شارك المقال
  • تم النسخ

بلدة مجدل شمس تشيّع ضحاياها ظهراً على وقع طبول الحرب الإسرائيلية وتزايد الخوف من نار كبرى

تشيّع بلدة مجدل شمس في الجولان العربي السوري المحتل، قبيل ظهر اليوم، جثامين 12 طفلاً، ثمانية أولاد وأربع بنات، لمثواهم الأخير، فيما يمكث نحو 30 طفلاً آخر في المستشفيات، جراح بعضهم صعبة.

مجدل شمس، المتكئة على سفح جبل الشيخ، هي عاصمة الجولان السوري المحتل، وتعداد سكانها نحو 13 ألف نسمة، ومن حولها قرى مسعدة، وبقعاتا، وعين قينيا، وسكانها كافّتهم من العرب الدروز.

وتتواصل مساع إسرائيلية رسمية وغير رسمية لدقّ الأسافين بين العرب الدروز في المنطقة، وبين “حزب الله”، وربما سائر العرب. ويصل، ظهر اليوم الأحد، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو البلاد، عائداً من الولايات المتحدة، التي بكّر مغادرتها بعد انتقادات إسرائيلية واسعة على مكوثه مطولاً في ذروة حرب قاسية.

يصل نتنياهو غداة كارثة مجدل شمس، وسط تصاعد التوتر والخوف من اتساع النار ونشوب حرب مدمرة، ربما تتحوّل لإقليمية، فيما تشهد إسرائيل قرعاً لطبول الحرب وحملات شديدة على نتنياهو تحمّله مسؤولية التدهور الخطير، واحتمال التورط في جبهة كبرى في الشمال، دون تحقيق أهداف الحرب في الجنوب، على غزة.

من جهته، وقبيل وصوله، قال نتنياهو، في بيان، للإسرائيليين: “صعقت لرؤية الصور المروّعة عقب الهجمة القاتلة لـ “حزب الله” في مجدل شمس. قلبي يتحطم أمام مشاهد قتل الأطفال، ونحن نعانق عائلاتهم، ونعانق كل الطائفة الدرزية في ساعتها القاسية، وهي ساعتنا الصعبة. فور وصولي للبلاد سأعقد اجتماعاً للمجلس الأمني، وإسرائيل لن تمر بصمت “.

تهديدات بردّ مزلزل

وتتنافس أوساط في الائتلاف والمعارضة في الدعوات للانتقام والرد، وما يعقد المشهد وجود سجالات واتهامات ومزاودات داخلية في إسرائيل، إضافة لدعوات أوساط من سكان الشمال فيها ممن يتساءلون هل يأتي الرد على مقتل الأطفال في مجدل شمس، كما جاء الرد كبيراً ضد الحوثيين بعد مقتل إسرائيلي واحد في تل أبيب، أم أن تل أبيب أهم، ودم سكانها مختلف عن لون دمنا؟

وهل يكون الرد الإسرائيلي أشدّ لو كان الضحايا من اليهود في مدينة كريات شمونة المجاورة؟

وفي إطار تصريحات التهديد والوعيد، قال وزير الأمن في حكومة الاحتلال  يوآف غالانت، خلال زيارته أطراف مجدل شمس، إنها مأساة مرعبة، ويوجعني قلبي، و”حزب الله” مسؤول، وسيُسدّد الثمن”.

قائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي، الذي زار هو الآخر مداخل مجدل شمس، وحاول التقرّب من سكانها العرب الدروز، قال مهدداً: “حاربنا بعناد في هذه الفترة، وهذه الحادثة ستؤدي لرد قوي جداً. أهدافنا واضحة جداً: سنمس بـ “حزب الله” بشكل قاس، ونضربه بقوة، ندفعه للخلف، ونعيد سكان الشمال بأمان. نحن مصممون جداً لفعل ذلك”.

وحَمَلَ رئيسُ المعارضة يائير لبيد على نتنياهو لعدم إعلانه قراره بالعودة للبلاد فور علمه بالكارثة. وتابع: “في هذه الساعات، ينبغي أن يكون هنا، ويشارك في إدارة الحرب. الحقيقة بأنه تأخر، هذا دليل مخجل على انفصامه المطلق عن الواقع، وهو لا يكترث بأي شيء عدا نفسه”.

ودعا بيني غانتس، وزير الأمن السابق، المعارض لنتنياهو الآن، لإنهاء الوضع في الشمال برد كبير.

ورداً على سؤال لغانتس، من قبل الإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم، “ألا تخشى أن ننزلق لحرب؟”، أجاب غانتس بحذر، وتلميح لضرورة البحث عن حل سياسي: “نحتاج رداً جوهرياً ضد حزب الله وضد لبنان. النصر الحقيقي غير مرتبط بقبعة مكتوب عليها نصر مطلق. النصر المطلق يعني عودة المخطوفين أحياءً وأمواتاً.. وترتيب أوراق إسرائيل إستراتيجياً في المنطقة من حولنا، وهذا لا يحدث بسبب اعتبارات سياسية فئوية لدى نتنياهو. نحتاج لقيادة حقيقية تعالج قضايانا الجوهرية، وتهتم بالدولة لا بالحكومة”.

ووجّه رئيس حزب “يسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، الاتهام لحسن نصر الله، وقال إنه حان الوقت ليُسدّد الثمن”.

 وصدرت انتقادات من داخل الائتلاف أيضاً، فدعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير نتنياهو لعقد الكابنيت فوراً، ومن خلال الهاتف المحصن، من أجل اتخاذ قرار في الشمال فوراً.

وقال وزير الاقتصاد والصناعة نير بركات إنه على إسرائيل تغيير مطلق للمعادلة في الشمال، وينبغي أن يدفع لبنان و”حزب الله” ثمناً باهظاً بعد المصيبة الكبرى في مجدل شمس، وبعد الإرهاب في الشمال”.

هكذا يصبح نتنياهو تشرتشل الإسرائيلي

وحمل رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك على نتنياهو، وقال ساخراً إن الإنكليزية الكاملة ليست بديلاً عن فقدان مطلق للشجاعة والاستقامة. نحن نريد أفعالاً لا أقوالاً.

في حديث للإذاعة العامة، يحذر براك مجدداً من اتساع الحرب في الشمال: من المفضل أن تختار إسرائيل الزمان والطريقة  للحرب على “حزب الله”، وهذا ليس الوضع الآن. المطلوب الآن القول نعم لنظرية بايدن، والمشاركة في تشكيل تحالف إقليمي دولي ضد إيران”.

ودعا للتمرد المدني حتى تسقط الحكومة، وحماية إسرائيل، والديموقراطية.

في المقابل؛ تدعو أوساطٌ واسعة من المراقبين في إسرائيل إلى رد قوي مع الحذر من الانزلاق لحرب كبرى تفرض على إسرائيل، بدلاً من اختيارها المكانَ والزمانَ والطريقَ، وتكون مؤذية للإسرائيليين أيضاً. ويوجه كثيرٌ منهم انتقادات حادة لنتنياهو.

في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قال الرئيس السابق للجناح السياسي- الأمني في وزارة الأمن الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد إن المساس المتواصل بالشمال، الذي بلغ ذروته أمس في مجدل شمس، يجسّد عدم وجود سياسة لإسرائيل ورئيسها.  ويؤكد جلعاد أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الذي استدرّ تصفيقاً ساخناً يجسد مأساة فقدان القيادة.

 ويضيف: “إذا لم يتم توقيع اتفاق صفقة في الأيام القريبة تعيد المخطوفين ستكون هذه وصمة للأبد على جبين إسرائيل. هذا هو الوقت لقرارات تاريخية وليس لخطابات براقة”.

جلعاد، الذي يدعو، منذ شهور، لوقف الحرب، يحذّر من انزلاق لحرب مع “حزب الله” الآن، ويرى أن الحل الشامل هو المخرج الحقيقي للمأزق: “في الكونغرس، قارن نتنياهو نفسه بتشرتشل.. وللعلم تشرتشل تميزَ بقدراته البلاغية والخطابية، لكنه أرفقها بقرارات قيادية أتاحت الانتصار على النازية. وعلى نتنياهو ترك سياسات التأجيل والمماطلة والشعارات الفارغة ويتخذ قراراً يعزّز قوة إسرائيل وإعادة المخطوفين فوراً، ووقف القتال استعداداً للتحديات المستقبلية في غزة، وفي الشمال، واستعادة النازحين، وإدخال إسرائيل على طريق الترميم”.

ويخلص جلعاد للقول إن إسرائيل بحاجة لوحدة حقيقية تشمل تجنيد الجميع كي لا تتكسر من الداخل، وبحاجة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، معتبراً أن كارثة مجدل شمس ينبغي أن تكون محفّزاً لاتخاذ قرار قيادي تشرتشلي حقيقي”.

الهدف: لبنان

وعاد مستشار الأمن القومي السابق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند ليدعو من جديد لاستهداف لبنان، لا “حزب الله” فحسب، مكرّراً، ومستنسخاً بذلك دعوته، منذ اليوم الأول للحرب على غزة، بدلاً من “حماس”، بذريعة إجرامية بربرية تقول إنه لا فرق بين عسكريين ومدنيين، وإن نساء وأطفال غزة هم أمهات وأخوات وأولاد “مخربي حماس”.

ويقول آيلاند، الذي اقتبست “محكمة العدل الدولية” في لاهاي تصريحات سابقة له، إذ يقول في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” إنه فيما لو انزلقنا لحرب، أو بادرنا لها، علينا محاربة لبنان بدلاً من محاربة “حزب الله”، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتأثير على حزب الله”، متجاهلاً المجازر وجرائم الحرب المترتبة على ذلك، كما حصل، على سبيل المثال، في مذبحة قانا الأولى خلال عدوان “عناقيد الغضب”، عام 1996، ومذبحة قانا الثانية خلال حرب لبنان الثانية، عام 2006، وغيرها.

إسرائيل تتورط في الشمال قبل استقرار الجنوب

ويستنتج محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن إسرائيل تتورط في تصعيد في الشمال دون أن تنجح بتثبيت الجبهة الجنوبية مقابل “حماس.” مرجحاً أن يؤدي مقتل الأطفال في مجدل شمس لتصعيد الرد الإسرائيلي، وأن يثقل التركز بالشمال على مساعي إتمام الصفقة، التي يعطّلها نتنياهو أصلاً.

في ظل المأزق الشخصي الذي يكابده نتنياهو، المسكون بهاجس التاريخ، يبدو التصعيد واللعب بالنار في شمال البلاد خطيراً جداً، لأنه يواصل الطمع بصورة انتصار تبقيه في التاريخ وفي سدّة الحكم، وربما بعيداً عن السجن.

منع حرب كبرى يبدو شبحها خلف عتبة الباب، رغم عدم رغبة الفاعلين بها، هو مهمة الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا التي فشلت في امتحانها الأول، بعدما أفرطت في الثرثرة دون خطوات فعلية لوقف الحرب على غزة، فهل تفشل في الامتحان الجديد والأخط

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي