كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في تقرير حديث عن التناقضات التي تحيط بالموقف الجزائري الرافض لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث تظهر الجزائر كواحدة من الدول العربية القليلة التي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع حتى يتم تحقيق دولة فلسطينية مستقلة.
وأوضح تقرير الصحيفة سالفة الذكر، أن تحليلًا أعمق لسياسات الجزائر الجيوسياسية وصراعها الإقليمي مع المغرب يكشف عن درجة من “النفاق السياسي” في هذا الموقف الصارم.
الخطاب الرسمي: دعم غير مشروط لفلسطين
وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرارًا وتكرارًا أن التطبيع مع إسرائيل “غير مطروح على الطاولة”، مشددًا على أن الجزائر لن تعترف بإسرائيل حتى يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
ويتوافق هذا الموقف مع الرواية التاريخية للجزائر، التي ترى في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي نموذجًا للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وتقدم الجزائر نفسها كحصن منيع للقضية الفلسطينية، مستفيدة من شعور شعبي واسع يتعاطف مع الفلسطينيين ويرى في التطبيع خيانة للتضامن العربي.
واستنادا إلى المصادر ذاتها، فإن هذا الخطاب يعزز الشرعية الداخلية للنظام الجزائري ويقوي صورته كدولة مناهضة للاستعمار والهيمنة الغربية.
التناقضات: علاقات غير مباشرة وحسابات إقليمية
ورغم الخطاب الرسمي المتشدد، تظهر الجزائر درجة من المرونة في تعاملها مع دول لها علاقات قوية مع إسرائيل. ففي الوقت الذي تدين فيه الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مثل المغرب والإمارات والبحرين، تحتفظ الجزائر بعلاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين، وهي دول لديها تحالفات استراتيجية مع إسرائيل.
بل إن تقارير تشير إلى أن الجزائر تتعامل بشكل غير مباشر مع مؤسسات إسرائيلية، خاصة في مجالات الدفاع والأمن السيبراني، من خلال وسطاء.
كما تشارك الجزائر في منظمات دولية تشارك فيها إسرائيل، مما يظهر أن موقفها الرافض للتطبيع ليس مطلقًا كما يُصور.
الصراع مع المغرب: العامل الخفي
وأحد العوامل الرئيسية التي تشكل الموقف الجزائري من إسرائيل هو الصراع الإقليمي مع المغرب، خاصة حول قضية الصحراء الغربية المغربية.
وعندما قام المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 كجزء من اتفاقيات “إبراهيم” التي توسطت فيها الولايات المتحدة، اعتبرت الجزائر هذه الخطوة خيانة للقضية الفلسطينية.
ومع ذلك، فإن غضب الجزائر كان مدفوعًا إلى حد كبير بالقلق من المكاسب الاستراتيجية التي حققتها المغرب، حيث اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء كجزء من صفقة التطبيع.
هل يتغير الموقف الجزائري؟
ورغم الخطاب المتشدد، فإن التطورات الجيوسياسية في المنطقة قد تدفع الجزائر إلى إعادة تقييم موقفها. فمع تحولات كبرى في العالم العربي، حيث تدرس دول مثل السعودية إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قد تجد الجزائر نفسها معزولة إذا استمرت في موقفها الحالي.
كما أن الضغوط الاقتصادية قد تلعب دورًا في دفع الجزائر نحو سياسة أكثر براغماتية. فاعتمادها الكبير على عائدات النفط والغاز يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية، مما قد يدفعها إلى تنويع شراكاتها الدبلوماسية والاقتصادية.
وإذا أصبحت فوائد التطبيع تفوق التكاليف السياسية، فقد تجد الجزائر طريقة لتبرير تغيير في سياستها مع الحفاظ على خطابها الداعم لفلسطين، حسب تقرير الصحيفة.
بين المبدأ والمصلحة
وتقدم الجزائر نفسها كمدافعة شرسة عن حقوق الفلسطينيين، لكن موقفها مليء بالتناقضات. ففي حين ترفض التطبيع مع إسرائيل، فإنها تتعامل مع حلفاء إسرائيل وتشارك في منتديات دولية توجد فيها إسرائيل.
كما أن عداءها لتطبيع المغرب يكشف أن معارضتها لإسرائيل مرتبطة إلى حد كبير بالصراع الإقليمي مع جارتها الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموقف الجزائري من إسرائيل هو استراتيجية محسوبة بدقة أكثر من كونه موقفًا مبدئيًا ثابتًا. ومع استمرار تطور الديناميكيات الجيوسياسية، يبقى السؤال: هل ستتمسك الجزائر بخطابها المتشدد، أم أنها ستتبع في النهاية مسار جيرانها الإقليميين؟
تعليقات الزوار ( 0 )