يستعد وزير “الأمن القومي” في حكومة الاحتلال الجديدة، المستوطن المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير، رئيس حزب “قوة يهودية”، للقيام بانتهاك الحرم القدسي الشريف خلال الأسبوع الجاري، وهذه أول عملية اقتحام له للحرم كوزير، وسط تصاعد دعوات إسرائيلية لتغيير “الوضع الراهن” في أولى القبلتين وثالث الحرمين، ما يعني تهديد هوية ومكانة الأقصى.
وكشفت الإذاعة العبرية العامة عن قيام مساعدي الوزير بن غفير بتبليغ الجهات المعنية في شرطة الاحتلال في القدس بنيّته “زيارة” الحرم القدسي الشريف، غداً الثلاثاء، أو في يوم الأربعاء التالي، منوهة لاحتمال تغيير الموعد بعد الكشف عنه، وذلك للحيلولة دون قيام جهات فلسطينية بتنظيم معارضة لانتهاكه الجديد. وتابعت الإذاعة العبرية في هذا المضمار: “لا توجد مصلحة للجهات المتداخلة في هذه الزيارة بالكشف عن موعدها الدقيق، في محاولة لمنع احتكاكات ومواجهات داخل الحرم، ومن المفترض أن تتدارس الشرطة الموضوع بمشاركة مفتشها العام موشيه كرادي”.
وهناك تساؤلات عما إذا كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سيقوم بالتدخل لتأجيل هذا الاقتحام، ريثما يقوم بزيارة الإمارات في الأسبوع القادم. يشار إلى أن بن غفير سبق واقتحم الحرم القدسي الشريف في الماضي عدة مرات، آخرها عشية راس السنة اليهودية في سبتمبر الماضي، وذلك بمرافقة شرطة الاحتلال التي لا تعارض اقتحامه الوشيك، وفق تقرير الإذاعة العبرية العامة.
يشار إلى أن بن غفير قد كثّف اقتحاماته الاستفزازية للحرم القدسي الشريف، في السنوات الأخيرة، مدعّيا في كل مرة أنه يعارض “التمييز العنصري ضد اليهود في الجبل”.
حرية العبادة للجميع
وبذلك كان، وما زال، بن غفير يعمل ضمن إستراتيجية المستوطنين وجماعات بناء الهيكل المزعوم في الحرم، القاضية بتمرير مخططهم الكيدي بالخطوة خطوة، وعبر تحضير الإسرائيليين، وتأليف قلوبهم وإقناعهم بضرورة تأييد تغيير الوضع الراهن في الحرم، وتقاسمه عملياً مع المسلمين. وجاءت هذه الإستراتيجية في ظل رفض إسرائيلي واسع في الماضي لتغيير الوضع الراهن داخل الرحم القدسي الشريف لدواع دينية وأمنية، مما دفع المستوطنين وجماعات الهيكل للانتقال من الدعوة والمطالبة المباشرة بتغيير الوضع الراهن داخل الحرم إلى المطالبة بـ”المساواة” والسماح لليهود بالزيارة، والقيام بنوع من الصلوات الصامتة من منطلق “حرية العبادة للجميع”.
وتدلل استطلاعات رأي، في السنوات الأخيرة، أن هناك أغلبية إسرائيلية تؤيد تغيير الوضع الراهن داخل الحرم القدسي الشريف والسماح لليهود بالصلاة فيه “من باب المساواة مع المسلمين المسموح لهم الصلاة في “حائط المبكى”(حائط البراق)”. وفي استطلاع لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، قبل ثلاث سنوات، قال 70% من اليهود في إسرائيل إنهم يؤيدون “زيارة اليهود للجبل”، فيما يؤيد 465 منهم منحهم فرصة الصلاة في الحرم القدسي الشريف بحرية، ودون تقييد، بعكس ما هو قائم اليوم، وفي المقابل يعارض 14% فقط منهم تمكين اليهود من زيارة المكان.
بقرة حمراء
يشار إلى أن ما يعرف بـ “الوضع الراهن” هو اتفاق غير مكتوب بين حكومات الاحتلال وبين الأردن، حدد مضمونه وزير الأمن الراحل خلال حرب 1967 موشيه ديان، وهو ينص على قيام الأوقاف الأردنية بإدارة شؤون الحرم، والسيطرة على مداخله، عدا باب المغاربة الذي تدخل منه عادة قوات الاحتلال، وتتم عبره “زيارات اليهود”. كما يقضي “الوضع الراهن” بفتح الحرم القدسي الشريف لزيارة اليهود كسائحين فقط، وتمكين المسلمين من الصلاة في “حائط المبكى (حائط البراق). وبالتزامن أصدر عدد كبير جداً من الحاخامات فتاوى تحظر على اليهود زيارة الحرم من منطلق ديني يعتبر المكان موقعاً تاريخياً للهيكل المزعوم، لكنه غير محدد أين بالضبط، ما يعني احتمال دوس الزائرين عليه، وهذا برأي الحاخامات من الكبائر. كما سوّغ هؤلاء فتاوى حظر زيارات اليهود للحرم القدسي الشريف بالحسابات الأمنية، وأشاروا لخطورة اندلاع مواجهات عنيفة خطيرة مع الفلسطينيين ما يعرض أمن اليهود في البلاد والعالم لخطر حقيقي.
وذهب بعض الحاخامات أيضاً للقول إن زيارة اليهود للحرم تقتضي التطّهر أولاً، ومن خلال طقس خاص، عماده إحراق بقرة حمراء، والتمسح برمادها، ثم الاستحمام في مطهرة شرعية قبيل دخول الحرم القدسي لقيامه على أنقاض “الهيكل الثاني”، وحالياً لا توجد مثل هذه البقرة. لكن جماعات من المستوطنين تزعم، في الشهور الأخيرة، أنهم نجحوا بالعثور على بقرة حمراء في الولايات المتحدة، وتم استيرادها، وهي اليوم موجودة داخل حظيرة في الجولان السوري المحتل، وقد أنجبت خمس بقرات لونها أحمر.
تأليف القلوب
لكن في العقود التالية بعد 1967، بدأ المستوطنون بالعمل لتغيير هذه المفاهيم، وإقناع عدد متزايد من الحاخامات بإصدار فتاوى جديدة مغايرة تسمح بالزيارة، بل بالصلاة من قبل اليهود في الأقصى. كما تنامى نشاط جماعات الهيكل من أجل إقناع الإسرائيليين بعدم الاكتفاء بتغيير الوضع الراهن داخل الحرم، وبضرورة بناء الهيكل الثالث في المكان. وقبل أكثر من عقد كشف تحقيق لجمعية حقوقية إسرائيلية مختصة بشؤون القدس تدعى “عير عميم” عن نشاط 27 جمعية استيطانية من أجل بناء الهيكل المزعوم، شارك فيه بعض الوزراء، وتلقى دعماً حكومياً متنوعاً من ست وزارات.
أما حكومة نتنياهو السادسة فيؤيد نحو نصف وزرائها اليوم تغيير الوضع الراهن داخل الحرم القدسي الشريف، ومن أبرزهم إيتمار بن غفير، الذي سئل أمس عن السيادة في الحرم القدسي الشريف، فقال إن هناك “أحلاماً كثيرة، لكن هذه ليست حكومة حزب قوة يهودية”، منبهاً إلى أن برنامج حزبه الانتخابي لم يعِد بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الحرم. يذكر أن حزب “الصهيونية الدينية” برئاسة باتسلئيل سموتريتش كان قد أكد في برنامجه الانتخابي تأييده فتح الحرم القدسي الشريف لليهود من أجل الصلاة.
ويذكر أيضاً أن عدد المقتحمين اليهود الذين دخلوا الحرم القدسي الشريف خلال 2022 قد بلغ أوجه في سبتمبر الماضي، حيث بلغ تعدادهم نحو 8000 شخص، وهذا رقم يعادل عدد المقتحمين خلال عام واحد قبل عقد تقريباً. وحسب معطيات جمعية “إدارة الجبل” الاستيطانية، فقد اقتحم الحرم خلال كل عام 2012 حوالي 7700 يهودي، وفي الفترة ذاتها زار نحو مليوني يهودي حائط البراق، الذي يعتبره الاحتلال “حائط المبكى”.
فليعلم الأردن أن صلاة اليهود في الحرم جزء من الوضع الراهن
ومن بين الدعوات الإسرائيلية المتصاعدة لفتح الحرم القدسي الشريف للصلاة أمام اليهود أيضاً، على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل، دعوة أطلقها المحامي اليميني المتشدد نداف شراغا، الذي هاجم الأردن في هذا المضمار.
في مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” قال شراغا إنه منذ الأيام الأولى يتعين على بنيامين نتنياهو وقيادته الجديدة/ القديمة أن تعالج “الخطوط الحمراء” للأردن، كما صاغها بغموض الملك عبدالله الثاني، قبل أيام. وتابع شراغا: “دون أن يقول هذا صراحة، تحدث عبدالله عن الحرم”، بل هدّد محرضاً على المملكة والملك: “عملياً، الأردن والسلطة الفلسطينية يطلبان من الولايات المتحدة أن تفرض على إسرائيل وقف صلاة اليهود في الجانب الشرقي من الحرم. تتم الصلوات هناك تحت رقابة وإذن الشرطة منذ خمس سنوات. كما أن عبدالله وأبو مازن أطلقا معاً مشروع تمويل للتواجد الإسلامي في الحرم، وفي إطاره يبقى هناك كل يوم ألف مسلم من حفظة القرآن”.
شراغا، المتماثل مع المستوطنين، قال إنه الآن، بعد أن أطلق الملك كلمته، يتعين عليه أن يسمع منا بأن لإسرائيل أيضاً خطوطاً حمراء في الحرم: أولاً، إن الوضع الراهن (الستاتيسكو) لم يعد مقدساً. المسلمون هم الذين قلبوه رأساً على عقب في يوبيل السنوات الأخيرة، حيث أقاموا في الحرم أربعة مساجد أخرى، وأغلقوا اثنين من أبوابه في وجه اليهود وغيرها وغيرها.
كما قال: “ثانياً، ألا يكون أي قيد على زيارات اليهود في الحرم، وأن الصلوات الصامتة هناك ستستمر. إذا كان الملك يصر على إعادة الوضع الراهن القديم إلى سابق عهده، ووقف صلوات اليهود هناك، فعلى إسرائيل أن تصر على أن يعود الوضع الراهن القديم إلى سابق عهده أيضاً في كل ما يتعلق بالمسجد المرواني والأقصى القديم، وهما تغييران أساسيان للنظام في الحرم. مسجدان لم يكونا هناك في العام 1967. والحل الوسط النزيه هو أن هذه وتلك يبقيان هناك”.
مدعياً أن إسرائيل ملزمة أيضاً بحساب نفس داخلي، في كل ما يتعلق بسلوكها تجاه الأردن في موضوع الحرم، زاعماً أن المملكة الأردنية حصلت من إسرائيل على هدايا سخية أكثر مما ينبغي: فقد مُنح الأردنيون حق فيتو على تبديل جسر المغاربة المتهالك ووضع جسر دائم. استلموا الترميم والمعالجة للحائط الشرقي والحائط الجنوبي بعد أن برزت شقوق فيهما.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )