Share
  • Link copied

مشروع القانون 22.20: هل توفق في خلق التوازن بين السلطة والحرية، بين القانون والمجتمع؟

“رأيت الشجاعة سواء في حرب فيتنام او في الصراع لوقفها. تعلمت أن حب الوطن يتضمن الاحتجاج ، وليس فقط الخدمة العسكرية”. هكذا قال أحد السياسيين الأمريكيين تعليقا على مفهوم حب الوطن.

اختيار هذه المقولة السياسية، عن كون الاحتجاج السلمي الحضاري أيضا جزء من حب الوطن، يمليه الظرف المغربي الحالي المتميز بشكل ملحوظ، بنقاش عمومي حيوي حول مشروع قانون رقم 22.20، متعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة.

مقتضيات النص التشريعي، لم يفتح فيها النقاش إلا بعد تسريبها بشكل مثير للرأي العام، بعدما تمت المصادقة عليه في مجلس حكومي مع بداية حالة الطوارئ الصحية في بلادنا، مما يطرح سؤال سلوك الحكومة في ممارسة نوع من السرية في مناقشة المشروع المصادقة عليه. مشروع يذكرنا بعقلية الاستعمار الفرنسي وطرق اشتغال المقيم العام أثناء فترة الحجر الأجنبي والحماية على بلادنا، على غرار المنطق الذي أنتج الظهير البربري بداية الثلاثينيات من القرن العشرين.

تعتيم غير مفهوم لا يليق بالدولة المغربية وشجاعتها المعهودة في مواجهة مختلف الوضعيات العمومية. لذلك قصة التعتيم لم تكن سلوك دولة بقدر ما كانت سلوك شخصي لتهريب بضاعة تشريعية عبر حدود المجهول وإخفائها عن حراس حدود القيم والحريات سواء داخل الدولة أو المجتمع، إلى أن تباغتهم السلعة في السوق، بدون مراقبة لجودتها أو فحص مدى مطابقتها لمعايير دولة الحق والقانون، ومدى مطابقته لفيم دستور 2011، و للمرجعيات القيمية الدستورية المغربية، ولمعايير الدستورانية المغربية الحديثة.

مسألة التسريب تبدو أنها موجهة من جهة ما، أضعفت في الدفاع عن الاعتدال التشريعي، بهدف توسيع جبهة الرفض للنص بعدما كانت هناك اعتراضات رسمية عليه. التحصن بالمجتمع من شأنه أن يقوي جبهة مقاومة التراجعات الحقوقية التي قد تقود إلى اشتباكات اجتماعية غير محمودة بعد كورونا، وهو زمن ازمة اقتصادية ذات آثار اجتماعية تبدو من الآن بعد ملامحها. وعلى كل حال هو نقاش عمومي صحي ومفيد لبلادنا.

السياق الحالي متأثر بحالة الطوارئ الصحية لمحاربة تفشي جائحة كورونا، وهو ظرف مناسب لدى البعض لممارسة عمليات اختطاف جزء من قرار الدولة بسبب تركيز عقلها القوي على السلامة الصحية والاقتصادية والاجتماعية العمومية. أيضاً السياق الحالي عرف بعض التشنج بين وزارة الداخلية والصحافة والإعلام بسبب محاولة منع التغطيات الصحفية مابعد الساعة السابعة مساء، وهو منع أو إقصاء غير شرعي قانونا وغير مشروع حقوقيا مما يوحي بوجود انقلاب قطاعي على مكتسبات حققتها الدولة والمجتمع شكلت قناعات وسلوكات جديدة تتجذر يوما بعد يوم وضمنها العهد الجديد بقوة، ومن الصعب على أي كان ممارسة عملية انقلابية عليها.

أيضا الحديث عن سياق تبني هذا المشروع المتطرف والمخيف لنا جميعا، يفرض علينا العودة قليلا إلي الوراء، قبيل بداية زمن كورونا، وتحديدا إلى مستويات الاحتجاجات الافتراضية، و محطات الاشتباك بين فئات مجتمعية وبين الدولة، تم التعبير عنه بواسطة أغاني و تيفوهات سياسية في الملاعب، وأيضا عبر انتقادات وصلت إلى حد التقليل من الاحترام الواجب لمؤسسات الدولة. أيضا السياق ارتبط بامتداد آثار حملة المقاطعة لبعض المنتوجات التجارية، ثم بانتشار كثيف لإنتاج وبث أخبار زائفة وأخرى تمس بالحياة الخاصة للأفراد وأيضا بالمؤسسات بعضها يمس بالرموز وبثوابت البلاد، إضافة إلى سياق هجوم ما يسمى بالجيوش السيبرنيتكية أو ما يصطلح عليه بالذباب الإلكتروني، وظهور توجهات مشتبه فيها اجتماعيا واعلاميا بالخيانة وبالعمالة لاجندات خارجية، تشتغل إعلاميا بهدوء وتقية ومراوغة من أجل خلق قناعات جديدة ضد الدولة وثوابتها ومؤسساتها، عبر تسميم الخبر، وخلق صدمات عصبية تفقد الثقة في الدولة ورموزها، وتنتج سلوكا متطرفا ضدها مع الوقت.

ورغم كل ذلك فإن الدولة تتوفر على الترسانة الفانونية، سواء في مجموعة القانون الجنائي أو قانون الصحافة والنشر أو في نصوص خاصة حول الحياة الخاصة و نشر الأخبار الزائفة، وتمت متابعات قضائية في الباب، مما يدعو إلى التساؤل: هل كان ضروريا إنتاج نص جديد يعيد تكرار تجريم أفعال جرمتها القوانين مسبقا أم كنا بحاجة إلى تعديل أو ملائمة في أبعد الحدود دون المساس بجوهر الحق والحرية؟ ثم لماذا تبناه قطاع العدل، وبالتالي إعطاء النص صفة جنائية قضائبة من البداية، وليس قطاع الاتصال الذي يعتبر صاحب الاختصاص القانوني الدستوري الأصيل في تنظيم الإتصال بصفة عامة؟

النص من خلال تبنيه لتجريم المقاطعة التجارية، لم ينتبه إلى كونه يخلق صراعا طبقيا وفئويا جديدا، خطير على الدولة مستقبلا وعلى رجال الأعمال باعتباره يزرع بذور سلوك كراهية اجتماعية وفئوية. هذه الكراهية ستمتد إلى الحياة السياسية باعتبار أن جزء من رجال الأعمال والمنتجين يشاركون كفاعلين في الحياة السياسية. وفي تقديري أن مواد زجر المقاطعة إنما أضيفت لذر الرماد في العيون وتوجيه الاشتباك إلى جهة اقتصادية مالية سياسية، بدل توجيهه إلى الجهة مصدرة النص.

تحديد الجهة مصدر هذا التشريع، يساعدنا على تحديد هوية النص، هل هو سياسي، أمني، قضائي، جنائي، مدني، قطاعي، تقني إلى غير ذلك، تحديد يمكننا من معرفة الثقافة السياسية لهذه الجهة، هل هي على إلمام بمقومات البناء للمرحلة الحالية و المقبلة؟ هل تعي جيدا أولويات المغرب على المستوى السياسي والقانوني والحقوقي؟ هل لها بعد نظر سياسي لمآلات وللاستباكات المحتملة للنص أم نظرها تبسيطبي يقتصر على جانب قانوني تقني فقط؟ هل توفقت في تحقيق التوازن بين السلطة والحرية والقانون؟ هل هذا المشروع أنتجته السلطة أم السياسة؟

مشكلة التشريع عندنا، أننا نشرع في كثير من الحالات بدون نظر فكري وفلسفي وسياسي بعيد المدى وإنما نكتفي بمعالجة الآني، معالجة قد تتجاوز آثارها الحل المؤقت إلى أزمات فرعية دائمة.

ما فائدة ترأس حزب سياسي لوزارة أو لقطاع معين إذا لم يكن صبغه بالقيم النضالية والأخلاقية التقدمية التي دافع عنها سنوات الرصاص؟ هل وجود حزب ناضل من أجل الحريات العامة والحداثة وتحرر المواطن الفرد، هو من أجل الانصياع إلى المنطق التقني البيروقراطي أم من أجل التصدي لتغول الإدارة في مواجهة الفرد؟ هذه إشكالية عميقة مرتبطة بالخطاب السياسي الحزبي ومدى قدرته على إنتاج ذاته داخل منظومة التدبير العمومي.

هذه الجهة في نظرنا، ليست جهة أمنية بالمعنى الضيق للمصطلح، لما لها ما يكفيها من اشتباكات اجتماعية أمنية ولا تحتاج إلى المزيد، بعضها نتج عن احتجاجات بسبب تصرف المسؤول العمومي واختلالات سلسلة توزيع الخدمة والثورة، وهي التي تحدث عنها الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2017، عندما قال أن الأمن وجد نفسه وحيدا في احتجاجات الحسيمة بسبب اختلالات المسؤول الرسمي او المنتخب. أيضا الجهة الأمنية تتوفر على ما يكفي من مقتضيات قانونية لمحاربة الجريمة الإلكترونية او الإعلامية او الجنائية المخلة بالنظام العام.

الجهة المنتجة للنص هي جهة قضائية بشراكة مع وزارة العدل. رئاسة النيابة العامة والرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للقضاء، تحت غطاء سياسي لوزارة العدل. لاشك أن القضاء والنيابة العامة قد رصدت إرتفاعا حادا في سلوكات احتجاجية كيفتها جانحة، وخارجة عن القانون، متعلقة بإهانة المؤسسات ورموز البلاد. وهنا لا بد من التمييز بين أنواع الاحتجاج، كسلوك بشري وظاهرة اجتماعية تاريخية، بين احتجاج مؤطر وآخر غير مؤطر، اقتصادي، اجتماعي، سياسي، حقوقي، ثقافي، احتجاج ينبه الدولة إلى وجود اختلالات تدبيرية ينتج عندما نفتقد إلى حلقات تواصل قوية بين الدولة والمجتمع، فيحدث الاشتباك أو انفجار تعبيري عن الرغبات وأيضا عن التظلمات.

هناك أيضا احتجاج داخل الثوابت الوطنية وآخر خارجها وغيرها. هي أنواع مقصودة ضمنيا في هذا النص التشريعي الجديد، بمعنى ضبط وتقييد السلوك الاحتجاجي على شبكات التواصل الإجتماعي، لما لها من تأثير على جميع الفئات الاجتماعية.

الاحتجاج عموما يحتاج إلى التعايش معه، وإلى التعاطي معه وفق مقاربات تربوية تعليمية، اجتماعية واقتصادية، وتأتي المقاربة القضائية في آخر السلسلة وليس في مقدمتها. وقد لاحظنا مستويات من الجهل واللاوعي وعدم الانضباط خلال فترة الطوارئ الصحية، لو أصرت الدولة لملأت السجون بهذه الحالات لذلك يتعين تجديد النظر في إعادة صياغة السلوك الاجتماعي عن طريق التأطير وليس عن طريق الزجر. وبدل الابداع في حلول التصدي القانوني والتشريعي والقضائي، للاختلالات التي افرزت موجة الاحتجاج الافتراضي خصوصا المتعلق بمحاربة الفساد، تفضل بعض الإدارة مواجهة المواطن بمزيد من القيود.

لا أعتقد أن هذا النص أنتجه عقل الدولة، وإنما عقول أشخاص لا يقدرون أولويات البلاد. هو اجتهاد شخصي يدخل في خانة تقديم خدمة تشريعية شخصية، كهدية للدولة، وهي من أركانها الكبرى لم تطلبها من أحد. وهذا يجرنا في الختام، للقول أن مفهوم خدمة الدولة عند بعض المسؤولين، هو في عمقه خدمة لشخصهم، سواء للبقاء في السلطة أو نيل الرضى أو إظهار الذكاء والصرامة، وهم لا يعلمون أو لا يدركون أن الرضى يوجد في مادة فك الاشتباك مع المجتمع، في فك الضغط عن الدولة وليس في زيادته، في تأطير الشعب، في تنبيهه وتوعيته، في الأخذ بيده، وتفهمه وعدم القساوة عليه، وليس في إبداع طرق لزجره وقمعه.

*باحث في العلوم السياسية – أكدال الرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي