدة “بناصا” الإلكترونية”، أنّه في المغرب العربي، أصبحنا نعيش على واقع جديد من خلال التدخل الغربي لدعم الأطروحة الانفصالية الأمازيغية في الجزائر، والتي تبلورت، أخيرا، على شكل حكومة صورية أعلن عنها في فرنسا. 

 وأردف المتحدث ذاته قائلا: إننا هنا لا نتباكى على ما يجري، في العالم العربي، بل إننا ندعو إلى محاولة فهم ما يجري لتفادي الآثار المدمرة التي يمكن أن تهدد وجودنا، في أي لحظة، و ذلك من خلال  إثارة الانتباه إلى خطورة الموقف العربي الراهن، خصوصا في ظل المحاور العربية المتصارعة التي تلعب بالنار حينما تستثمر في دعم التقسيم والانفصال خدمة لأجندة سياسوية ضيقة تخدم مصالح القوى الاستعمارية بالدرجة الأولى.

وأبرز الباحث الأكاديمي، أنّ لعل أهم ما يجب أن نُثير إليه انتباه الشعوب و الحكومات العربية، هو كون إيديولوجية الانفصال، التي أصبح يُسوّقها الغرب في بلداننا باعتبارها موضة العصر، تعتبر البوابة الجديدة التي تعتمدها النيوكولونيالية لفرض السيطرة على العالم العربي، و ذلك بهدف استنزاف ثرواته الطبيعية التي يعتبرها الغرب المحرك الأساسي لثورته الصناعية .

 وشدّد، أنّ الواجب يفرض علينا أن نظل على تمام الوعي بالمخططات الاستعمارية التي تسعى إلى تحويلنا إلى طوائف و إثنيات و مذاهب متصارعة، يغتنم كل مكون منها الفرصة لإعلان انفصال عبثي لا يخدمه كما لا يخدم وطنه الأم بل، على العكس من ذلك، يكرس الهيمنة الغربية، ويفتح المجال لسياسة الابتزاز التي يتقنها الغرب في التعامل معنا.

 وأوضح جنداري، أنه ومنذ اتفاقية (سايكس-بيكو) وإلى حدود مخطط (الشرق الأوسط الكبير) عاش العالم العربي، بمشرقه ومغربه، على  إيقاع  التقسيم والتمزيق إلى دويلات /قبائل خدمة للمصالح الغربية التي تعمل بمقولة (فرق تسد).  فبعد أن حكم العرب/المسلمون جغرافية، تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأوربا، أصبحوا، اليوم،  يعيشون في جغرافية تضيق كل يوم أكثر، وذلك نتيجة المؤامرات الغربية، وكذلك نتيجة الضعف والتراجع العربي المتزايد الذي يشجع هذه المؤامرات، ويوفر لها الظروف المواتية لتحقيق النجاح.

إيديولوجية الانفصال: الورم السرطاني الذي يهدد الجسد العربي

 وأشار المتحدث ذاته، إلى أن إيديولوجية الانفصال أصبحت سرطانا ينخر الجسد العربي، حيث تحولت الإثنيات والمذاهب والأعراق، المشكلة للعالم العربي؛ إلى مشاريع دويلات أنابيب مشوهة الخلقة تخدم الأجندة الغربية في العالم العربي.  فكلما فكر الغرب في تمزيق دولة عربية إلا و زرع فيها بذور الانفصال، من خلال تحويل هذا التعدد إلى صراعات وحروب طائفية تأتي على الأخضر واليابس، وتكون سببا في تمزيق الدولة الواحدة القوية إلى دويلات، لا يمكنها أن تحيى و تستمر إلا عبر الدعم الغربي الذي له مقابل باهظ  الثمن، طبعا، يكون على حساب السيادة الوطنية.

 واسترسل جنداري قائلا، إذا قمنا بإطلالة خاطفة على جغرافية العالم العربي، من المشرق إلى المغرب، فإننا نجد جميع الأقطار العربية تقريبا مهددة بالانفصال، إما لاعتبارات إثنية و عرقية، أو لاعتبارات دينية ومذهبية، وكلها اعتبارات بدل أن تكون ثراء تتحول إلى قنابل موقوتة تهدد ببلقنة العالم العربي، وتحويله إلى دويلات و قبائل متناحرة تخدم المصالح الغربية طلبا للحماية.

واستشهد الباحث، بالتقسيم الذي تعرض له السودان الشقيق بدعم أمريكي-أوربي-صهيوني، وفي نفس الآن بتلويح أكراد العراق، بين الفينة و الأخرى، بخيار الانفصال، مشيرا إلى أن جمهورية مصر العربية التي كنا نتباهى كعرب بوحدتها، فإن فيروس الانفصال بدأ يخترق جسدها من خلال الضجة الإعلامية التي أصبح يثيرها المسيحيون الأقباط مستغلين الدعم الغربي المتزايد لأطروحتهم التي أصبحت تعلن عن نفسها بشكل متزايد.

أما لبنان، يضيف جنداري، فيشكل نموذجا للبلقنة و التقسيم فهو يعيش، لعقود، على صفيح ساخن، وهو مستعد في كل يوم للتحول إلى دويلات تخدم المحاور الدولية و الإقليمية المتصارعة .

مخطط الشرق الأوسط الكبير : المشاريع الانفصالية القادمة

 وقال جنداري، في حديثه مع “بناصا”، إلى أنه راج الحديث، بإسهاب، منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 عن منطقة الشرق الأوسط، التي تم التخطيط لها باعتبارها امتدادا مستقبليا للمحور الأمريك – صهيوني . وتحقيقا لهذا الرهان، تم شن حرب مدمرة على العراق باعتباره الدولة المارقة في المنطقة، وتؤكد الأحداث المتوالية على المنطقة أن العراق كان ضحية لهذه السياسة الاستعمارية الجديدة. و من خلال احتلال العراق تم تدشين المرحلة الأولى من الأجندة الأمريكية – صهيونية في منطقة الشرق الأوسط .

 وأكد الباحث، أنه تم الترويج، منذ البداية، من طرف صناع القرار الأمريك – صهيوني؛ لمفهوم يحمل أبعاد إستراتيجية خطيرة على المنطقة، إنه مفهوم الشرق الأوسط الكبير، وهو مفهوم أطلقته إدارة الرئيس الأمريكي ( جورج بوش الابن) على منطقة واسعة تضم جميع دول العالم العربي، بالإضافة إلى تركيا، إسرائيل، إيران، أفغانستان، باكستان. و قد تم الإعلان عن هذا المشروع خلال قمة الدول الثماني في مارس 2004.

 ويرى جنداري، أنه من خلال هذا المشروع، فقد تم التأكيد من طرف صناع القرار الأمريكي، من المحافظين الجدد، على ضرورة التغيير في المنطقة، وذلك عبر تغيير إستراتيجية الحفاظ على الوضع القائم التي كانت معتمدة، سابقاً، بعد أن بات هذا التغيير، وفق الرؤى الأميريكية، ضرورة ملحة لأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية، وبدعوى الحرب على الإرهاب تحاول الإدارة الأميركية بسط السيطرة على النظام الدولي وقراراته.

 وزاد، سواء مع (هنري كسنجر) أو مع (رالف بيترز)، ومن خلالهما صناع القرار الأمريك- صهيوني، حضرت مخططات إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط وإعادة صياغة خرائطها، وهذه المخططات جزء من استراتيجية شاملة تقوم على ربط المنطقة بالمصالح الأمريكية، وما ارتبط منها بموضوع الطاقة على وجه التحديد. 

الإيديولوجيا النيو-كولونيالية وإعادة صياغة خرائط المنطقة العربية

وفي إطار إعادة صياغة خرائط المنطقة، تم توطين الكيان الصهيوني باعتباره شرطي مرور ينظم حركة السير في الاتجاه الأمريكي. ومن هذا المنظور، فإن الاستراتيجية الأمريك- صهيونية تنحو في اتجاه صناعة خارطة تتشكل من دول (دُمى) تحركها حسب مصالحها.

وضمن هذا السياق، يتابع جنداري، يحضر مشكل الأقليات في المنطقة، والتي اعتبرت، في جميع خطط التقسيم، المدخل الرئيسي لإنجاح أية خطة. فقد تم اللعب، طوال مراحل الصراع، على هذا الوتر الحساس في المنطقة، وتم استغلال الأقليات كورقة ضغط رابحة تمكن صناع القرار الأمريك – صهيوني من ربح رهان إعادة الهيكلة على مقاسهم الخاص.

 وأوضح المتحدث ذاته، أنه ضمن هذا التصور، حضر الموضوع الكردي في منطقة المشرق العربي كحصان طروادة يركب، في كل مرة، ويطلق له العنان بلا قيود، وفي نفس السياق يحضر موضوع الأمازيغ وموضوع الصحراء الغربية في منطقة المغرب العربي، والذي يستغل من طرف القوى الاستعمارية الكبرى لكبح جماح أي تطور يمكن أن يهدد مصالحها.

وشدد جنداري، على أنّ السياسة الأمريك – صهيونية تمتلك أوراق رابحة مدعومة من الداخل، وهي بذلك تهدد الكثير من دول المنطقة العربية بالبلقنة، وذلك من منطلقات عرقية لم يعد يقبلها الحس الديمقراطي الغربي الذي يدعمها والذي حسم مع هذا الطرح، منذ تشكل دولة المؤسسات التي تضم عرقيات وأديان ومذاهب مختلفة، ضمن إطار واحد يحتكم فيه لحقوق وواجبات المواطنة بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو المذهبي. والكثير من الدول التي تشجع هذا الطرح العرقي تمور داخليا بأعراق و أديان و مذاهب مختلفة اندمجت ضمن التصور الديمقراطي و المؤسساتي للدولة الحديثة.

وأشار الكاتب والأكاديمي المغربي، إلى أنّ الأمر مختلف تماما في تصور الشرق الأوسط الكبير الذي يراد له أن يحتكم إلى حدود الدم  (Blood borders) حيث يحضر مشكل الأقليات خارج أي حس ديمقراطي و مؤسساتي، وتعلن الدعوة بالصريح والمباشر إلى تشكيل كيانات على أساس العرق والدين، في تناقض صارخ مع جميع القيم السياسية التي تقوم عليها الديمقراطية الغربية التي يتم التبشير بها كخيار استراتيجي في المنطقة.

 وزاد، أنّ هذا يؤكد، بالملموس و المباشر، أن الهدف الرئيسي الذي يتمحور حوله الصراع، يرتبط بالهيمنة و السيطرة من منظور استعماري قديم يقوم على استغلال الشعوب والدول في بناء القوة المهيمنة الواحدة. وهذا ما كنا نظن أن قيم العصر الحديث قد قطعت معه، لكن المكبوت يعود في كل مرة ويهدد ببروز حركات استعمارية جديدة، على شاكلة ما عرفته مرحلة القرن التاسع عشر.

وتابع، لذلك يحق لنا أن نتساءل: ما هو الفارق بين مخطط سايكس-بيكو و مخطط الشرق الأوسط الكبير؟

 الباحث جنداري، أشار إلى أنّ البعد الاستعماري حاضر، بقوة، في كلا المخططين من منطلق إعادة صياغة خرائط منطقة الشرق الأوسط بهدف المحافظة على مصالح الدول الاستعمارية، وجميع الوسائل التي يمكن أن تحقق هذه الغاية مباحة ومشروعة، حتى ولو كانت تتناقض مع التصور السياسي الذي أقامه الغرب على أساس الديمقراطية والمواطنة ودولة المؤسسات.

كما أن هذا الحس الاستعماري يدفع الكثير من الدول، التي تدعي حماية ودعم المؤسسات الدولية، إلى استغلال هذه المؤسسات بما تجسده من قيم كونية في تبرير قيم الحرب والاستعمار، كما يدفعها إلى الدفاع عن نماذج سياسية قديمة تحاربها، داخليا، تقوم على أساس العرق والدين.

Share
  • Link copied
المقال التالي