أصدرت “وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة” في 20 فبراير 2025 بلاغا صحفيا حول مجريات اجتماع اللجنة المشتركة بين الوزارة والنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية في إطار الحوار الاجتماعي القطاعي، وبقدر ما يتسم هذا البلاغ بالوضوح في سرد الأحداث، بقدر ما يغلب عليه الطابع التقريري دون إبراز مواقف واضحة أو حاسمة من بعض الملفات العالقة، كما أنه يستخدم لغة تفاؤلية نوعًا ما، مما يعكس رغبة الوزارة في إظهار أن هناك تقدم في تنفيذ مضامين اتفاقي 10 و 26 دجنبر 2023، وكذا “مقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية” لكن دون تقديم أرقام أو مؤشرات دقيقة لقياس هذا التقدم.
- مجرد تساؤلات:
- التقدم في تنفيذ اتفاقي 10 و 26 دجنبر 2023، وتنزيل مقتضيات النظام الأساسي: ادعاء أم واقع؟
يشير البلاغ ضمن مخرجاته إلى تحقيق نسبة 80% من تنفيذ الاتفاق، لكن دون تقديم تفاصيل دقيقة حول طبيعة هذا التنفيذ، فهل يشمل هذا الرقم القرارات التي تم تطبيقها فعليًا أم هو مجرد التزام إداري؟
وما مدى انعكاس هذا التقدم على وضعية هيئة التدريس الفئة المعنية بأكثر بالملفات العالقة؟
الجدولة الزمنية: التزام جدي أم وسيلة لامتصاص الغضب؟
تحديد مواعيد لمناقشة القضايا المتعلقة بالمواد 76، و45، وبمباريات ولوج مركزالتخطيط والتوجيه ومركز تكوين مفتشي التعليم إلى جانب ولوج سلك تكوين أطر الإدارة التربوية، قد يكون خطوة إيجابية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى جدية الوزارة في حلحلة بعض الملفات العالقة كالمادة 81 مثلا، لقد كان من الأفضل أن يتضمن البلاغ جداول تنفيذية واضحة مع مؤشرات دقيقة لقياس التقدم، بدل الاكتفاء بلغة فضفاضة، فهل ستُفضي هذه الاجتماعات إلى قرارات تنفيذية أم ستكون مجرد لقاءات شكلية تقدم وعودا فضفاضة دون التزام حقيقي؟.
ج. إغفال بعض الملفات الملحة:
رغم أن البلاغ يتحدث عن معالجة بعض القضايا، إلا أنه يغفل ملفات أكثر مظلومية من مثل ملف المقصيين من الأثر الرجعي والإداري لخارج السلم (الدرجة الممتازة)، وإرجاع الاقتطاعات، ثم تأخير الترقيات
د. الخطاب الموجه للنقابات: تهدئة أم تكتيك؟
من الواضح أن الوزارة تسعى من خلال هذا البلاغ إلى إرسال رسائل تهدئة للنقابات، لكنها في المقابل لم تقدم أي التزامات صريحة، مما يجعل الخطاب يبدو تكتيكيًا أكثر منه استجابة حقيقية لمطالب الفاعلين النقابيين.
في المجمل، يظهر البلاغ محاولة الوزارة لاحتواء الوضع عبر خطاب تصالحي، لكنه يفتقر إلى العمق المطلوب في معالجة الملفات الكبرى. يبقى السؤال: هل ستترجم هذه الاجتماعات إلى إجراءات ملموسة، أم أن الأمر مجرد تسويف جديد لكسب الوقت؟
ما الرسائل التير تحاول وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة توجيهها إلى الشغيلة التعليمية؟
تحاول الوزارة المعنية، من خلال بلاغها، توجيه عدة رسائل مباشرة أو ضمنية إلى الشغيلة التعليمية، حيث تسعى إلى إظهار التقدم في الحوار القطاعي عبر تقديم صورة إيجابية عن المفاوضات، وكأنها تسير في الاتجاه الصحيح، وذلك لاحتواء أي تصعيد محتمل، مستخدمة عبارات فضفاضة مثل “مواصلة الحوار” و”تنفيذ الالتزامات”، رغم عدم تحقيق تقدم فعلي في بعض الملفات.
كما تعمل على تقليل الضغط والاحتجاجات من خلال تجنب تقديم تفاصيل دقيقة حول الملفات العالقة، مثل المواد 76 و81 و89، مما يعد رسالة ضمنية تدعو الشغيلة إلى التريث وانتظار “نتائج الحوار” بدل اللجوء إلى التصعيد الميداني.
إضافة إلى ذلك، تحاول الوزارة إظهار الحوار كعملية مستمرة، مما يعطي انطباعًا بأن النقابات ليست بحاجة إلى مزيد من الضغط لتحقيق المطالب، كما تلمح إلى وجود صعوبات مالية وإدارية، في محاولة للإيحاء بأن هناك عوائق مرتبطة بالميزانية أو الإطار القانوني تمنع الاستجابة الفورية لهذه الملفات.
موقف النقابات: غياب التقدم واستمرار التماطل
بالمقابل، جاء البلاغ المشترك للنقابات التعليمية الخمس أكثر وضوحًا، حيث أكد أن الحوار لم يسفر عن أي تقدم حقيقي في الملفات الشائكة، بل لا تزال قضايا مثل المواد 76 و81 و89 المتعلقة بالترقيات والتعويضات والتكوين تراوح مكانها.
كما شددت النقابات على أن جزءًا كبيرًا مما تدعي الوزارة تحقيقه لا يزال مجرد وعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ، ما يستدعي استمرار الضغط والتصعيد حتى تلتزم الوزارة فعليًا بما تم الاتفاق عليه.
التباين الكبير بين خطاب الوزارة وموقف النقابات يكشف أن الحوار الاجتماعي لم يصل بعد إلى مستوى الحسم المطلوب، بل يبدو أنه يسير في حلقة مفرغة، حيث تقدم الوزارة وعودًا فضفاضة، بينما تواصل النقابات تحركاتها دون أن تحقق اختراقًا حقيقيًا في القضايا الجوهرية.
الواضح إذن أن الحوار القطاعي لا يزال يواجه تحديات كبيرة، حيث تتبنى الوزارة نهج المماطلة دون تقديم حلول ملموسة، بينما تبقى النقابات في موقع رد الفعل بدلًا من فرض أجندة واضحة للحسم في الملفات الأساسية.
في ظل هذا الوضع، يبقى السؤال الأهم: هل نشهد في المستقبل القريب تنفيذًا جادًا للالتزامات، أم أن الوزارة ستواصل سياسة التسويف إلى حين تراجع الضغط النقابي؟
(*) أستاذ الثانوي الإعدادي بمديرية سلا
تعليقات الزوار ( 0 )