شهد ملف الهجرة غير النظامية تطورات دراماتيكية، حيث تمكن حوالي خمسة آلاف مغربي من دخول جيب سبتة المحتلة عن طريق السباحة، ويأتي عبور المهاجرين من المغرب إلى ثغر سبتة في سياق توتر دبلوماسي بين الرباط ومدريد بسبب استضافة إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو.
المحلل السياسي المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية، سمير بنيس، قال إنّ الخطوة التي قام بها المغرب، أخيراً، بعدم منع المغاربة من العبور لمدينة سبتة المحتلة، يُعتبر تحصيل حاصل وكان متوقعاً بالنظر لحالة الاحتقان والتوتر غير المسبوق الذي تعيشه العلاقات بين الرباط ومدريد منذ أكثر من نصف سنة.
وأضاف بنيس، في حديث مع جريدة “بناصا”، أنّ الكل يتذكر الموقف المعادي للمغرب الذي تبناه في شهر نوفمبر الماضي النائب الثاني لرئيس الحكومة آنذاك، بابلو سانشيز، حينما دعا الأمم المتحدة إلى تنظيم استفتاء لتقرير المصير لتمكين سكان الصحراء المغربية من بناء دولة مستقلة.
وأوضح الخبير المقيم بالولايات المتحدة، أنّ مدريد تمادت بخطوة معادية أخرى للمغرب تمثلت في استياء الحكومة الاسبانية من قرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بمغربية الصحراء، بل أنها حاولت الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية من أجل العدول عن ذلك القرار.
وعلى الرغم من تعارض هذه المواقف مع اتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة في شهر يوليوز 1991 ومستوى التعاون الثقافي والسياسي والأمني والقضائي الذي يجمعها، ناهيك عن علاقاتهما الاقتصادية التي جعلت من إسبانيا الشريك الاقتصادي للمغرب، إلا أن المغرب عمل على ضبط النفس وارتأى ترك العاصفة تمر ومنى النفس بأن تقوم الحكومة الاسبانية بمراجعة أوراقها والرجوع لنفس موقف الحياد الإيجابي الذي نهجته منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.
ويرى بنيس، أنّ الحكومة الاسبانية لم تلتقط الرسالة، وعوض الرجوع إلى السكة الصحيحة والبناء على ما حققه البلدان خلال العقدين الماضيين، قامت بخطوة لها أكثر من دلالة سياسية وتوحي بأنها ليس لها نفس النظرة للعلاقات التي تجمعها مع المغرب.
علاقات على المحك.. واستقبال إسبانيا لإبراهيم غالي نقطة أفاضت الكأس
ولفت المصدر ذاته، أنّ قرار السلطات الإسبانية تمكين زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي، دخول التراب الإسباني بهوية مزورة، بتنسيق تام مع الجزائر ودون إخطار المغرب، كانت بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس ودفعت الرباط إلى مراجعة الأوراق واستعمال لغة أكثر حزما تجاه مدريد.
وقد أعطت تلك الخطوات إشارة واضحة أن إسبانيا لا ترغب في تمكين المغرب من إنهاء هذا النزاع بما يتماشى مع مخطط الحكم الذاتي وما يضمن حقوقه التاريخية التي اغتصبتها إسبانيا بتواطؤ مع فرنسا بعد الاتفاق السري الذي وقعاه في شهر أكتوبر 1904.
وأشار المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية، إلى أن الحوار الذي أجراه وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مع وكالة “إيفي” قبل ما يقارب أسبوعين، كان بمثابة تنبيه للحكومة الاسبانية، بأن عليها أن تعيد حساباتها وأن توضح للمغرب نوعية العلاقات التي تسعى لبنائها.
وقد كانت اللغة التي استعملها المسؤول المغربي واضحة بشكل شفاف، حيث أنه، بالإضافة إلى التعبير عن عدم امتعاض المغرب وعدم تفهمه لهذا السلوك الصادر عن إسبانيا، أوضح أنه غير مستعد للعب دور جمركي إسبانيا وأوروبا، وأنه لا يريد أن تتذكر إسبانيا المغرب فقط حينما يتعلق الأمر بأمنها وسلامة أراضيها وبالدور الذي يلعبه في مساعدتها على إنجاح سياستها الأمنية سواء تعلق الأمر بمحاربة الهجرة غير النظامية أو الإرهاب أو التهريب الدولي للمخدرات.
وعلى الرغم من التحذير المغربي، يضيف بنيس، إلا أن إسبانيا، لم تحرك ساكناً، بل أن وزيرة الخارجية الإسبانية قالت في إحدى الندوات الصحفية الأسبوع الماضي، إن لاشي لديها لتضيفه لما قالته من قبل بخصوص الأهداف “الإنسانية” التي دفعت حكومتها لاستقبال زعيم البوليساريو.
وبالتالي، فإن قرار المغرب عدم تفعيل الاتفاق الأمني القائم بين البلدين جاء كرد على الحكومة الاسبانية لتمرير رسالة واضحة، مفادها أن المغرب ليست له النية في الاستمرار في التقيد بالتزاماته تجاه إسبانيا وفي مساعدتها على تحقيق أهدافها ما دامت إسبانيا لم تعامله بالمثل، بل وتتمادى في اتخاذ خطوات لا تتعارض فقط مع مصالحه الاستراتيجية، بل تشكل تهديداً قوميا له.
وشدّد المحلل السياسي المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية، سمير بنيس، على أنّ المغرب قد وصل لمرحلة لم يعد يقبل فيها بالمواقف المبهمة لدول الاتحاد الأوروبي ويسعى لدفعها لاتخاذ موقف واضح بخصوص هذا الملف عوض الاختباء وراء اللغة الخشبية التي تستعملها دائما.
وبعد توال الخطوات غير المسبوقة التي اتخذتها إسبانيا تجاه الوحدة الترابية، فإن المغرب يسعى لوضع إسبانيا أمام الحقيقة: فإذا كانت تتغنى بمثانة العلاقات بين البلدين، فعليها ترجمة ذلك إلى أفعال تعكس احترامها للمصالح المغربية ولمشاعر الشعب المغربي، أما إذا كانت تريد نهج طريقاً آخر، فإن المغرب سيأخذ ذلك في عين الاعتبار وسيعكسه على مستوى تعاونه معها في شتى المجالات.
وعلى الرغم من أن طريقة ترك السلطات المغربية الباب مفتوحاً للمغاربة والأفارقة من جنوب الصحراء للعبور لسبتة المحتلة قد يكون له أثر سلبي على صورة المغرب ويظهر أن المغاربة ينتظرون أول فرصة لمغادرة المغرب، إلا أن المغرب يسعى لتوجيه رسالة لم يسبق له أن وجهها إلى إسبانيا مفادها أن استقرار وأمن مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، بل وبقاءهما تحت السيادة الإسبانية يتعلق بشكل وثيق بمدى حسن نية المغرب وتعاونه مع إسبانيا وعدم وجود رغبة لدية في اتخاذ خطوات تصعيدية من شأنها أن تدفع بعلاقاتها إلى الطريق المجهول.
سلاح الهجرة وزعزعة استقرار الحدود
ويرى سمير بنيس، أنّ المغرب قد يشهر سلاح “الهجرة” في وجه إسبانيا، وأن بإمكانه زعزعة ذلك الاستقرار في أي لحظة من خلال فتح حدوده مع البلدين وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام المغاربة أو الأفارقة جنوب الصّحراء لاجتياح المدينتين وتهديد السيادة الإسبانية عليهما.
وفي السياق ذاته، أكد الخبير المغربي، على أنه مع توالي الخطوات المعادية التي اتخذتها الحكومة الاسبانية والقرار المغربي، فإن العلاقات بين البلدين ستدخل منعطف مظلم وأزمة دبلوماسية لم تشهدها منذ عقدين من الزمن.
وتابع بالقول، أنه سيكون على البلدين الانتظار لفترة غير قصيرة من الزمن لتجاوز المخلفات السياسية والاقتصادية وكذا النفسية لهذه الأزمة.
من جانب آخر، يضيف بنيس، فلا شك أن العلاقات ستشهد في وقت ما انفراجاً بعد العاصفة التي تمر منها الآن، إلا أن مخلفات هذه الأزمة على المستوى النفسي ستضعف عامل الثقة والنضج الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين خلال الـ15 سنة الماضية، والذي عمل مسؤولي البلدين لعقود طويلة من أجل بنائها.
وخلص بنيس، إلى أنه سيكون هناك ما قبل وما بعد هذه الأزمة الدبلوماسية، وأنه سيتعين على الرباط وإسبانيا انتظار ربما بضع سنوات لإرجاع العلاقات إلى السكة الصحيحة، مما سيتطلب اتخاذ خطوات متبادلة لإعادة بناء الثقة.
وأشار سمير بنيس، إلى أن حبل الود بين الحكومة المغربية والحكومة الاشتراكية الحالية قد انقطع وأن، إن كان هناك أمل في حدوث انفراج حقيقي ومستدام في العلاقات بين البلدين، فربما يتعين انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية المقبلة في إسبانيا بعد ما يقرب من سنة من الآن.
تعليقات الزوار ( 0 )